اخبارالرئيسيةعيون

المسيرة الغامضة لـ”الصديق الكبير”… ما مصير مناصبه الأخرى؟

العربي الجديد-

شارفت أزمة المصرف المركزي الليبي على بلوغها شهرا كاملا دون أي حل، لكن أبرز تجلياتها دفْعها لشخصية المحافظ الصديق الكبير إلى واجهة مشهدها محاطاً بالعديد من الأسئلة حول أسباب قدرته على الحفاظ على منصبه طيلة نحو 13 عاماً، في ظل تقلبات السياسة والاقتصاد والحروب وكل ما يرتبط بها، وخلفياته بصفته شخصية مصرفية وعلاقاته بالخارج أيضا.

وتعكس المعلومات المتوفرة حول الكبير شخصية مصرفية غير واضحة في مسارها الطويل، فبعد أن تخرج منتصف الثمانينات من القرن الماضي في جامعة هارتفورد الأميركية، رجع إلى البلاد محملا بنجاح في الأنشطة الطلابية التي كانت ترعاها سلطة البلاد وقتها في الخارج، من خلال الساحات الطلابية للموفدين للدراسة بالخارج للدعوة للنظرية الجماهيرية.

ويبدو أن الكبير استثمر مشاركته في تلك الأنشطة للتقرب من وزير المالية محمد البخاري الذي رقاه من مدير لإحدى الإدارات بمصرف الأمة إلى رئيس لمجلس إدارة المصرف منذ العام 1990 وحتى 2000.
مسيرة الكبير الغامضة

من هنا بدأت مسيرة الكبير الغامضة، إذ أفلس مصرف الأمة في عهده، وخرج الكبير من إدارته دون أن يعاقب، باستثناء حبسه على ذمة التحقيق لستة أشهر قبل أن يخرج دون الإعلان عن نتائج التحقيق، لينخرط فورا في أنشطة برنامج إصلاحي للنظام كان قد أطلقه مطلع العقد قبل الماضي سيف القذافي، إذ قلده الأخير عضوية أساسية في المجموعة التي أنشأت المؤسسة الليبية للاستثمار (أكبر صندوق سيادي لإدارة الثروة الليبية)، قبل أن يقلده منصب مدير عام فرع مصرف abc في لندن، وهو المنصب الذي شكل مركزا ذا ثقل للكبير عندما عرض نفسه على المجلس الوطني الانتقالي (أول سلطة سياسية ليبية تشكلت أبان ثورة فبراير عام 2011) لتولي منصب محافظ المصرف المركزي، الذي كان الثوار وقتها حريصين على انتزاعه من قبضة القذافي المتهاوية، فصدر قرار توليته محافظا للمصرف في أكتوبر عام 2011.

 

لم يغادر الكبير منصبه منذ تكليفه وحتى الآن، على الرغم من أن القانون المالي الليبي لا يسمح للمحافظ بالبقاء في منصبه أكثر من خمس سنوات، لكن مدة بقائه الطويلة هذه اكتنفها العديد من الصعوبات التي استطاع تجاوزها بحنكة الاستفادة من تناقضات الأوضاع في البلاد.
وفي مقابل قرار إقالته من مجلس النواب عام 2014، انحاز إلى كتلة السلطات في طرابلس المعارضة لمجلس النواب للحفاظ على بقائه حتى منتصف العام 2015 عندما لجأ لممارسة عمله من مالطا، إذ تعرض لضغوط المجموعات المسلحة في طرابلس، قبل أن يرجع إلى طرابلس مع حكومة الوفاق الوطني التي انبثقت من الاتفاق السياسي، وتحصن بالولاء إليها أيضا عندما قرر مجلس النواب تعيين محمد الشكري بديلا عنه في عام 2018، وكذلك حكومة الوحدة الوطنية التي تحالف معها بشكل وثيق، قبل أن يدخل في قلاقل وخصومات اضطرته للذهاب شرقا للتحالف مع مجلس النواب، وهو الحلف الذي شكل شرارة الأزمة الحالية المحيطة بالمصرف.

التناقضات والاعتراف الدولي

لا تنحصر قدرة الكبير في الاستفادة من التناقضات للحفاظ على موقعه، بل من الاستفادة أيضا من الاعتراف الدولي بالسلطات القائمة في طرابلس، بحسب رأي رجل الأعمال الليبي والمراقب للشأن الاقتصادي والمالي، رجب قصّار، الذي يشير إلى أن الاعتراف الدولي أعطاه القوة الشرعية في مقابل إقامة السلطة في الشرق مصرفا موازيا بقيادة المحافظ علي الحبري.
ويلفت قصّار في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن المراقب لمسار الظروف المصاحبة لتقلبات الوضع السياسي في ليبيا يلاحظ استفادة الكبير منها بشكل واضح، وتحديدا تدخل روسيا من بوابة الشرق الليبي، وعرضها على حفتر طباعة كميات بالمليارات من الدينار الليبي، الذي كان يعاني أزمة مالية خانقة وقتها، ودفع بالحبري للتعاقد مع الروس من أجل طباعة تلك الكميات، ومثّل هذا الأمر حدثا مهما دفع القوى الغربية الدولية لدعم شرعية السلطة في طرابلس طرفا في مواجهة التمدد الروسي، وفي هذا الإطار أخذ الكبير موقعا أساسيا في السلطات القائمة في طرابلس.
ويتابع قصّار في رصده لمسار تموضع الكبير في مفاصل الأحداث، موضحا أن سياسات الحبري المدعوم من حفتر أدخلت الاقتصاد الليبي في فوضى منذ الدفع بالمليارات من الدينارات المطبوعة في روسيا للسوق الليبي. لكنه يؤكد أن الكبير في المقابل كان يمارس سياسات أضرت هي الأخرى الاقتصاد الليبي، فلكي يحافظ الكبير على منصبه فتح جيب المصرف المركزي واسعا أمام التجار الجشعين للحصول على اعتمادات مالية ضخمة دون أي رقابة، كما أنه لم يطبق أيا من متطلبات الحوكمة الداخلية للمصرف.
وأضاف قصّار: وانفرد الكبير بقرار المصرف في حضور شخصيات شكل بها مجلس الإدارة لكن وجودها كان اسميا فقط، ومنح الأموال الطائلة لكل الحكومات التي حكمت طرابلس لتمويل مليشياتها بتجاوز عرف باسم “الترتيبات المالية” للقفز على رفض مجلس النواب الموافقة على الميزانيات القانونية التي تقترحها حكومات طرابلس.
الميل إلى الأميركيين

ويلفت قصّار إلى أن “تحركات الكبير طيلة فترة قيادته للمصرف كان يتوخى فيها الميل للسياسات الأميركية التي شعر بأنها تزداد قوة وحضورا في الملف الليبي على خلفية قلقها من التوغل الروسي، بل واعتبر أن القرارين الخاصين برفع الضريبة على بيع النقد الأجنبي كان الأميركيون يقفون في ظلهما، فالقرار الأول الذي وصل بالضريبة إلى ما يقارب الخمسة دنانير، بحسب رأي قصّار، كان قبيل توحيد السلطة عام 2021 بدفع أميركي لكي تغطي الحكومة الموازية وقتها ديونها التي كانت في شكل سلف من المصارف التجارية”.

والقرار الثاني الذي زاد الضريبة بنسبة 27%، حسب رأي قصّار، كان من المقرر أن يغطي مصروفات حكومة مجلس النواب الكبيرة التي كانت تغطيها من العملة المزورة في المطابع الروسية قبل الذهاب إلى توحيد الحكومتين الحاليتين.

وفيما ينتهي قصّار إلى أن الكبير كان يحتمي بالمظلة الأميركية طيلة المدة الطويلة الماضية، يرى أن محاولات المجلس الرئاسي الأخير لإقصائه في مواجهة محاولة مجلس النواب دعمه للبقاء “لا تزال غامضة ومجهولة المصير إن لم يتضح الموقف الأميركي، وباعتقادي أن واشنطن لن تتخلى عنه بسهولة”.

ويتفق رأي المصرفي الليبي المتقاعد، المكي كريم، مع رأي قصّار بشأن تمسك أطراف خارجية ببقائه في منصبه، لكنه في ذات الوقت يرى أن الأطراف الخارجية، حتى وإن كان على رأسها واشنطن، لا خيار لها سوى إدارة الأزمة بين أطراف الداخل، معللا ذلك بأن من يقف وراء الأطراف الداخلية من الخارج ليسوا الأميركيين والأوروبيين فقط، علاوة على أن انصياع الأطراف الداخلية بالمطلق لرغبات من يقف وراءه في الخارج أمر غير مقبول.

ويضيف كريم: “رغم ارتهانهم للخارج لديهم أيضا القدرة على الإفساد إذا لم يصلوا إلى مصالحهم، ولا نحتاج أدلة كثيرة فالتحشيد العسكري حول المصرف ومحاولة اقتحامه خير دليل”، لافتا إلى أهمية النظر إلى فاعلين آخرين في المحيط الإقليمي، مصر وتركيا، لا يمكن أن يتركا مواقعهما فارغة في أزمة كبيرة مثل انقسامات المصرف المركزي.

ويذكّر كريم في حديثه لـ”العربي الجديد” بأن أيا من الأطراف الخارجية لم يصدر عنها أي مواقف واضحة، باستثناء بيان أميركي وآخر بريطاني لم يتجاوزا حد التحذير من قطع منظومة التعامل المصرفي الدولي خطوط تعاملها مع المصرف الليبي.

 

ورقة مصرف abc

يضيف كريم: “هناك نقطة مهمة تكشف سياق التعامل الليبي المصرف مع الخارج، وهي أن مصرف abc هو البوابة الرئيسية التي تتعامل ليبيا من خلالها مع العالم والعكس، وما لم يلاحظه الكثيرون ان الكبير هو من يمسك بزمام هذه البوابة”.

ويوضح كريم أن مدير إدارة العمليات بمصرف abc هو من أوعز بتعليق المعاملات المصرفية مع المصرف المركزي الليبي، والتدرج الإداري للقرار، وبالنظر إلى أن الكبير هو رئيس مجلس إدارة المصرف، لن يصدر قرار مدير المصرف إلا بموافقة رئيس مجلس إدارة المصرف، والمحصلة أن قرار تعليق التعامل الدولي مع المصرف المركزي الليبي في الحقيقة صدر عن الكبير ليقول لخصومه الساعين لإقصائه إنه يملك أوراق قوة ترغمهم على التراجع عن مساعيهم.
والمؤسسة المصرفية العربية، المعروفة اختصارا بـ بمصرف abc، تأسست عام 1980 بعضوية ليبيا والبحرين والإمارات، وتملك فروعا في العديد من العواصم العربية والأجنبية، وتملك ليبيا فيه أكبر أسهمه بما يصل إلى 59% من مجمل الأسهم العربية، وتولى الكبير منذ العام 2009 رئاسة فرعه بلندن، قبل أن يصبح رئيسا لمجلس إدارته الرئيسية في البحرين عام 2013.

هل يقال من المناصب الأخرى؟

وعن مصير عضويات الكبير المصرفية الدولية في حال إسقاطه، يوضح كريم أن الكبير لا يزال يحتفظ بقوة عضوياته ما لم يصدر قرار ليبي بالإجماع بإقالته من منصبه.
وعن العضويات المصرفية الأخرى، يعلق كريم بالقول: “قد يكون للكبير عضويات في مؤسسات مصرفية ومالية دولية أخرى، لكنها عضويات مستقلة عن التمثيل الرسمي الليبي، أي بصفته خبيرا مصرفيا ماليا ومصيرها مرتبط بقرارات تلك المؤسسات ليستمر فيها الكبير أو يتم عزله منها”.
وحول احتمالية وجود مخالفات قانونية في مسيرة عمل الكبير يمكن أن تصل به إلى ساحات القضاء، يرجح كريم ذلك، قائلا: “تمسك الكبير بمنصبه أوقعه في أخطاء كبيرة يجب أن يحاكم عليها، مثلا طباعة أوراق نقدية ليبية جديدة وإدخالها للتداول في للسوق دون سحب القديم، وعدم تنفيذه لأحكام القضاء بشأن بطلان قرار زيادة الضريبة الأخيرة على النقد الأجنبي، وممارسته لعمله محافظا رغم إقالته من مجلس النواب ولن يعفيه تراجع مجلس النواب مؤخرا عن مسؤوليته عن ممارسة دور المحافظ لسنوات التي كان مقالا فيها”.
ويضيف: “هناك مخالفات أخرى سيسلط القضاء عليها النظر، فمثلا عضوية ليبيا في مصرف abc تكون بترشيح محافظ المصرف المركزي شخصية في مجلس إدارة المصرف لشغل منصب العضوية، لكن الكبير يبدو أنه رشح نفسه في الخفاء لهذه العضوية، ثم ترقى بعلاقاته الخاصة رئيسا لمجلس إدارة المصرف، وهو دليل واضح أنه كان يسعى منذ سنوات طويلة لتحصين نفسه وحشد كل الأوراق لصالحه وأيضا ليستفيد من المكافآت المالية الضخمة التي تصرفها المؤسسات المالية الخارجية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى