العربي الجديد-
يستمرّ تصعيد المواجهات على جبهة لبنان في ظلّ تطوّر عددي ونوعي على مستوى العمليات العسكرية، لجهة الأسلحة المستخدمة والمواقع المستهدفة، واعتُبِرت “الضربة” الأبرز إطلاق حزب الله صواريخ دفاع جوي، أمس الخميس، على طائرات الاحتلال الصهيوني الحربية التي اخترقت جدار الصوت في السماء اللبنانية، ما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود.
وجاءت عملية حزب الله في وقتٍ كثفت فيه طائرات الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الماضية من طلعاتها الجوية فوق المناطق اللبنانية، خصوصاً الجنوبية، وتنفيذ غارات وهمية واختراق جدار الصوت في إطار تخويف المواطنين، ولا سيما الأطفال والطلاب، وسُجِّل أكثر من مرة حصول حالات ذعر لدى التلاميذ خلال وجودهم في المدارس، عدا ما يُسجّل من تحطم زجاج وأضرار مادية نتيجة الخروقات.
وهذه هي المرّة الأولى التي يطلق فيها حزب الله الصواريخ على طائرات الاحتلال منذ بدء المواجهات على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة في 8 أكتوبر الماضي، بالتزامن مع عملية طوفان الأقصى، في خطوة يؤكد مصدر نيابي في حزب الله لـ”العربي الجديد” أنها بمثابة “مفاجأة بسيطة من مفاجآت عسكرية عدّة لدى المقاومة ستكشف عنها تباعاً ربطاً بتطوّر الحرب”. ولفت المصدر إلى أنّ “عملية حزب الله أمس هي ردٌّ على اعتداء العدو على سمائنا وخرقه جدار الصوت في محاولته إرعاب الأطفال، كما ذكر في بيانه، وهذا ما لن تسمح به المقاومة في لبنان، إذ لن تسكت على تجاوزات الاحتلال المستمرة واختراقه الأجواء اللبنانية كما يحلو له”.
وأشار المصدر إلى أنّ “العدو الإسرائيلي يتنقل بين عمليات استهداف المقاومين واغتيالهم، والتصويب على المدنيين ومنازلهم وقراهم وأراضيهم وممتلكاتهم وأرزاقهم، ويلعب اليوم على الوتر النفسي لتخويف الجنوبيين، لكنه لا يعرف شيئاً عن أهالي الجنوب والقرى الحدودية الذين لن تؤثر فيهم كل هذه المناورات، وهي ليست إلا دليلا على المأزق الذي يعيشه”، مضيفاً أن “العدو أصابه الجنون بفعل عمليات المقاومة الأخيرة، والأسلحة المتطورة النوعية التي استخدمتها، والتي أدى بعضها إلى اندلاع حرائق واسعة في شمال فلسطين المحتلة، ما تسبب بذهول العدو وعرّضه لخسائر كبيرة، منها اقتصادية، وهو ما سيؤكد له مرة جديدة أن الحرب مع حزب الله لن تكون نزهة أبداً، وهذا ما يصل إليه أساساً من رسائل خارجية”.
اتصالات لمنع التصعيد على حدود لبنان
وفي الإطار نفسه، قال مصدرٌ دبلوماسيٌّ في السفارة الأميركية ببيروت لـ”العربي الجديد”: “نحن ننظر بقلقٍ إلى التصعيد الحاصل على الحدود، وهو ما لا نريده ونحذر من تداعياته، فالحرب الواسعة ستكون لها انعكاسات كبيرة على المنطقة”، مشيراً إلى أنّ “الاتصالات والمساعي لا تزال قائمة للجم التصعيد، وتجنّب تداعياته القاسية، والوصول إلى حل دبلوماسي، ونأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، لانعكاسه تهدئة على جبهة لبنان”
سياسياً، رحّب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بـ”البيان الصادر عن قادة فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا، أمس، والذي شدد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان وتوحيد جهودهم من خلال المساعدة على خفض التوتر على طول الخط الأزرق، وفقاً للقرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة”.
وقال ميقاتي في بيان: “إننا نثمن عالياً هذا الموقف الداعم للبنان والداعي إلى بذل كل الجهود لوقف التصعيد، ونعتبر أنّ الأولوية لدينا هي التواصل مع أصدقاء لبنان في العالم ودول القرار للجم التصعيد ووقف العدوان الاسرائيلي على الجنوب اللبناني”. ولفت إلى أنَّ “الاتصالات الديبلوماسية اللبنانية جنّبت لبنان في العديد من المحطات مخاطر الخطط الاسرائيلية لتوسيع الحرب، ليس في اتجاه لبنان وحسب، إنما على مستوى المنطقة، وهذا التوجّه عبّر عنه بيان الدول الاربع بتشديده على العمل لتجنب التصعيد الإقليمي”.
واكتفى مصدرٌ مقرّبٌ من ميقاتي بالقول لـ”العربي الجديد” إن “كل الدول التي نتواصل معها لا تريد حرباً واسعة في لبنان، وتقوم بمساعٍ للتهدئة ووقف إطلاق النار، لكنها في المقابل لم تقدّم بعد ضمانات جدية بأنّ إسرائيل لن تشنّ حرباً على لبنان، من هنا يجب تكثيف الجهود ومحاولة التوصّل سريعاً إلى وقف العدوان على غزة الذي من شأنه أن يهدئ جبهة لبنان”.
الحسابات الخاطئة
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أندريا تيننتي لـ”العربي الجديد” إن “الوضع على الخط الحدودي بين لبنان وإسرائيل مثير جداً للقلق، لكن هذه المخاوف ليست جديدة، وسبق أن عبرنا عنها قبل أشهر وأسابيع ماضية، وترتبط بالتبادل اليومي لإطلاق النار الذي يستمرّ بلا هوادة، من هنا نكرّر التشديد على أن لا حلّ عسكرياً للمواجهة والعنف، والحل السياسي الدبلوماسي هو السبيل الوحيد للمضي قدماً”.
وأشار تيننتي إلى أن “التصعيد الأخير هو نوعي أكثر منه عددياً، وسبق أن شهدنا تصعيداً مماثلاً خلال الأشهر الماضية، ومع ذلك لا تزال المواجهات محصورة على مسافة من خمسة إلى ستة كيلومتر من الحدود، باستثناء بعض العمليات التي توسعت، واستهدفت البقاع وبعلبك ونقاطاً أخرى بعيدة من الخط الأزرق، من هنا المشكلة الحقيقية، والتي يجب التنبّه إليها، تكمن في الحسابات الخاطئة، لأن مخاطر سوء التقدير قد تؤدي إلى مزيدٍ من التدهور في الوضع وتوسّع رقعة النزاع”.
وفي ما يخص التهديدات الإسرائيلية للبنان، قال تيننتي: “لا يمكننا التعليق على التهديدات الإسرائيلية بشن حرب واسعة على لبنان والتصريحات السياسية بهذا الإطار، والتي بدورها ليست جديدة، ولكن بالنظر إلى الوضع الميداني، يجب أن يكون الأطراف على دراية بمخاطر توسع النزاع الذي سيكون كارثياً على المنطقة كلها، من هنا الحل هو سياسي دبلوماسي لا عسكري، ويجب أن يكون سريعاً لتجنّب المزيد من الخسائر الفادحة التي تطاول كلا الجانبين وتؤثر على حياة آلاف الأشخاص، وأدت إلى مقتل عددٍ كبير من المدنيين وفقدان الكثير منازلهم وسبل عيشهم”.
كذلك، أشار تيننتي إلى أنّ “قنوات التواصل مستمرة ومفتوحة مع جميع الأطراف لتجنب أي نزاع أوسع، وعمليات قوات اليونيفيل مستمرة على الأرض وميدانياً رغم كل الظروف”، آملاً أن تؤدي المفاوضات والمساعي الدولية إلى حلّ قريب للوضع القائم، كما على الأطراف الاستفادة من جميع السبل لتجنّب المزيد من التصعيد وفتح المجال للجهود الدبلوماسية ووقف الأعمال العدائية عاجلاً، مشدداً على أنّ الأمم المتحدة مستعدة بالكامل لدعم الجهود الدولية.
وسبق أن طالبت يونيفيل بضرورة التركيز على الهدف الشامل المتمثل في وقف دائم لإطلاق النار وإيجاد حلّ طويل الأمد للنزاع، مشددة على أن العملية السياسية التي ترتكز على التنفيذ الكامل للقرار الدولي 1701 والتي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزاع وضمان الاستقرار على المدى الطويل، باتت ضرورية اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى