العربي الجديد-
أعاد الإعلان عن وفاة تسعة أطفال بسبب لدغات العقارب جنوبي ليبيا، أزمة انهيار القطاع الصحي في البلاد إلى الواجهة مجدداً. وأعلن المجلس البلدي في ربيانة (جنوب)، مؤخراً، عن تسجيل تسعة وفيات من الأطفال من جراء لدغات عقارب على الرغم من توفر كمية من الأمصال.
وعزا المجلس البلدي أسباب الوفاة إلى عدم توفر أطباء داخل مستشفى المنطقة، مشيراً إلى أن المستشفى مقفل منذ أكثر من عام بسبب افتقاره الكوادر الطبية والطاقم الإداري اللازم لتسييره. وحول كيفية حصول أهل المنطقة على الرعاية الصحية، أوضح أن مرضى المنطقة يضطرون إلى قطع مسافة 130 كيلومتراً للوصول إلى مستشفى مدينة الكفرة شرق ليبيا)، على الرغم من نقص الوقود والطرقات المتهالكة.
وتمكنت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية من توفير كميات من الترياق (مصل يحتوي على مضادات السموم)، في محاولة لتجاوز أزمة النقص الحاد فيها، الذي تسبب في ارتفاع عدد الوفيات بسبب اللدغات طوال السنوات الماضية. وأكدت مديرة جهاز الإمداد الطبي بالمنطقة الجنوبية اذهيبة اللافي توفر كميات من الترياق بمخازن الجهاز، وفي أغسطس الماضي، قالت إن الجهاز عازم على تسليم “الترياق إلى المستشفيات والمراكز الصحية في الجنوب بشكل دوري ولم نبلغ بأي نقص”. إلا أن ذلك لا يعد كافياً، بحسب عضو فرق الرصد والاستجابة الحكومية الطبيب رمزي أبو ستة، ويؤكد أن توفر الأدوية لا يغني عن توفير الكوادر الصحية ودعم المراكز الصحية.
وفي ربيانة، أفاد المجلس البلدي بأن المنطقة لا تضم عيادات خاصة، مضيفاً أن “هناك صيدلية وحيدة يقتصر عملها على توفير الإنسولين وأدوية أخرى وإسعافات أولية”، مشيراً إلى أن أهالي المنطقة نظموا وقفات احتجاجية منذ 9 أشهر.
ويشكو الليبيون من غياب الخدمات في المؤسسات الصحية الحكومية، فيما تعاني تلك المؤسسات من ضعف كبير في الدعم الحكومي، سواء لناحية إمدادها بالتجهيزات اللازمة أو صيانة الموجود فيها، فضلاً عن النقص الحاد في الكوادر الطبية الذي يمكن أن يكون سببه هجرة أطباء القطاع العام وتوجههم للعمل في القطاع الخاص بسبب الإهمال الكبير الذي تعانيه المستشفيات الحكومية، كما يقول أبو ستة لـ”العربي الجديد”.
ويُرجَّح أن يكون من بين أسباب هجرة الكوادر الطبية القطاع الحكومي انعدام الأمن، لافتاً إلى أن المجموعات المسلحة باتت تفرض نفسها في المراكز الصحية بذريعة الحراسة، بالإضافة إلى إدارات تلك المراكز، الأمر الذي يؤدي إلى التضييق على مهنة الطبيب.
وينقل أبو ستة عن أطباء من زملائه في المستشفيات الحكومية في المناطق النائية، وخصوصاً مناطق الجنوب، قولهم إن أكثرها يعمل في ظل نقص كبير في الكادر الطبي، ويشير إلى أن معظم التخصصات الطبية ليست متوفرة في تلك المستشفيات، وغالباً ما يوجد فيها طبيب عام برفقة عدد من الأطباء المتدربين.
إلى ذلك، يقول المواطن موسى الهيبي إن القطاع الخاص أصبح قبلة المواطنين، ويوضح أنه “كما هجر الأطباء المستشفيات، هجرها المواطنون أيضاً نحو القطاع الخاص. فالمريض أو ولي أمره لم يعد يفكر في الذهاب إلى مراكز الهلال الأحمر أو المستشفيات الحكومية، بل إلى تلك الخاصة، حتى لو لم تكن المشكلة الصحية خطيرة”. يضيف الهيبي أن منطقته تويوي، جنوب البلاد، تفتقر إلى مركز صحي، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن “العديد من المراكز الصحية مقفلة منذ أعوام، وغالبية السكان يسافرون لمسافات طويلة إلى المناطق المجاورة للعلاج في المراكز الصحية أو المستشفيات الخاصة”.
وتؤكد السلطات اهتمامها بالملف الصحي، إلا أن تصريحات مسؤوليها كثيراً ما تشير إلى عرقلة الخلافات السياسية بين الخصوم مساعيها، وخصوصاً الوصول إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها.
وكانت وزارة الصحة الليبية في حكومة الوحدة الوطنية قد أعلنت في آخر بياناتها عن لقاء وزيرها رمضان أبو جناح نظيره التونسي علي المرابط، لبحث “الاستفادة من خبرات عناصر التمريض التخصصي في تونس وتشغيل بعض المراكز الطبية والمستشفيات، والاستفادة من خبرات المتخصصين لتشغيل مصنع الرابطة للأدوية”. وقالت الوزارة إن الجانبين ناقشا تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، من خلال تعزيز البرامج الوطنية المشتركة للاهتمام بالأمن الدوائي، وإنشاء برامج توأمة بين مستشفيات البلدين لتبادل المعارف والخبرات، فضلاً عن تدريب العناصر الطبية من خلال برامج الأطباء الزوار.
إلا أن أبو ستة لا يعول على مثل هذه البيانات، فـ”المواطن لن ينتظر هذه الوعود والبيانات، وقد يذهب إلى تونس أو دولة أخرى للعلاج”، ويشير إلى أن “المطلوب ليس صناعة الأدوية أو تدريب الأطباء، إذ يمكن استيراد الأدوية. كما أنّ الأطباء أصحاب التخصص متوفرون بدليل وجودهم في القطاع الخاص. لكن المطلوب توفير الدعم للمستشفيات. ماذا سيفيد توفر الدواء والطبيب من دون مستشفى مجهز؟”.