الناس-
دعا سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة “طاهر السني” مجلس الأمن الدولي إلى وضع المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا على قائمة العقوبات دون تأخير،
واحتج في كلمته أمام مجلس الأمن على هامش إحاطة البعثة الأممية حول ليبيا الخميس (19 نوفمبر 2020م) على عرقلة عمل لجنة العقوبات ومنع نشر تقريرها “لأن هناك من يود إخفاء الحقائق في داخل المجلس” وفق قوله.
ودعا السني مجلس الأمن إلى إصدار قرار ملزم يدعم ما يتوافق عليه الليبيون في الحوارات المختلفة، بهدف الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر 2021م، كما دعا إلى مؤتمر مصالحة وطنية يقودها الاتحاد الإفريقي لفتح صفحة جديدة بين الليبيين، مع عدم إغفال محاسبة كل من ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين وفي أي مرحلة من مراحل الصراع منذ 2011م.
الناس تنشر نص كلمة مندوب ليبيا الدائم بالأمم المتحدة والذي جاء فيه:
((السيدة الرئيس،
في البداية أودُ أن أتقدم بالشكر للسيدة ستيفاني ويليامز على احاطتها حول آخر التطورات التي تشهدها ليبيا، ونتمنى لها وفريقِها النجاح في كل الجهود التي يقومون بها، من أجل الوصول إلى حلولٍ عملية للأزمة الراهنة. اسمحوا لي ايضاً ان اقدم الشكر للدول التي ستغادر هذا المجلس نهاية هذا العام على جهودها، وهي ألمانيا والدومينيكان وإندونيسيا وبلجيكا، وبالأخص جنوب أفريقيا والتي كانت خير داعم للقضية الليبية والشعب الليبي.
السيدات والسادة،
تابعنا جميعاً التطورات المتسارعة في ليبيا منذ أن تم الإعلانُ عن وقفِ إطلاق النار، والذي كنّا نسعى أن يتم منذ شهر يناير الماضي عندما توسطت روسيا لتوقيع هذا الاتفاق في موسكو، ولكن كلنا نعلم ما حدث وقتها ومن تهرب… هذه التطورات التي نتابعها بدأت باجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة في غدامس ثم سرت، والتي من المفترض لها أن تؤسس لأرضيةٍ يُمكن الانطلاق منها لدعم الحوارات والمسارات الأخرى، ولذا فنحن إذ نتابع هذه اللقاءات بحرصٍ شديد، والتي نأمل أن تفضي إلى حلولٍ عملية وواقعية لنجاحها، وأهمها تثبيت وقف إطلاق النار والالتزام به وخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب بأسلحتهم وبكافة أنواعها، ومن كل مناطق ليبيا، وبإشراف ومراقبة أممية، لأنه حسب ما تم رصده مؤخراً، مازال هناك تدفق للمرتزقة والسلاح النوعي، وزرع للألغام وإِعداد للتحصينات بالأخص في سرت والجفرة، لذا علينا قطع الطريق أمام الخارجين عن القانون، لأن هذا هو ما سيهدد فعلياً استقرار المنطقة وبالأخص سيهدد الأمن القومي لدول الجوار.
في نفس السياق نرحب بالجهود المبذولة منذ أيام، واللقاء الذي انعقد في البريقة بإشراف رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، من أجل العمل على توحيد جهاز حرس المنشآت النفطية، والذي من شأنه حماية المرافق وتحييدها من دائرة الصراع، فكما شاهدنا بعد رفع الحصار الجائر على الموانئ والحقول، والذي دام قرابة تسعةِ أشهر، بدأ الانتاج يتعافى، حيث وصل إلى أكثر من مليون برميل يومياً، لذا لم يعد من المقبول أبداً التلاعب أكثر بخيرات الليبيين ورزقهم.
وهنا يبقى السؤال والذي سنكرره دائماً “ماهي الضمانات الدولية لاحترام هذه الاتفاقيات؟” وهل الدُول المعنية والمتدخلة في الشأن الليبي اقتنعت بأنه لا حل عسكري في ليبيا؟ فلنا في اتفاق الصخيرات عبرة، فرغم الوعود الدولية والقرارات الأممية المتلاحقة، وجد المعرقلون طريقَهم لإفساد مفاوضات دامت قرابة العام وليس لأيام، بسبب انقسام هذا المجلس وعدم جديته في تنفيذ قرارِاته
السيدات والسادة،،
شكلت التطورات الأخيرة من خلال انطلاق ملتقى الحوار السياسي في تونس الشقيقة -والتي نحييها في هذه المناسبة ونتقدم لها بالشكر والامتنان على استضافتها- شكلت هذه التطورات، بارقة أمل لليبيين وبعض التفاؤل، وإذ نثمن كل الجهود الدولية الصادقة لدعم الحلول السلمية لإعلاء صوت العقل والحوارات، وإسكات صوت المدافع والمواجهات، فيجب علينا التذكير دائماً بأن هكذا ملتقى هو ما كان يتطلع إليه الجميع في غدامس العام الماضي قبل العدوان بأيامٍ، وما يحدث الآن هو ما كان المفترض له أن يحدث حينها، ألا وهو، جلوس الفرقاء على طاولة الحوار، ولو حدث ذلك كان من الممكن تفادي إراقة الدماء وخسارة أرواح الأطفال والنساء وخِيرة شبابنا، ونزوح وتشريد الآلاف واستفحال التدخل الأجنبي في البلاد.
لذا نؤكد على أهمية دور الأطراف الليبية المتحاورة في كل المسارات، سواء في الداخل أو الخارج، وأن تعلو مصلحة الوطن، ويعملوا على إيجاد حلول جذرية شاملة غير منقوصة، وألا يرتهنوا للإملاءات الخارجية مهما كان نوعها وإغراءاتها، لأن التدخل الدولي سيستمر ولن يتوقف مادام وَجَد باباً مفتوحاً، وهناك من يسمح له بالدخول، ولنا جميعاً عبرة فيما عاشتُه بلادُنا قرابة العشر سنوات الماضية.
السيدات والسادة
بسبب معاناة الليبيين على مدار الأعوام، والخوف من تكرار أخطاء الماضي ووجود أزمةِ ثقة، يجب أن نتفهم تخوف البعض وانتقادهم لمجريات الحوارات بكل أنواعها، سواء بسبب آلية اختيار المتحاورين والتمثيل، أو منهجية العمل، أو التحالفات المتناقضة وغيرها، لذا علينا أن نحترم آراء الجميع ولا نشكك في وطنية أحد، فرغم كل الصعوبات والتحديات التي صاحبت الحوار الأخير، كلنا رأينا الترحيب الكبير سَواء من الداخل أو الخارج لتوافق المشاركين في ملتقى تونس حول تحديد الرابع والعشرين من ديسمبر العام المقبل – والذي يصادف الذكرى السبعين لعيد الاستقلال – كموعد لإجراء الانتخابات العامة، وهذا في حد ذاته انجازاً ايجابياً يجب دعمَهُ وانجاحَه.
وفي هذا الإطار نؤكد من جديد ما ورد في عدة مبادرات وبيانات لرئيس المجلس الرئاسي، ودعواته المستمرة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقتٍ ممكن، كونها السبيل الوحيد لإنهاء صراع الشرعيات وتوحيد المؤسسات، واختبار حقيقي لمن يدعي الشعبية والأهلية للقيادة، وبها ليتنافس المتنافسون. لذا نطالب بضرورة الإسراع للتوافق على القاعدة الدستورية المناسِبة لإجراء هذه الانتخابات، واحترام المطالبات الشعبية لإنهاء كافة المراحل الانتقالية، وإقرار دستورٍ دائمٍ للبلاد، وإنهاء جميع الأجسام السياسية المتراكمة والمتوارثة والمنقسمة على نفسها، وعدم إعادة تدوير نفس الأشخاص.
السيدات والسادة،
لإنجاح الحِوارات السياسية الجارية وللاستفادة من التجارب السابقة نود التأكيد على النقاط التالية:
أولاً- لضمان مصداقية العملية الانتخابية ونجاحها، نطالب مجلس الأمن بإصدار قرارٍ ملزم، يدعم ما يَتوافق عليه الليبيون في الحوارات المختلفة، من خارطةِ طريق وقاعدةٍ دستورية لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر 2021، مع منح تفويض للبعثة الأممية ومن خلال أجهزتها المتخصصة، بدعم الاستحقاقات الانتخابية، فنياً ولوجستياً وبإشراف المفوضية العليا للانتخابات، ومراقبة سير العملية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي لضمان النزاهة والشفافية، ومحاسبة المعرقلين لهذه العملية ونتائجها
ثانياً- يجب أن يكون الهدف الرئيس من أي مرحلةٍ انتقالية جديدة، إذا تم التوافق عليها، هو الإعداد للاستحقاق الانتخابي الذي يفصلنا عليه عام واحد، وتوفير الخدمات العاجلة لكافة المناطق، وتوحيد مؤسسات الدولة، وبالأخص السيادية منها ليكون هناك تجانس مع السلطة التنفيذية وكافة مؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد، وحل المليشيات أينما وُجِدت، وإخضاع المؤسسة العسكرية وأجهِزتها في كامل أنحاء البلاد تحت السلطة المدنية
ثالثا- دعوة الاتحاد الأفريقي لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية، لدعم المسارات الأممية الأخرى، بقيادة جنوب أفريقيا رئيسة الاتحاد، واللجنة العليا الخاصة بليبيا برئاسة الكونغو، لفتح صفحةٍ جديدة بين الليبيين يتمُ فيها مناقشة مبادئ بِناء الثقة، ومسار العدالة الانتقالية والعفو العام، وجبر الضرر، وعودة النازحين والمهجرين، مهما كانت انتماءاتهم وتوجُهاتِهم السياسية والفكرية.
رابعاً- ضرورة محاسبة كل من ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين من أي طرفٍ كان، وفي أي مرحلةٍ من مراحل الصراع ومنذ عام 2011، سواء من نفذها أو دعمها، والدول المتورطة فيها، وبالأخص الجرائم التي اُرتكبت اثناء العدوان على طرابلس في الرابع من ابريل 2019، والعمل على تحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب لأن السيدات والسادة – نحن حتى اليوم لازلنا نَحصد الضحايا بسبب الألغام المزروعة في جنوب طرابلس من قبل المليشيات التابعة لحفتر، وتُخطَف وتُقتَل النساء كما حدث للمحامية حنان البرعصي منذ أيام في بنغازي، ولازلنا نكتشف يومياً العديد من القبور الجماعية في ترهونة، لذا نطالب مجلس الأمن مجدداً ودون تأخير وبعد كل الأدلة والبراهين المقدَمة، عدم الاكتفاء ببيانات الأسف والإدانة، والإسراع بوضع المسؤولين عن هذه الجرائم ومن أعطى الأوامر لتنفيذها، على قائمة العقوبات دون أي تأخير. لا أن يتم عرقلة عمل لجنة العقوبات ومنع نشر تقريرها كما ذكر رئيس اللجنة منذ قليل، لأنه يبدو أن هناك من يود إخفاء الحقائق من داخل هذا المجلس
السيدات والسادة،
في الختام،،
نعيد التأكيد على أن التدخلات الأجنبية السلبية في بلادي، تشكل عاملاً هاماً في عدم الوصول إلى اتفاق بين الليبيين، لذا نحن نحذر تلك الدول من تَبِعات هذا التدخل التي تمس بسيادة الدولة الليبية وسلامة أراضيها، وتهدد الأمن والسلم في المنطقة، ومن هذا المنطلق فإننا ندعو مجلس الأمن والمجتمع الدولي لتلقف هذه الفرصة، والتكفير عن أخطائهِ تجاه ليبيا وإظهار حسنِ النية، وذلك عن طريق دعم إرادة الليبيين وحقِهم في تقرير المصير، وعدم استخدام ليبيا ساحةً لتصفية الحسابات بدماء شعبنا، وليعلم الجميع أن ليبيا رُغم أزماتها لم ولن تنكسر، وإن كنّا نعاني اليوم، فإننا سنتعافى غداً، وذلك بفضل شعبنا الذي لا يرضى الذل والمهانة، لأن الليبي ذو عزة وكرامة، وسيأتي يومٌ يتصالح فيه الجميع، وتُطوى صفحة الماضي، وحينها سيتذكر الليبيون من ساهم في قتلهم وزرع الفتنةِ بينِهِم، ومن وقفَ معهم وساندَهم في محنتِهم)).