اخبارالرئيسيةفضاءات

المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية يقترح استراتيجية لاستمرار الدولة في أوقات الحرب والطوارئ

لضمان سرعة اتخاذ القرار وتنسيق الموارد بفعالية، مع دمج المجتمع المدني والقطاع الخاص في جهود الصمود الوطني

الناس-

دعا المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية لوضع استراتيجية وطنية لاستمرارية الدولة في أوقات الحرب والأزمات كضرورة لضمان قدرة ليبيا على الصمود أمام تصعيد إقليمي أو اضطراب عالمي.

وحذرت وحدة دراسات الأمن القومي بالمركز من التصاعد الحاد في التوترات والنزاعات في المنطقة، التي تجعل من أي صراع محلي قابلا للتطور لمواجهة إقليمية أو دولية أوسع. الأمر الذي يلزم معه ضمان قدرة ليبيا على الصمود والاستقرار.

وقدم المركز مقترحا يتضمن إعداد خطط لاستمرار العمليات الحكومية وبناء مخزونات استراتيجية للطاقة والغذاء والدواء، وتأمين شبكات الاتصالات والبنية التحتية الحيوية وتعزيز القدرات البشرية والمؤسسية للتعامل مع الطوارئ.

وشمل المقترح كذلك تأسيس هياكل قيادية مركزية، وغرف عمليات وطنية، ومراكز إقليمية للطوارئ، “تضمن سرعة اتخاذ القرار وتنسيق الموارد بفعالية، مع دمج المجتمع المدني والقطاع الخاص في جهود الصمود الوطني”- وفق تقريره.

أولا بناء هيكل مؤسسي لإدارة الدولة الليبية في أوقات الحروب والأزمات.

أوضح التقرير الذي نشره المركز في الثاني من نوفمبر 2025م، أن فاعلية إدارة الأزمات تعتمد على ضرورة وجود قيادة مركزية واضحة، لاتخاذ القرارات العاجلة وتوجيه الموارد.

و”يمكن تصميم الهيكل المؤسسي على ثلاثة مستويات مترابطة: قيادة وطنية، غرفة عمليات وطنية، ومراكز إقليمية للطوارئ، مدعومة بوحدات متخصصة في القطاعات الحيوية، مع مراعاة البعد السيبراني والمرونة التشريعية والمالية”.

وفي تفاصيل ذلك يقول:

تتمثل القيادة الوطنية في مجلس وطني للطوارئ، تقوده أعلى سلطة تنفيذية، ويعمل على وضع السياسات العليا، وتحديد الأولويات الوطنية، وتفويض الصلاحيات التنفيذية لغرفة العمليات.

مهام هذه القيادة هي: “توحيد الرؤية، إعطاء أوامر تنفيذية واضحة، متابعة مؤشرات الأداء وضمان الاتصال الآمن مع الوحدات التنفيذية.

أما غرفة العمليات الوطنية للطوارئ، فوظيفتها أن تعمل على مدار الساعة كمنصة تشغيلية تستقبل الإنذارات وتنسق الموارد، وتدير البيانات الاستخباراتية واللوجستية بين الوزارات والقطاع الخاص والمنظمات الإنسانية.

وتشكل داخل الغرفة وحدات متخصصة لكل من: الأمن الغذائي، الطاقة والوقود، الصحة والمخزون الدوائي، المياه والصرف الصحي، الاتصالات والأمن السيبراني، استمرارية الحكومة، اللوجستيات والنقل.

وتشتغل هذه الغرفة بشبكات اتصال آمنة ومشغلات بيانات تعرض مؤشرات الأداء والزمن الحقيقي للإمدادات ومراكز بينات احتياطية.

وفي البعد السيبراني، ينبغي إنشاء هيئة فنية وطنية لرصد الهجمات الإلكترونية وتنسيق الاستجابة الفنية، ونشر إرشادات الحماية والإشراف على مراكز بيانات احتياطية، لضمان استمرارية الخدمات الرقمية.

سيكون مطلوبا في كل ذلك، وضع إطار تشريعي ومالي، واعتماد نموذج لدمج الدولة والقطاع الخاص، ومنح المواطنين أدوارا عملية في الاستجابة وإنشاء أنظمة تنبيه ومخابئ مدنية.

ولأجل كل ذلك ينبغي الاستعداد عبر التدريب السنوي المشترك لتفعيل غرف العمليات.

ثانيا الأمن الغذائي:

وفق المقترح فالدولة مدعوة لتأمين سلاسل الإمداد  الأساسية مثل الحبوب والزيوت والسكر لفترات لا تقل عن تسعين يوما.

ويتطلب ذلك إنشاء شبكة مخازن إقليمية موزعة جغرافيا.  لتزويد المستشفيات ومراكز الإيواء والأسواق.

وسيساهم تطبيق نظام البطاقات الإلكترونية المدعومة في ضمان توجيه السلع الأساسية إلى الفئات المستحقة بدقة وشفافية.

وتتطلب إدارة الأمن الغذائي نظام رصد مبكر يعتمد على بيانات السوق المحلية ومؤشرات الاستهلاك وتحليلات جغرافية للاحتياجات ما يسمح بتفعيل التمويل الاستباقي والتوزيع الموجه قبل تفاقم الأزمة.

وبناء عليه لابد من سن قوانين حماية الاحتياطيات الاستراتيجية وآليات الشفافية والمتابعة، ونظم محاسبية لرصد المخزون وتحديد المستفيدين.

ثالثا الطاقة والكهرباء والوقود

يبرر بناء مخزون وطني للوقود يغطي احتياطات البلاد لمدة 30- 60 يوما، موزعا في مواقع آمنة شرقا وغربا وجنوبا، مع مستودعات محصنة قرب الموانئ ومناطق الإنتاج، كعنصر أساسي في الحفاظ على استدامة الخدمات أثناء الحروب.

يعتمد تعزيز الاستقلال الطاقوي للمرافق الحيوية على أنظمة لا مركزية تشمل مولدات متنقلة ووحدات طاقة شمسية وبطاريات احتياطية. ويمكن حث المواطنين على تركيب منظمات الطاقة الشمسية في البيوت.

وينبغي إنشاء غرفة عمليات وطنية للطاقة تنسق بين المجلس الوطني للطوارئ، والمؤسسة الوطنية للنفط، والشركة العامة للكهرباء، لضمان إدارة فعالة للطاقة أثناء الحروب.

رابعا القطاع الصحي والدواء

تبرز أهمية وجود مخزون وطني استراتيجي للأدوية الأساسية يغطي 90 يوما على الأقل، موزعا في مستودعات آمنة في مناطق البلاد.

يعزز جاهزية القطاع الصحي وجود وحدات طبية متنقلة مزودة بالأدوية والمستلزمات الأساسية قادرة على التدخل الفوري في المناطق التي يمكن أن تعاني من نقص.

يساعد إنشاء غرفة عمليات صحية وطنية للطوارئ على تعزيز الشفافية والفعالية في إدارة القطاع الصحي.

خامسا المياه والصرف الصحي

القطاع يحافظ على الصحة العامة ويمنع تفشي الأمراض، مع استمرار توفير مياه الشرب وخدمات الصرف ويستند على:

تأمين محطات الضخ والمعالجة من الاستهداف والتخريب بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات الخدمية.

فرق للطوارئ متخصصة للصيانة والتشغيل ودعمها ببرامج تدريب ميدانية ومعدات متنقلة.

تأمين الطاقة الاحتياطية للمحطات لضمان استمرارية الضخ والمعالجة عند انقطاع الكهرباء. سواء عبر المولدات أو وحدات الطاقة الشمسية.

إنشاء احتياطات استراتيجية وتفعيل أنظمة مراقبة إلكترونية للجودة والمستويات.

 

وبذلك يتحول قطاع المياه والصرف الصحي إلى ركيزة صمود وطنية تضمن استمرار الخدمات الحيوية حتى في ظل النزاعات والحصار، وتعزز قدرة الدولة على حماية مواطنيها مع ترسيخ نموذج علمي وفعال لإدارة الأزمات المائية في البيئة الليبية.

سادسا الاتصالات والأمن السيبراني

يعتبر تعطل شبكات الاتصال أو انهيار البنية الرقمية من أخطر التحديات التي تهدد تماسك مؤسسات الدولة، خاصة في بيئة تتسم بالانقسام السياسي والأمني مثل ليبيا.

يرتكز المسار على بناء منظومة وطنية متكاملة للأمن السيبراني تعنى برصد التهديدات الرقمية والتعامل معها بفعالية وسرعة. بإنشاء مركز وطني للاستجابة للحوادث الإلكترونية. يتولى مهام الإنذار المبكر ومتابعة الهجمات التي تستهدف القطاعات الحيوية.

وفي الاتجاه ذاته ينبغي تنويع قنوات الاتصالات الوطنية كخطوة لتعزيز صمود المؤسسة عبر إنشاء شبكات بديلة تعتمد على الأقمار الصناعية والراديو.

وفي الجانب الوقائي  ترسيخ ثقافة الأمن الرقمي لحماية البيانات والبنى التحتية، من خلال اعتماد أنظمة نسخ احتياطي مشفرة وتطبيق سياسات أمنية دقيقة.

وعلى المدى الطويل يبرز إنشاء غرفة عمليات رقمية محصنة كخيار استراتيجي يضمن استمرار قدرة القيادة الحكومية على التواصل وإصدار القرارات عند تعطل البنية التحتية التقليدية.

ومن خلال هذه الخطوة تتمكن ليبيا من تعزيز سيادتها الرقمية وتطوير منظومة متكاملة لحماية مؤسساتها من الهجمات السيبرانية.

سابعا استمرارية عمل الحكومة:

استمرار عمل الحكومة في أوقات الحرب والأزمات أهم مؤشرات الصمود المؤسسي للدولة إذ يظهر تعطل المقرات الرسمية وانهيار منظومة القيادة والإدارة خطرا مباشرا على الشرعية والسيادة الوطنية.

وجود خطط متكاملة لاستمرارية العمليات الحكومية يمثل ضرورة استراتيجية لضمان بقاء مؤسسات الدولة فاعلة حتى في أكثر الظروف تعقيدا، لذا ينبغي تحديد أولويات العمل الحكومي وتوزيع المهام الحرجة بين المؤسسات مع تعيين قيادات بديلة قادرة على تولي المسؤولية عند تعطل القيادة المركزية.

يُعد تخصيص مواقع احتياطية للوزارات الحساسة كالدفاع والداخلية والمالية والصحة خطوة أساسية لتأمين استمرارية القرار التنفيذي، خاصة إذا جهزت المواقع بأنظمة اتصالات وطاقة وإمدادات احتياطية.

الضمان الاتصالي الآمن بين القيادات السياسية والعسكرية يُعد عنصرا حاسما في الحفاظ على فاعلية القرار السيادي.

يبرز إنشاء مركز قيادة وطني بديل خارج العاصمة كخطوة أساسية لتفادي المخاطر الأمنية وضمان استمرار منظومة القيادة في حال تعطل المركز الرئيسي.

ثامنا: التمويل، التشريع، وبناء القدرات..

بتأسيس صندوق وطني للطوارئ، يكون خاضعا لإشراف لجنة وطنية مستقلة، ورقابة ديوان المحاسبة لضمان الشفافية والمساءلة.

إقرار تشريعات لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتفعيل الرقابة الرقمية أداة حاسمة في مواجهة الفساد والاحتكار، لا سيما في بيئة تعاني من ضعف الحوكمة وتعدد مراكز النفوذ.

الدمج بين الإصلاحات المالية والتشريعية من شأنه تمكين ليبيا من بناء منظومة متكاملة قادرة على مواجهة الصدمات وضمان استدامة الخدمات العامة، والحفاظ على استمرارية مؤسساتها رغم التحديات الأمنية والاقتصادية بما يعزز ركائز الصمود الوطني في بيئة نزاع معقدة.

تاسعا: التعاون الاقليمي والدولي:

بتركيز ليبيا على تعزيز التنسيق مع دول الجوار، خاصة تونس ومصر والجزائر، لتأمين الإمدادات الحيوية وإنشاء ممرات إنسانية آمنة بإشراف لجان مشتركة. وتوسيع التعاون مع المنظمات الدولية

هذا التعاون لا يقتصر على المساعدة الإنسانية بل هو جزء من منظومة الأمن القومي، من خلال ترسيخ مفهوم “الأمن الإقليمي المتكامل”.

الخلاصة:

الحروب في العصر الحديث متعددة الأبعاد تجمع بين العنف العسكري والهجمات السيبرانية والحصار الاقتصادي والتشويش الإعلامي.

في هذا السياق يصبح من الضروري تبني سياسات وإجراءات متكاملة تهدف لضمان استمرارية الدولة وحماية المؤسسات الحيوية سواء خلال النزاعات المسلحة أو الأزمات العالمية.

يتضمن ذلك إعداد خطط استمرارية العمليات الحكومية، بناء مخزونات استراتيجية للطاقة والغذاء والدواء، وتأمين شبكات الاتصالات والبنية التحتية الحيوية، وتعزيز القدرات البشرية والمؤسسية للتعامل مع الطوارئ.

ويشمل تأسيس هياكل قيادية مركزية وغرف عمليات وطنية ومراكز إقليمية للطوارئ، تضمن سرعة اتخاذ القرار وتنسيق الموارد بفعالية، مع دمج المجتمع المدني والقطاع الخاص في جهود الصمود الوطني.

الاستعداد المتكامل والمتقدم يمثل عنصرا جوهريا للحفاظ على سيادة الدولة واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي، ويحول القدرة على الصمود أمام الأزمات إلى سلاح استراتيجي يحمي الدولة ومواطنيها من الانهيار في أصعب الظروف العالمية والحروب المعاصرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى