
الناس-
حذر المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية من هيمنة أسرة واحدة على السلطة في البلاد.
وركز المركز في ورقة نشرها في الخامس عشر من أغسطس المنصرم على أن دروس وتجارب التاريخ البعيد والقريب تنبئ بأنه لا توجد أسرة واحدة هيمنت على السلطة والنفوذ في أي دولة إلا وكان مصيرها السقوط المدوي.
وأضافت بأنه “كلما كانت هذه الهيمنة محصنة عسكريا كلما كان السقوط مكلفا أكثر لها وللدولة، ضاربة مثلا بتجربة القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن. مستبعدة تماما أن تتجاوز أسرة حفتر قواعد التاريخ، أو أن تكون استثناء في تجارب الدول والمجتمعات.
من قائد مهزوم إلى معارض مشبوه
استعرض المركز في البداية التاريخ العسكري لحفتر كمدخل للموضوع، مقدرة أنه “لم يكن يدرك (..) أنه بعد هروبه إلى المنفى الاختياري بالولايات المتحدة عام 1990، بعد حربه الفاشلة في تشاد، وانضمامه بعدها لجبهة المعارضة لنظام “القذافي”، والذي منح حفتر 200 ألف دولار سنوياً أثناء تواجده بالمنفى، أن هذا المبلغ لن يُعني له شيئاً إذا ما قورن بحياة البذخ التي أصبحت عائلته تعيشها الآن نتيجة سيطرتها فعلياً على موارد ليبيا الاقتصادية في الشرق، وبالأخص سيطرتها على ثُلثي مناطق النفط والغاز، و5 من أصل 6 موانئ لتصدير النفط، وهو ما يمنح حفتر وأسرته موارد مفتوحة للأموال بدون أي رقابة أو محاسبة”.
وعن آخر مغامراته العسكرية قال المركز إن “حرب حفتر الفاشلة على طرابلس عام 2019 (قد أضعفت) صورته العسكرية، دفعه تدهور صحته المستمر إلى تقويض طموحه السياسي، وتفويض بعض صلاحياته لبعض من أبناء عمومته وأبنائه. ومن بين جميع أبنائه، يبرز اسم صدام وبلقاسم وخالد، باعتبارهم أبرز شركائه في المحطات البارزة التي خاضها لتحقيق طموحه السياسي. وبينما ظن الليبيون أنهم تخلصوا من سيطرة آل القذافي لتحقيق أهداف ثورة فبراير، فإذا بعائلة حفتر تحاول القيام بالدور نفسه، وتسعى للسيطرة على المال والسلطة والنفوذ، أياً كان الثمن”.
الهيمنة على سلطات الدولة
الورقة التي نشرها المركز في 15 أغسطس الماضي أبانت أنها ترصد مؤشرات التحكم والهيمنة لأبناء حفتر على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، في المنطقة الشرقية وكذلك الجنوبية، سواء على مستوى السياسية الداخلية أو الخارجية، ومخاطر هذه الهيمنة على الدولة الليبية”.
السيطرة على الحياة السياسية
لفت المركز إلى أن الطريقة التي تدار بها الملفات السياسية في الشرق الليبي تعد عصفا بمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، فالسلطة العسكرية تهيمن على عمل السلطة التنفيذية، وأبناء حفتر من يسيطرون على السلطة التشريعية. وهكذا –يرى- أن البرلمان عاجز عن القيام بدوره الرقابة ومساءلة السلطة التنفيذية، بما يقود لتفشي الفساد والمحسوبية، وتقلد معدومي الكفاءة للمناصب السياسية والسيادية، بناء على درجة الولاء.
وقادت هذه الظروف إلى أن أصبحت ليبيا “تتصدر قائمة الدول الإفريقية الأضعف حوكمة، كما أن امتداد الهيمنة لملفات السياسة الخارجية، عبر احتكار اللقاء مع المسؤولين الأجانب، هو أمر مخالف لكل التقاليد المتعارف عليها في العلاقات الدولية”: فاقتصار لقاء الأجانب على القيادة العسكرية، هو اعتراف بهيمنة حفتر وأبنائه على البلاد وشرعية سلطتهم، وتأكيد على أن حماد لا يملك من أمر الحكومة شيئا، وأنه مجرد أداة في يد حفتر.
السيطرة على المستوى العسكري
اعتبرت الورقة أن القوات في شرق ليبيا تعد أقرب نسبيا للجيش الاحترافي من نظيرتها في المنطقة الغربية، لما تتسم به من مركزية صارمة وهيكلية ثابتة وقيادة موحدة، خلافا للأخرى التي تفتقد للسيطرة المركزية ويحمها الفوضى.
لكن ذلك لا يقلل من خطورة هيمنة أسرة واحدة على مفاصل القوات الأمنية والعسكرية “لأنه ينعكس سلبا أولا على ممارسات هذه القوات والتي تتحول لمجرد أداة تخدم مصالح الأسرة، دون أي محاسبة، وثانيا على عقيدتها العسكرية في ظل انحراف منظومة الولاء من الوطن نحو الفرد، لتصبح مصلحة هذا الفرد هي مصلحة الوطن، والدفاع عنه بمثابة دفاع عن الوطن”.
كما ينعكس في تقدير معدي الورقة على أي حل للأزمة الليبية، إذ يرون أن أي صيغة للحل تنهي الانقسام السياسي والعسكري بين الغرب والشرق، وتأتي على حساب نفوذ الأبناء العسكري في الشرق، كنتاج لتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وهو المرجح، لن يقبلوا بها، وبنفوذها هذا قادرون على إفشال هذا الحل، وهو ما يدفع حفتر دائما للتفكير في الحلول العسكرية الخشية لتوحيد البلاد، “لأنها الطريقة الوحيدة التي ستمكنهم من الاحتفاظ بنفوذهم”- حسب الورقة.
غطاء على الجرائم
ومن أخطر ما تطرحه الورقة هو مآل حقوق الإنسان في ظل بناء شبكة نفوذ مهيمنة على كل مقاليد الأمور في الشرق الليبي، إذ “لا سلطة تعلوهم، لا محاسبية، ولا رقابية، ولا قضائية، ولا تشريعية” وبالنتيجة:
أولا/ ارتكاب جرائم حقوق إنسان دون خوف من العقاب.
ثانيا/ التورط في اتفاقيات غير إنسانية في ملف المهاجرين والتربح ماليا من الاتجار بهم.
ثالثا/ الانخراط في حرب السودان بدعم قوات حميدتي بشكل يضر بالأمن القومي الليبي.
رابعا/ بناء تحالف استراتيجي أمني وعسكري مع قوة دولية كروسيا، مما يورط ليبيا في أتون الصراع الدولي، وما يحمله من تكاليف أمنية وسياسية ضخمة على عاتق الدولة الليبية.
السيطرة على الاقتصاد
عدا السيطرة على الحياة السياسية والعسكرية، فقد سيطرت أسرة حفتر على الحياة الاقتصادية في شرق ليبيا، وستكون النتيجة الطبيعية لهذه السيطرة دون رقابة أو محاسبة، أن يتزايد حجم الفساد و المحسوبية وإهدار المال العام.
وأبرزت الورقة مظاهر الفساد، ضاربة مثلا بالعقود التي وقعتها الهيئات التابعة لحفتر أو أبنائه صدام وبلقاسم، فيما يخص مشاريع التنمية والتطوير والبنية التحتية وإعادة الإعمار، والتي افتقدت للشفافية والتنافسية، “فالمتعارف عليه في أي دولة في هذه الحالة أنها تقوم بإجراء مناقصة ويؤول المشروع للشركة التي تقدم أفضل العروض، وهو ما يسمح بوجود درجة من التنافسية تمكن الدولة من الحصول على أفضل العروض من حيث التكلفة والجودة، بينما في الحالة الليبية فإن جزءا كبيرا من المشاريع تمنح للحلفاء، وتستخدم كورقة مساومة سياسية، بغض النظر عن التكلفة والجودة، دون عمل أي مناقصة”.
والمظهر الآخر للفساد هو الاحتكار وغياب المنافسة العادلة بين الشركات المحلية والشركات والهيئات التابعة لحفتر أو لصدام، مما يقود تدريجيا لإضعاف القطاع الخاص.
وفي ظل هذه الظروف من سيرطة أفراد بعينهم على الاقتصاد وغياب المؤسسية في إدارته، ترى الورقة “أن رحيلهم لأي سبب يشكل تهديدا حقيقيا لهذا الاقتصاد، وفي تجربة القذافي ووضعية الدولة بعد رحيله خير مثال”.
وفي نقطة أخيرة اعتبر المركز الليبي للدراسات أن “معضلة إغلاق الحقول النفطية واللجوء لتهريب الوقود تعد هدرا شديد الخطوة للمورد الاقتصادي الأهم لليبيين في ظل اقتصاد ريعي يفتقد لتنوع مصادر الدخل، ويعتمد بشكل رئيسي على واردات النفط”.
الفرق بين أسرة القذافي وأسرة حفتر
ترى الورقة أن إدارة حفتر للمشهد من الخلف وتكليف أبنائه بالمهام الفعلية في إطار عملية توزيع الأدوار بينهم، أفرز شبكة متشعبة من هيمنة الأسرة على كل مقاليد الأمور في المنطقة الشرقية، على المستويات السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والمالية، الأمر الذي يجعل من الصعب الإطاحة بنفوذهم حتى في حالة وفاة حفتر.
وتقدر أن صدام يعد الأقوى بين الأبناء، ثم بلقاسم، ثم خالد، وأخيرا الصديق، بينما يبتعد عقبة والمنتصر، لإدارة استثمارات العائلة في فرجينيا.
وتخلص إلى أنهم يحاكون تجربة أبناء القذافي في أيامه الأخيرة، الفرق أن عائلة القذافي كانت تسيطر على البلاد بالكامل.