الدستور والمصالحة والانتخابات أهم ما ستركز عليه البعثة في الفترة المقبلة
بالفيديو- الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا يقدم إحاطته حول ليبيا أمام مجلس الأمن
(الناس)- قدم “غسان سلامة” المبعوث الأممي إلى ليبيا أمس الاربعاء (18 يناير 2018) إحاطته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بخصوص الوضع في ليبيا.
وأفاد “سلامة” بأن البعثة أتمت إعداد الترتيبات اللازمة لمضاعفة عدد موظفيها للعمل من العاصمة طرابلس حسب ما تسمح به الظروف الأمنية، مضيفا أن بعثته تقوم في ذات الوقت بزيادة تواجدها في كافة أنحاء البلاد، حيث تقوم بزيارة المجتمعات المحلية في كافة أرجاء ليبيا.
وأضاف: “سنستمر في الأسابيع والأشهر القادمة، في زيارة المزيد من المدن والبلدات إذ أنه لا يمكننا النجاح في تنفيذ خطة العمل من أجل ليبيا وفي مساعدة الليبيين في استكمال العملية الانتقالية الطويلة، مالم نفهم البلاد جيدا”.
وأشاد المبعوث الأممي بمرور يوم السابع عشر من ديسمبر 2017 الذي يصادف الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات دون أعمال عنف او احتجاجات كبيرة، وأرجع ذلك إلى وحدة المجلس الرئاسي.
وشدد على أن تتم جميع الإجراءات بما يتماشى مع الاتفاق السياسي طوال أمد فترته سواء كان ذلك باعتماد التشريعات الانتخابية او التعيينات في المناصب السيادية مثل محافظ البنك المركزي، مما يعني بشكل عملي الانسجام بين مجلس النواب والمجلس الأعلى.
وحول الوضع الأمني في البلاد تحدث سلامة قائلا: “يجب علينا أن نبقى متيقظين. على الرغم من أن ذكرى 17 ديسمبر قد مضت، فإن شبح العنف لا يزال قائما. والقوات العسكرية تستعرض قواها في أجزاء كثيرة من البلاد.
وعلى مقربة من الحدود مع تونس، وقعت اشتباكات بين قوات لمنطقتين متناحرتين. وما تزال المنطقة الواقعة على مقربة من طرابلس، منطقة ملتهبة. كما ازدادت حدة التوترات حول درنة”.
ثم أشار إلى اشتباكات طرابلس التي دارت في محيط مطار معيتيقة منتصف الأسبوع والتي ادت –حسب كلامه- إلى توقف جميع الرحلات من وإلى مطار معيتقية طوال الأسبوع، موضحا أنها كانت السبب الحقيقي لتقديمه لإحاطته من تونس وليس من طرابلس.
وحول الوضع الأمني أيضا قال المبعوث الأممي: “ولا يزال المدنيون رجالا ونساء وأطفالا يتعرضون للقتل أو الإصابة جراء تبادل إطلاق النار. وتتقاتل الجماعات المسلحة بشكل متهور في المناطق السكنية، غير عابئين بسلامة المدنيين”.
وتابع: “إن حظر تصدير الأسلحة ذو أهمية كبرى الآن أكثر من أي وقت مضى. ولهذا السبب، فإن التقارير الأخيرة بشأن شحنة المتفجرات الكبيرة التي اعترضها خفر السواحل اليوناني هو أمر مقلق على وجه الخصوص. فبلد يمتلك 20 مليون قطعة سلاح لا يحتاج إلى قطعة سلاح إضافية. لقد التقيت فريق الخبراء اليوم، وهم ينظرون في هذا الأمر بالمهنية المعهودة التي تعرفونها عنهم”.
وقال سلامة إن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لعب دورا أساسيا في الهدوء النسبي الذي شهدته ليبيا في الأشهر الماضية. ينبغي ان تتواصل هذه الجهود التي ترمي إلى الحؤول دون نشوب الصراعات إذا أردنا ان يبقى هناك أمل في العملية السياسية”.
ولأجل أن لا يستمر الوضع الهش والمتقلب الراهن أوضح المبعوث الأممي أن ليبيا تحتاج إلى حكومة كفؤة وفعالة: “حكومة بوسعها تقديم الخدمات العامة التي يحتاجها المواطنون بشدة. حكومة قادرة على توحيد مؤسسات البلاد وتشرف على سير الانتخابات التي تنهي عملية الانتقال”.
كما أشار إلى إمكانية تعديل اتفاق الصخيرات: “إن تعديل الاتفاق السياسي الليبي، من وجهة نظرنا، أنسب الوسائل لتحقيق ذلك، ولم نألوا جهدا في الدفع في هذا الاتجاه.
ويشجعني الجهود التي يبذلها أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة لتحقيق هذا الهدف من خلال مبادرات عديدة للتوصل إلى التوافق اللازم من أجل هذه الغاية.
ولقد أفضى عمل لجنة الصياغة المشتركة إلى تبلور توافق في الآراء بشأن التعديلات الملحة لتشكيل السلطة التنفيذية.
وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق رسمي، فإن توافق الآراء أمر مرغوب فيه ويمكن الوصول إليه”- يقول سلامة.
وبين سلامة على أن ثلاثة أهداف تشكل محور تركيز عمل بعثته، تماشيا مع خطة العمل من أجل ليبيا، وهي الدستور، والمصالحة الوطنية والانتخابات..
وحول الدستور قال إن “ليبيا بحاجة الى إطار قانوني قوي ودائم. ولا يمكن الانتهاء من المرحلة الانتقالية قبل أن تستند ليبيا على دستور حقيقي”، مشيرا إلى أن مراجعة قضائية تجري حاليا لمشروع الدستور الذي قدمته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، متوقعا صدور الحكم في غضون عشرة أيام، وبناء عليه ستحدد البعثة كيف يمكنها دعم الاستفتاء على مشروع الدستور على أفضل وجه.
وحلول الهدف الثاني وهو المصالحة الوطنية أشار سلامة إلى تمزق نسيج المجتمع الليبي، ما يتطلب مصالحة حقيقة، بدونها لا يمكن إحراز تقدم ملموس في توحيد المؤسسات أو منع اندلاع العنف أو تحقيق قبول واسع النطاق لنتائج الانتخابات- حسب قوله.
وقال سلامة إن “إعادة بناء النسيج الوطني الليبي يتطلب بذل جهدين متوازيين:
أولا، تيسير العديد من مبادرات الحوار بين مجتمعات محلية كانت متصارعة سابقاً. وبدأت حكومة الوفاق الوطني مؤخرا بلعب دورها في هذه الجهود. وقد تجلى ذلك من خلال دعمها لاتفاق مصراته-تاورغاء وتوفير التمويل. وسنقوم أيضا بدورنا في هذا الشأن وبالتحديد لضمان عودة آمنة”.
والمسار الآخر لإعادة بناء الدولة يكون بالوصول إلى الجهات الفاعلة الرئيسية والمجموعات التي كانت مهمشة سابقا، وضمهم تدريجيا في العملية السياسية كشركاء متساوين، وأيضا باللقاءات من خلال الزيارات المكوكية للعمل على إزالة الحواجز بين الفصائل السياسية الليبية ومعالجة العداوات المحلية أو السياسية الماضية، وبالتالي التحرك نحو المؤتمر الوطني الذي سيوفر مساحة لليبيين من جميع الجهات للالتقاء واعتماد رؤية مشتركة لليبيا.
وحول الهدف الثالث الذي تركز عليه البعثة فهو الانتخابات حيث أورد سلامة: “في 6 ديسمبر 2017، أطلقت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عملية لتحديث سجل الناخبين وقد سررت بالاهتمام الكبير من الرجال والنساء الليبيين للتسجيل. وقد فاقت المشاركة كل توقعاتنا”.
وذكر في إحاطته أن ستمائة ألف (600.000) ليبي جديد سجلوا للتصويت في خلال ستة أسابيع. وبلغ عدد الأشخاص المسجلين في السجل الانتخابي إلى الآن مليوني شخص، والعدد في ازدياد.
وأشار إلى المساعدة الفنية المتواصلة التي قدمتها ولازالت تقدمها الأمم المتحدة للمفوضية في عملية تسجيل الناخبين.
ثم استطرد أنه قبل إجراء انتخابات ذات مصداقية لايزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به: “ينبغي الاتفاق على إطار دستوري، وأن تكون الظروف الأمنية مواتية لعملية حرة ونزيهة مع وجود ثقة بأن نتائج الانتخابات سوف تكون مقبولة من الجميع”.
وأضاف: “من أجل أي استفتاء أو انتخابات رئاسية أو برلمانية، هناك حاجة إلى قوانين. وهناك التزام على المؤسسات ذات الصلة في ليبيا بإصدار التشريعات المطلوبة، وأن تفعل ذلك بطريقة تتفق مع الاتفاق السياسي الليبي.
وأحث هذه المؤسسات على تجنب التشكيك المتبادل واتخاذ إجراءات أحادية الجانب، ووضع مصلحة الشعب الليبي فوق كل الاعتبارات الأخرى”.
وشكر المبعوث الأممي وزراء خارجية الجزائر ومصر وتونس على دعمهم القوي لخطة العمل من أجل ليبيا، كما أعرب عن امتنانه للمملكة المغربية لدعمها المتواصل له ولبعثته، وتقديره كذلك لدعم الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وتحدث المبعوث الأممي عن زيارتين قام بهما إلى كل من النيجر وتشاد، ولقائه بالرئيسين “مامادو إيسوفو” و “إدريس ديبي” مشيرا إلى تأثر الدولتين المجاورتين لليبيا بما يحدث في ليبيا، وعن زيارة أخرى قام بها لمفوضية الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا ناقش فيها ترسيخ التعاون بينه وبين البعثة لدعم ليبيا، مبينا أن لدى رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي “موسى فكي” وجهة نظر مشتركة معه.
وأضاف أن الأمم المتحدة ستشرع اعتبارا من الأسبوع المقبل بإطلاق خطة للاستجابة الإنسانية في المناطق التي تمر بظروف صعبة، لتوفير الخدمات الأساسية من مأوى وطعام، والعمل على إزالة الألغام، مشيرا إلى صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا كداعم للمجتمعات المحلية، وفي النفس الوقته شكرا المانحين على مساهماتهم، راجيا أن تضطلع حكومة الوفاق الوطني بدورها في هذا الخصوص.
وقال إن هناك حالة إنسانية تدعو للقلق الشديد وهي الوضع المأسوي الذي يعاني منه العديد من المهاجرين في ليبيا. وقد رأيت ذلك بأم عيني في الشهر المنصرم حين تفقدت أحد مراكز الاحتجاز في مدينة غريان، مشيرا إلى أن لديه دلائل تفيد بتعرض المهاجرين لانتهاكات صارخة داخل وخارج مراكز الاحتجاز الرسمية بما في ذلك أشكال مختلفة من الاعتداءات الجنسية.
وناشد سلامة السلطات لوضع حد للجرائم المقيتة وتقديم الجناة للعدالة: “وهنا أطالب الحكومة بضمان سلامة العاملين في قطاع الإغاثة الإنسانية أثناء تأديتهم لعملهم، نظراً لحصول عدد كبير من الحوادث الخطرة ضدهم”.
وحيا التعاون الوثيق بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. حيث تشكل ثلاثتها: “فريق عمل يضم المنظمات الثلاثة المذكورة وقد قطع أشواطاً في عمله الرامي لتأمين العودة الطوعية للمهاجرين. ولن تتوانى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن دعم هذه الجهود كونها رئيساً مشاركاً في هذا الفريق من الأراضي التونسية”.
ولفت المبعوث الأممي إلى أن “التركيز على المهاجرين يجب ألا ينسينا الأعداد الكبيرة من الليبيين المعتقلين من دون إجراءات قانونية وغالباً ما يتعرضون لسوء المعاملة”، مبينا أن الإخفاق في وضع حد للانتهاكات التي ترتكب في المعتقلات يؤجج الصراعات المحلية، ويقوض المصالحة الوطنية والجهود الرامية إلى بناء دولة قائمة على سيادة القانون.
وأبدى سلامة قلقه من وجود ما وصفه بالأجندات الفردية للنهب، المستفيدة من تردي الوضع في البلاد على حساب المصلحة العامة، موضحا أنه “لا يمكن لأي حل سياسي أن يستمر ما لم يوضع حد للاقتصاد الاستغلالي السائد في المشهد الليبي في السنوات القليلة السابقة. وقد أهدرت الموارد والأموال العامة على أغراض مختلفة باستثناء خدمة المواطن الليبي”.
وأضاف أن “الاقتتال على الموارد هو السبب الأساسي للأزمة في ليبيا. وستبذل البعثة قصارى جهودها للحث على توجيه الموارد الوطنية لتقديم الخدمات العامة للمواطنين وليس لمصالح خاصة”.
قائلا إن الأمر لا يحتمل التأخير، في ظل شح في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب التي أصبحت من الظواهر المنتشرة في عموم البلاد. وإنها لسخرية مؤلمة أن يكون هناك نقص في بلد يمتلك كل هذه الموارد- يقول سلامة- مشددا على المسؤولية الجماعية تجاه كفالة الإدارة الرشيدة للأرصدة المتبقية من الأموال الليبية المجمدة لضمان مستقبل البلاد. ولا بد من بذل جهود حثيثة لتحقيق ذلك.
وعن زيارة وكيل الأمين العام للشؤون السياسية “جفري فلتمان” قال سلامة إنها جاءت في التوقيت المناسب، وقال إنها “شكلت فرصة لتعزيز الرسائل الموجهة للقادة السياسيين والعسكريين في ليبيا بأن الوقت قد حان لتقديم تنازلات من أجل مصلحة الشعب الليبي. وبالنيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة، دعا السيد فلتمان أطراف الحوار الليبي إلى التعاون فيما بينهم لتنفيذ خطة العمل لتهيئة الظروف الكفيلة بإنهاء المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد”.
وأخيرا شكر المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة “غسان سلامة” مجلس الأمن على التزامه الثابت بدعم خطة العمل من أجل ليبيا وكذلك لمساعيه الرامية لإنهاء الأزمة في ليبيا..