الرئيسيةالرايفي الذاكرة

اللباس التقليدي الليبي.. هوية وتاريخ وأصالة

* كتب/ وليد عمران محمد،

تتنوع الحياة الثقافية والاجتماعية في ليبيا علي امتداد تضاريسها الجغرافية، والتي أنتجت موروثاً ثقافياً غنياً ليرسم لوحات غاية في الجمال من التراث الشعبي المتراكم، الذي مثّل نموذجًا خاصاً ومتميزا يحتوي العديد من الجوانب الحياتية للإنسان الليبي.

ومن هذا الموروث الشعبي الأزياء التقليدية الليبية التي بنقوشها وزخارفها البديعة ظلت مائات السنين هي الأجمل تنوعاً وأناقةً وتصميماً، كما تعدّ الأزياء الليبية أزياء لم تنافسها أي أزياء أخرى، لأن صناعتها وأتقنتها ونسجت خيوطها أنامل ماهرة، ولا تزال تتجلى صورها في القرى والأرياف الليبية، حيث تنوعت لوحات الإبداع التي ترسم الأصالة وسحر الموروث التقليدي، في ليبيا باختلاف مناطقها، فلكل منطقة أزياؤها الشعبية التي تعكس شيئاً من ملامحها وهويتها.

وتختلف الأزياء الشعبية الليبية من مدينة إلى أخرى باختلاف تضاريسها وبيئاتها الاجتماعية، وجميعها تعكس المهارات العالية لدى المصممين لهذا الزي، تشكيلات متنوعة ومتفردة، تحفل بها ليبيا علي امتداد جغرافيتها، تمثل حلقة وصل بين الحاضر والماضي، وتشكل جزءا من هوية وثقافة وتاريخ البلد، ونتاجه الحضاري عبر مائات السنين.

ويعد التنوع في الأزياء الشعبية من منطقة إلى أخرى أحد تلك الملامح الثقافية، التي حولت النسيج إلى كلمات وألوان، وإلى فضاءات من خلاله، وحياكته بدلالات اجتماعية وثقافية على هيئة أثواب وملابس فائقة الجمال، عريقة الإبداع، ويعد هذا التنوع الواسع والغني للأزياء التقليدية الليبية امتداداً في الزمان والمكان والثقافة والتاريخ، وتطبيعها بطابع واحد يعكس التناغم والتمازج والانسجام، بحيث تشكل في مجملها خصوصية متفردة وهوية واحدة، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وتحاكي كل الثقافات دون أن تفقد خصوصيتها أو ذاتيتها، وهذا ما ينعكس من خلال الكم الهائل من الألوان والأصناف وأشكال الموروثات التقليدية في ليبيا.
ولاتزال الأزياء التراثية الليبية بطابعها الجمالي وتصميماتها الفريدة محافظة علي حضورها ومكانتها، تقاوم رياح العصرنة وتصارع للبقاء.

واللباس التقليدي الليبي هو مجموعة الألبسة التراثية والشعبية التي حافظ ومازال يحافظ عليها الليبيون منذُ قرون، حيث يظهر جلياً تشبثهم بمختلف الألبسة التقليدية، خاصة في الأعراس والمناسبات الدينية، شيوخاً كانوا أم شباباً، ذكوراً أو إناثاً، ومما لا شك فيه أن الزي التقليدي جزء لا يتجزأ من التُراث، وأحد المقومات اللازمة لتشييد الحضارة، فهو ضروري لتطور الحضارة، في حين أن الزي التقليدي أداة تعريف الأمم ورمز لتميزها وتفردها، وهو خير شاهد على درجة وعيها، وعلى تنوع الحضارات المتعاقبة عليها.

وأزياء الشعوب هي انعكاس لبيئتهم وثقافتهم، وتعدد الأزياء التقليدية لأي شعب من الشعوب هو دليل ثراء وزخم لثقافة هذا الشعب عن غيره، وليبيا خير شاهد على التنوع الفريد في أزيائها، وتعتبر الأزياء الليبية بتكويناتها وزخارفها ورموزها وألوانها جزءًا من التراث القبلي والعائلي، الذي يتوارثه الخلف عن السلف، وجزءا من البيئة الليبية، وتعتبر الأزياء الشعبية الليبية لوحات فنية مليئة بالزخارف والأشكال الهندسية، وتمتاز الأزياء الليبية بأناقتها ونقوشها البديعة، وتختلف الأزياء الشعبية اختلافا جذرياً من منطقة إلى أخرى، فالأزياء في غات تختلف كلياً عن أهل اجدابيا، والتي بدورها تختلف عن أزياء طرابلس، وهكذا لكل منطقة لبسها الخاص بها، فكل شيء يبدو متنوعاً، لكن الجوهر واحد، وتتميز الأزياء التقليدية الليبية بحفاظها علي طابعها التقليدي القديم، من دون تغير، وهي تعكس صورة نمطية عن من يرتديها من حيث المنطقة التي ينتمي إليها، ففي مدينة مصراتة في غرب البلاد يبرز اللباس المصراتي التقليدي كأحد أوجه المورثات الشعبية التي تشتهر بها المدينة، وتعد من الأزياء الرجالية الشعبية التي يتميز به أهالي مصراتة وتحافظ على تواجدها برغم من التطور الحضاري، الزي أثّر بشكل واضح على نمط اللبسة التقليدية وبعض كبار السن لا يزالون يعتبرونها جزءا من تراثهم الشعبي، ويحرصون على ارتدائها على الرغم من الحداثة التي صاحبتها من تبدلات وتغيرات في الملبس، لا تزال الازياء الشعبية في مصراتة محل أقبال واهتمام من قبل الأهالي، وهي موروث ليبي أصيل يقبل الكثيرون علي ارتدائها بألوانها الزاهية وشكلها المتقن.

والزي يؤرخ لزمن بعيد من التاريخ والهوية الليبية، ويتسم هذا الزي الليبي بأنه من أنواع الأثواب المريحة التي ينسجم بتفاصيله ومقاييسه مع الحركة والمناخ، وطريقة الجلوس على الأرض، ويُسميه الأهالي بـ الزافيرا، ويتكون اللباس من ثوب من قطعة واحدة دون جيوب مخطط بشكل عمودي، بحيث تسير الخطوط على كامل طوله، وغالباً ما يكون بلونين اللون الأبيض واللون الرصاصي أو الأزرق، بياقة واقفة وبأكمام طويلة، ويصل عادةً طوله إلى منتصف الفخذ، ويرتدي تحت الثوب سروال، وهو مثل البنطلون، ولكنه واسع، إضافة لقبعة الرأس (الطاقية)، ووسط هذه القبعة من الأعلى توضع زينة تسمي البسكل أو الشنوارة، وتصنع الطاقية من الصوف الخالص، مراحل إنتاجها ليست طويلة لكنها تحتاج إلى مهارة فائقة، رغم اعتمادها على آلات تُدار يدويا، تتميز الطاقية بأن طولها قابل للتمدد، وحين تلبس فإنها تلائم طبيعة الزي، وتحافظ على تناسق ألوانه، وهي الطاقية الأشهر، لا سيما في مدن غرب وجنوب البلاد، وهي جزء من الزي الليبي وهويته.

ويتميز اللباس بصناعته اليدوية المتقنة ونقوشه المنمقة، ومزدان بالألوان الزاهية، سجل حضوره في ليبيا منذ زمن بعيد، وقد توارثته الأجيال ليحافظ على مكانته، بل وينشط في أيامنا هذه مع عودة الشباب إلى الأصالة، حيث حظي هذا الزي مؤخراً بإقبال لافت النظر.

تاريخ هذا الزي موغل في القدم حيث كان ولايزال علامة مميزة لسكان المدينة.. جميلة هي الأزياء التراثية، والأجمل هو أن تجد من يتمسك بها، ويعبر اللباس التقليدي في أي مجتمع وفي كل مرحلة تاريخية عن طبيعة التطور الاجتماعي والثقافي السائد، وبذلك فهو يعبر عن الوظائف الاجتماعية والثقافية للباس، ويعكس البيئة المحلية في أطرها الاجتماعية والثقافية.

ويتميز اللباس التقليدي بخصوصية فريدة في المجتمع الليبي، فإلى جانب جمال أشكاله وهيئاته المختلفة، فإن تنوعه الواسع يعكس الطبيعة التي عاش فيها الليبيون، حيث تتنوع لوحات الإبداع التي ترسم أصالة وسحر الموروث التقليدي، فليبيا وباختلاف مناطقها غنية بالأنواع المختلفة للأزياء التقليدية، التي لا تحمل التراث العريق فقط، بل تحمل رمزية تضرب في عمق التاريخ، فبين الشرق والغرب والجنوب أزياءً تقليدية اختلفت في التصميم لكنها اتفقت على أنها تشكل الطابع واللمسة الليبية الأصيلة.

فالزي الشعبي يمثل عنوانا بارزا لكل أمة، ويعد دليلاً واضحاً على عاداتها وحضارتها وثقافتها، ولذلك يختلف الزي الشعبي الليبي باختلاف المنطقة أو المدينة، فيختلف الثوب والتصميم والتطريز، بالإضافة إلى الألوان، فكلها أزياء جميلة، ولكل منها رمز وقصة، هذا الزي الشعبي موروث لم تغيره السنون، يشمخ بشموخ صاحبه ومرتديه، وهو يمثل رمزاً للقيم والكبرياء والكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى