العربي الجديد-
تضاربت الأنباء والروايات حول أعداد المصريين الذي جرى احتجازهم وترحيلهم من الأراضي الليبية في الأيام القليلة الماضية، كما اختلفت التفسيرات بشأن الإقدام على هذا الخطوة من جانب معسكر الشرق الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المتحالف مع مصر.
ورأى بعض المراقبين أنها جاءت نتيجة تقارب القاهرة أخيراً مع حكومة عبد الحميد الدبيبة في الغرب، فيما رجح البعض الآخر أن تكون العملية جاءت في إطار محاولة من جانب قوات شرق ليبيا، لإظهار حرصها على مكافحة الهجرة غير النظامية، وهو الملف الذي يشغل الدول الأوروبية، خصوصاً إيطاليا المنخرطة في مباحثات مع المسؤولين الليبيين حول هذا الملف.
لا رقم رسمياً للمهاجرين المصريين
وأكد مدير منصة اللاجئين في مصر نور خليل أن “هناك نحو ألفي شخص رُحّلوا من ليبيا بالفعل، وتسلمتهم الحكومة المصرية، وأن هناك ألفين آخرين أعادوهم إلى الأراضي الليبية، لامتلاكهم وثائق تثبت دخولهم بشكل رسمي إلى ليبيا، وأنه لا يوجد حتى الآن رقم رسمي لأعداد المقبوض عليهم أو الذين رُحّلوا.
وأضاف خليل في حديث لـ”العربي الجديد” أن “الجانب الليبي يقول إنهم أرسلوا 4 آلاف شخص، وهناك رواية ترجح أن المقبوض عليهم في حدود 6 آلاف، وفي رواية أخرى 12 ألفاً أغلبهم من المصريين، وما زالت الحملة الأمنية مستمرة في طبرق”.
وتابع خليل: “حسب المعلومات التي لدينا، لا يوجد أي سبب واضح أو تفسير واحد لحملة أمنية كبيرة بهذا الشكل، خصوصاً أن من ضمن المقبوض عليهم أشخاصاً في انتظار طلب اللجوء، وآخرين لديهم تأشيرات بالفعل ووجودهم داخل ليبيا بشكل قانوني”.
وأشار إلى أنه “كانت هناك احتجاجات واسعة من الأهالي في منطقة امساعد، واشتبكوا مع قوات حرس الحدود الليبية قبل بداية الحملة، بسبب قتل قوات حرس الحدود طفلاً ليبياً من قبيلة حدودية في تلك المنطقة”، مضيفاً: “هناك رابط بين الحملة الأمنية وتلك الاحتجاجات، كما أن هناك رابطاً آخر بين الزيارات الأخيرة لخليفة حفتر إلى إيطاليا، واستكمال الاتفاقيات التي لها علاقة بقمع حركة الهجرة، بين الاتحاد الأوروبي وقوات شرق ليبيا”.
وبحسب خليل، فإن “القوات التي قامت بعمليات الترحيل هي قوات تحصل على دعم مالي من إيطاليا وأوروبا، وتتلقى تدريبات بتمويل من الاتحاد الأوروبي لقمع حركة الهجرة، وإذا كان هناك حديث عن تموضعات جديدة في المنطقة، فيجب ألا يكون اللاجئون ورقة سياسية بين الحكومات”.
ولفت خليل إلى أن “منظمة الهجرة الدولية لم تصدر بياناً حتى الآن، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لم تتحرك، رغم أن هناك ملتمسي لجوء ضمن المقبوض عليهم، وأطفالاً مقبوضاً عليهم أعمارهم لم تتجاوز 8 سنوات، كما أن هناك أطفالاً من محافظة مطروح جرى تصويرهم وتسجيل اعترافات بالعمل في تهريب السجائر”.
وكانت وكالات أنباء دولية قد نقلت، الاثنين الماضي، عن مصدر أمني مصري وآخر في شرق ليبيا، قولهما إن “قوات شرق ليبيا طردت آلاف المهاجرين المصريين الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني في الأيام الأخيرة، ورحّلتهم إلى بلادهم عبر الحدود البرية بين البلدين”.
وقال المصدر الأمني الليبي إن القوات “عثرت على أربعة آلاف مهاجر خلال مداهمات على مهربي البشر”، مشيراً إلى أنه “جرى ترحيلهم جميعاً”. أما المصدر الأمني المصري، فأفاد بأن “نحو 2200 مهاجر فقط من أصل أربعة آلاف كانوا موجودين في ليبيا بشكل غير قانوني، وهم من جرى ترحيلهم”. وأضاف أن “معظم المرحلين من المصريين، بينما كان بعضهم يحمل جنسيات أفريقية أخرى”.
المساعد السابق لوزير الخارجية المصري عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا أحمد حسن أكد أنها “المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر، خصوصاً أن الحملة الأمنية تحدث في شرق ليبيا”.
وأضاف حسن، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “سبب المشكلة نمط تتبعه عصابات الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر، عبر تهريب المصريين عن طريق ليبيا، لينقلوا إليها إما بشكل غير قانوني وإما بغرض العمالة، ثم تبدأ العصابات والمسؤولون عن الهجرة غير النظامية في تهريبهم إلى الشواطئ الأوروبية. وهناك عدد من المصريين يعمل بالفعل لفترة زمنية داخل الأراضي الليبية، ثم يجرى تهريبهم في قوارب إلى إيطاليا واليونان ومالطا”.
المهاجرون المصريون في ليبيا
ولفت أحمد حسن إلى أن “الاتحاد الأوروبي بدأ التنسيق مع مصر كي يجد حلاً لهذا الأمر، لكن الأزمة تكمن في أن المهاجرين إلى ليبيا، عن طريق عقود عمل أو أوراق رسمية، لا يحق للدولة منعهم ولا تمكن السيطرة عليهم، لأن الدولة لا تفتش في النوايا، ولا تعرف إذا كان المواطن المصري يذهب إلى ليبيا بغرض العمالة فقط أم ينوي الهجرة بشكل غير نظامي”.
وتابع أحمد حسن: “هذه المرة، هناك أمر غير واضح في الحملة الأمنية التي انتهجتها قوات شرق ليبيا، لأنه في العادة يوجد تنسيق مع السلطات الأمنية المصرية في مثل هذه المسائل، ولإعادة المهاجرين أو إعادتهم بالتدريج، وربما تكون هذه الحملة استجابة من حفتر لإيطاليا نتاج زيارته الأخيرة أو شيء من هذا القبيل”.
أما مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية شريف عبد الله فرأى، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه “حسب الرواية الليبية، هناك 4 آلاف شخص موجودون في مخزن قريب من معبر امساعد على الحدود الليبية المصرية، وهناك مجموعة عسكرية تابعة لخالد حفتر، قامت بالقبض عليهم ونقلهم إلى مدينة طبرق”.
وأضاف: “إذا كانت هناك رغبة في ترحيل المقبوض عليهم إلى مصر، فلماذا جرى اقتيادهم إلى طبرق التي تبعد قرابة 160 كيلومتراً عن معبر امساعد باتجاه الغرب، الأمور لا تزال غير واضحة، لأن العودة إلى طبرق قد تعني دخول جزء منهم إلى ليبيا ودمجهم في العمالة الليبية”.
ولفت عبد الله إلى “هناك تضارباً في الأخبار حول الحملة ضد العمالية الوافدة المصرية تحديداً في المنطقة الشرقية، وهذا الأمر يطرح سؤالًا، فعلى أي أساس بُنيت هذه الحملة رغم وجود تفاهم وتقارب بين النظام المصري وقيادة المنطقة الشرقية؟”.
من جهته، اعتبر الباحث محمد السنوسي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “هناك بُعداً إقليمياً يتعلق بمصر، وبُعداً دولياً يتعلق بإيطاليا، وبُعداً محلياً يتعلق بالحملة الدعائية الانتخابية للفترة المقبلة، فحفتر يمر بمرحلة رفض شعبي كبير، بعد أن مكّن أبناءه من الملف السياسي ومن مفاصل القوات المسلحة، فأكبر قوة عسكرية الآن في ليبيا على رأسها نجلاه صدام وخالد”.
وأضاف السنوسي أن حفتر “تحدث مع الجانب الإيطالي عن قضية الهجرة غير النظامية خلال زيارته الأخيرة، ويرغب أن يكون فاعلاً في ملف مكافحتها من شرق ليبيا، ويريد أن يظهر قدرته على السيطرة على الأمور”.
وتابع السنوسي: “أرجح أن احتجاز المهاجرين في المخزن بالقرب من معبر امساعد كان تمهيداً لهجرتهم بشكل غير شرعي وليس للعمالة، فلو كان وجودهم من أجل العمالة، لما احتُجزوا في مخزن، لكن حفتر أدار مقاربة إرضاء للجانب المصري، فحاول تقسيم المقبوض عليهم إلى ألفي شخص باعتبارهم قادمين من أجل العمالة، وألفين آخرين جرت إعادتهم باعتبارهم مهاجرين غير نظاميين”.
وأضاف: “من الوارد أن تكون هناك رسالة مبطنة من حفتر إلى الجانب المصري، بحكم التقارب الأخير بين الجانب المصري وعبد الحميد الدبيبية، ذلك على الرغم من أن حفتر نفسه تقارب أخيراً مع الدبيبة”.