أثرى الأستاذ عبدالحكيم المالكي مشواره البحثي النقدي الطويل في علوم السرديات بكتابه الجديد الذي حمل عنوان (تحليل الخطاب السردي (قصة الميثاق من مجموعة السوأة لعبدالله الغزال نموذجا)..
* كتب/ عبدالله الغزال،
الكتاب صدر عن دار تالة للطباعة والنشر بطرابلس. وهو كتاب أخذ منحى جديدا نقديا تعليميا زاوج بمهارة بين طرفي المعادلة الصعبة، بين بساطة الطرح وصعوبة المحتوى، حيث انتهج الكاتب طرقا وأساليب غاية في الدقة والجمال والعمق معا ليوصل رؤاه النقدية المتفردة في عالم النقد، وعهدناها على باحث عبقري مثل المالكي، وهو يجوس خلال عوالم السرد وفنونه وتشابكاته وتعقيداته.
المجموعة القصصية السوأة تضم في الحقيقة سبع قصص طوال كتبتها قبل تسعة عشر عاما، وفازت بجائزة الشارقة الأولى وقتها، وتم الاحتفاء بها كما ينبغي لها (خارج ليبيا بالطبع)، وقد كتب الناقد العراقي الدكتور صالح هويدي أستاذ النقد الأدبي بجامعة الشيخ زايد أيامها بعد صدورها عن وزارة الثقافة بالشارقة بحثا مطولا بعنوان: (جدل الخطيئة والخلاص- قراءة في بنية الانسحاب في المجموعة القصصية السوأة للروائي الليبي عبدالله الغزال).
وقال في خاتمة بحثه (ولا ريب عندي في أن مجموعة السوأة، التي تشتمل على سبع قصص قصيرة، تقدم نصا سرديا ينطوي على قدر من التميز بين النصوص القصصية الليبية المعاصرة.
وإن ما يجعل من النص السردي للقاص عبدالله الغزال متميزا هو اشتماله على عدد من الثيمات والخصائص الفنية، يقف في مقدمتها تلك الموضوعة التي تتغلغل في نسيج القصص جميعا، مازجا فيها بين الواقع والمتخيل، ومشتغلا على ثيمة الرؤية الدينية، بوصفها بدءا وخلاصا، رؤية ونذيرا.
لكن الرؤية الدينية لا تحضر في نصوص القاص على النحو التقليدي للقص، بل تحضر في جو من التخييل، وطرائق من الاشتغال، تهدف إلى صياغة مفردات القصص والرؤى جميعا، لتعيد إنتاجها، ضمن صياغات فنية، لا تخلو من حضور عناصر الجدة والإدهاش).
كانت رؤية الدكتور هويدي في الواقع واشتغاله هو اشتغال لا يخرج عن الاشتغال التقليدي للنقد السردي وقتها وإن كان لا يخلو من جوانب مثيرة ومذهلة.
لكن ما يطرحه المالكي بعد كل هذه السنين فهو تعالج صادم وأكثر عمقا وعلمية وواقعية؛ لما يطرح اليوم في معامل النقد الكبرى على اتساعها خارج ليبيا وضيق أفقها وجديتها داخل ليبيا.
كتاب المالكي الجديد هو نقد تطبيقي، شرح فيه بلسان معلم خبير وفنان ذي قريحة خطرة كيف يمكن أن يتحول الباحث من اشتغالات الخطاب النظرية إلى تطبيق تلك الاشتغالات واقعيا على النص السردي، عبر مراحل يراها لازمة لأي عمل نقدي رصين ونافع وهي:
أولا- توضيح بسيط لآليات عمل سرديات الخطاب كما عرفتها سرديات جينيت وسعيد يقطين.
ثانيا- إدخال مفاصل الرؤى النظرية السابقة في النص مادة البحث.
ثالثا- استنطاق نتائج التحليل ومحاولة الوصول لفهم لماذا تم تخطيب هذه القصة بهذا الشكل..
هذا الكتاب هو هدية قيمة وثمينة يهديها هذا الناقد الفذ الأديب إلى كل مهتم وباحث تشغله هموم النقد وآفاقه، وينشغل ذهنه وقريحته باكتشاف ما تخبئه فنون السرد من أسرار كبرى، ومحاولة سبر ماذا أراد الكاتب أن يقول..
كل الشكر والامتنان والعرفان للأستاذ والمعلم صديق ورفيق المشوار الطويل عبدالحكيم المالكي..