
الناس-
في سياق الجهود البحثية المتزايدة لفهم مكونات المجتمع الليبي وتاريخه الاجتماعي والديني، قدّم الباحث الليبي عبد الله الشاعت دراستين علميتين تناولتا أوضاع الطائفة اليهودية في ليبيا، وذلك ضمن منشورات المركز الديمقراطي العربي في برلين.
الدراسة الأولى جاءت تحت عنوان: “أوضاع الطائفة اليهودية في ليبيا منتصف القرن التاسع عشر”، ونُشرت ضمن العدد العاشر من المجلة العربية لعلم الترجمة، الصادر مطلع هذا العام، قدّم فيها الشاعت ترجمةً لأحد الفصول النادرة التي تناولت الطائفة اليهودية، من كتاب ألماني يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر.
الكتاب الأصلي بعنوان: “ثمان سنوات في آسيا وأفريقيا”، لمؤلفه الرحالة اليهودي جوزيف إسرائيل بنيامين (1818 – 1864)، الذي زار الأراضي الليبية سنة 1851م. وقد خُصص الفصل 39 من الكتاب للحديث عن ليبيا، ويعد من المصادر النادرة التي تسجّل ملاحظات ميدانية عن أوضاع الجالية اليهودية في تلك الفترة.
في هذه الترجمة، يكشف الشاعت عن معلومات ثرية وثّقها بنيامين حول أعداد اليهود في ليبيا، وقياداتهم الدينية، ومعابدهم، وطقوسهم في الزواج والوفاة والولادة، إضافة إلى وصف لأزيائهم التقليدية، وعلاقاتهم بالسلطات الحاكمة، كما أورد المؤلف وصفًا دقيقًا لأبرز الشخصيات اليهودية الفاعلة في طرابلس، خصوصًا في ميادين التجارة والجمارك.
ينقل بنيامين في نصه شهادة حول أوضاع اليهود في طرابلس، إذ يقول:
“يعيش رفاقنا -يقصد اليهود- بحرية وسعادة في طرابلس، يمارسون تجارة مهمة وعادة ما يكونون أثرياء جدًا، والعديد منهم مسؤولون حكوميون في الجمارك.”
وقد امتدت زيارة بنيامين لتشمل قرى ومدن مثل: العمروس، تاجوراء، مسلاتة، زليتن، مصراتة، وبنغازي، بالإضافة إلى الزاوية وغريان ويفرن.
ويشير الباحث إلى أن المؤلف أبدى انبهارًا ببعض المأكولات الليبية التقليدية مثل الزميتة والبازين، ودوّن وصفًا تفصيليًا لطريقة تحضيرها ومكوناتها.
أما الدراسة الثانية التي أنجزها الشاعت، فجاءت بعنوان: “يهود ليبيا في كتابات الرحالة الأوروبيين: 1811 – 1911م”، ونُشرت في العدد 25 من مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية، الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي في ديسمبر 2024.
تناولت هذه الدراسة بالتحليل ما دوّنه الرحالة الأوروبيون الذين زاروا ليبيا خلال قرن كامل من الزمن، وسجّلوا ملاحظاتهم حول الطائفة اليهودية. وقدّم الشاعت في التمهيد تأصيلاً تاريخيًا لوجود اليهود في ليبيا، أعقبه خمسة مباحث تفصيلية تناولت: تعداد اليهود وتوزيعهم الجغرافي، علاقتهم بالسلطة الحاكمة، تفاعلهم مع المجتمع المحلي، نشاطهم الاقتصادي، وأوجه حياتهم الاجتماعية والدينية والثقافية.
ومن أبرز الرحالة الذين اعتمد عليهم الباحث: جورج فرنسيس ليون (1817)، ديكسون دينهام (1822)، وهاينريش بارت (1846)، وفون مالتسان، وغيرهارد رولفس، وغوستاف ناختيغال (1869)، وإيفالد بانزه (1909).
وقد خلُص الشاعت إلى أن هذا المكون الديني والاجتماعي قد نال اهتمامًا لافتًا من الرحالة الأوروبيين، حيث عكست كتاباتهم تفوقًا اقتصاديًا وتعليميًا نسبيًا لليهود مقارنة بغيرهم من سكان البلاد، مع محدودية انتشارهم في المناطق الجنوبية، ووجود توتر اجتماعي بينهم وبين غالبية السكان المسلمين في فترات مختلفة.