اجتماعيالرئيسيةالراي

المرأة الليبية. قوة صامتة بين السلطة والظلم

* كتب/ عمران اشتيوي،

تظل المرأة الليبية تعيش مفارقة لافتة لا تشترك مع غيرها: كونها المظلومة والمتحكمة، هي الضحية وصانعة القرار، هي الحلقة الأضعف والأقوى في سلسلة المجتمع. هو تناقض لا يأتي من فراغ، بل من تراكم تاريخي طويل، ومن واقع اجتماعي تتداخل فيه العادات مع الطموحات، والواجبات مع الحقوق المؤجلة.

يومياً، يمكن رؤية المرأة الليبية وهي تتحمل العبء الأكبر داخل البيت وخارجه. هي الأم، والمعيلة في كثير من الأحيان، ومن تُرتب السرير، والممرضة وقت المرض، والمدرّسة الأولى للأبناء. لكنها في المقابل كثيرًا ما تواجه التهميش حين يتعلق الأمر بوصولها إلى مواقع القرار، أو تمثيلها العادل في المؤسسات العامة. هناك أصوات تقول إن المرأة نالت ما يكفي، وأخرى تصرّ على أن الطريق ما يزال طويلاً ومليئًا بالعقبات.

خلونا نتجرد من الذكورية ونقول: لا يمكن تجاهل حضورها القوي في المشهد الليبي خلال السنوات الماضية. لم تعد مجرد متفرجة. بل كانت رأس الحربة في أعمال الإغاثة وقت الأزمات، وفي المبادرات المدنية، وفي المهن التي كانت حكرًا على الرجال. صارت تكتب وتنتج وتناقش علنًا، وتطالب بحقوقها دون خوف. إنها تمسك بخيوط البيت، وتشارك في خيوط الحكاية الوطنية.

ما يميز المرأة الليبية أن قوتها تأتي غالبًا من غير صخب. هي لا تبحث عن الضوء بقدر ما تبحث عن الفعل. تقود بصمت، تؤثر دون ضجيج، وتدير الأزمات من خلف الكواليس. كثير من الرجال يعترفون أن القرار النهائي في البيت ليس قرارهم وحدهم، وأن الكلمة التي تُحسم كثيرًا تكون كلمة الأم أو الزوجة أو الأخت.

مع كل ما تقدم تبدو المفارقة واضحة: المرأة التي ما زالت تعاني بسبب نظرة اجتماعية تقليدية، هي نفسها التي تملك قدرة لا يُستهان بها على التأثير وصناعة التوازن. ربما لا تحتاج إلى اعتراف رسمي بسلطتها، لأن سلطتها تمارس يوميًا، بتجاربها، وصبرها، ومرونتها. وفي مجتمع يعيش تحولات مستمرة، يبقى حضورها عنصرًا حاسمًا في صعوده واستقراره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى