العربي الجديد-
لجأ الكثير من الليبيين إلى مدخراتهم بهدف الحد من أزماتهم المعيشية الخانقة في ظل زيادة الفوضى بأسواق السلع وقفزات أسعار السلع والخدمات الضرورية.
وفي إطار ما يعرف محليا بـ”حرق الدولار” اتجه المواطنون إلى تحويل جزء من مدخراتهم المصرفية إلى دولار عبر الشراء بـ”الصك المصرفي”، ثم يقومون ببيعه من أجل توفير النقود “الكاش” من العملة المحلية، بسبب شح السيولة في المصارف.
وفي الوقت الذي انتعشت فيه السوق السوداء للدولار، بدأت مدخرات الليبيين في التآكل لتُفاقم من أوضاعهم المعيشية وتدفع الكثير منهم نحو دوامة الفقر.
وفي هذا السياق، أكد مواطنون لـ”العربي الجديد” أنهم لجأوا إلى وسيلة “حرق الدولار” من أجل توفير سيولة كافية لشراء احتياجاتهم الضرورية والتي لا يستطيعون الاستغناء عنها.
المواطن مسعود الفزاني اعتاد على بيع ما يمتلكه من عملة في السوق الموازي للحصول على “الكاش” من العملة المحلية.
وقال الفزاني لـ”العربي الجديد” إن “ضعف الدولة وسوء إدارة القطاع المصرفي وشح السيولة مع الغلاء المتزايد يجعل المواطن لا خيار له إلّا السوق السوداء حتى على حساب مدخراته من أجل مكابدة الحياة التي تزداد مشقة كل يوم”.
ومن جانبه، قال علي بن غرسة من سكان مدينة مزدة النائية 187 كلم شمال الغربي للعاصمة طرابلس لـ”العربي الجديد” إن المواطن يلجأ إلى “حرق الدولار” عبر تحويل جزء من مدخراته المصرفية إلى دولار بالشراء عبر الصك المصرفي ثم يتم بيعه في السوق السوداء.
بدوره، يقول عبد الحكيم الحسناوي من الجنوب إن الدولار يستخدم إما للادخار أو صرفه من أجل الحصول على سيولة يحل بها المواطن مشاكله وسط عدم وجود حلول اقتصادية حكومية تبشر بالخير، بعد أن دخل الليبيون في دوامة الفقر والبطالة.
وحسب تقرير سابق لمركز أويا للدراسات الاقتصادية (غير حكومي)، ارتفعت معدلات الفقر في ليبيا الغنية بالنفط إلى 59 في المائة، فيما قدرت الأمم المتحدة أن نحو 1.3 مليون شخص (23 في المائة من السكان)، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
وحدّد مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي سعر صرف موحّد جديد في أنحاء البلاد عند 4.48 دنانير للدولار الأميركي الواحد بدلا من السّعر القديم (1.4 دينار)، بتخفيض قيمة العملة بـ 70 % مع تخفيض قيمة العملة في حين يبلغ الدولار أكثر من 5 دنانير في السوق السوداء.
ويتكرّر مشهد الناس المصطفين يوميّا أمام المصارف بانتظار الحصول على بضع مئات من الدّينارات، هي جزء ممّا يملكونه فعلا في حساباتهم البنكيّة. ونبه المحلل الاقتصادي أحمد المبروك، في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن لجوء الكثير من الليبيين لمدخراتهم من أجل تسيير حياتهم له عواقب اقتصادية وخيمة، منها فقدان الثقة في العملة المحلية، قائلا إن الخسائر في الودائع تتراوح من 25 إلى 30%.
ورأى الباحث الاقتصادي صبري ضوء، أن السوق السوداء للعملات الأجنبية تنشط في ظل هجمات المضاربين المتواصلة، الأمر الذي ينال من العملة الوطنية (الدينار الليبي) بسبب زيادة الطلب على العملة الأميركية. وأوضح لـ”العربي الجديد” أن تجار العملة في السوق المحلي يملكون النقد المحلي والأجنبي، إذ زادت السيولة خارج القطاع المصرفي بشكل كبير.
وازدهرت السوق الموازية في ليبيا، منذ عام 2015 وذلك بعد تراجع الإيرادات النفطية مع زيادة الطلب على الدولار بسب عدم الاستقرار السياسي والحروب المتواصلة بين فرقاء السياسة مع زيادة عمليات سحب النقود من المصارف التجارية. وحسب مراقبين، فإن الأمور الاقتصاديّة خرجت من عقالها فلا خيار سواء عشوائيّة الإنفاق الماليّ في ظل تراكمات جائحة فيروس كورونا، والحرب الرّوسية على أوكرانيا، مع تراكم الدّين العام المحلي إلى 155 مليار دينار (34.5 مليار دولار)، مع عدم قدرة المصارف التّجاريّة على تحصيل القروض والتسهيلات الائتمانيّة خلال السنوات الماضية مع الأزمات الاقتصادية المتواصلة التي تعيشها البلاد.
وأكد المحلل المصرفي حسين البوعيشي أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد الليبي هي تجميد أو إيقاف النفط، وبالتالي فقدان المصرف المركزي لتدفق الدولارات من الصادرات التي كانت تأتيه بشكل يومي، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف السيولة وتشدد المصرف المركزي في فتح الاعتمادات المصرفية حتى لا يتم استنزاف الاحتياطيات. وأوضح البوعيشي في حديثه لـ”العربي الجديد” أن مشكلة نقص السيولة تتفاقم في المصارف التجارية، بسبب اعتماد الاقتصاد الليبي على الواردات من السلع والخدمات، ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار وتنشيط السوق السوداء للدولار. وأشار إلى أن المواطن لم تعد لديه ثقة في العملة الوطنية.