العربي الجديد-
عاد الملف الليبي أخيراً لتصدر اهتمامات صانع القرار المصري، في ظل تطورات جديدة، وصفتها مصادر مصرية خاصة مقربة من اللجنة الوطنية المعنية بالملف، والتي يشرف عليها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، بأنها “تتقاطع مع المصالح المصرية”.
وقال مصدر مصري مطلع، لـ”العربي الجديد”، إن القاهرة “بدأت تحركات جديدة، عبر التواصل مع عدد من الدول الأفريقية ذات الثقل الدولي، ومنها جنوب أفريقيا، من أجل التوافق على مقترح باسم شخصية أفريقية ترأس البعثة الأممية في ليبيا، بدلاً من ستيفاني وليامز، المستشارة الأممية الحالية، في ظل حالة من الغضب المصري تجاه سياساتها أخيراً”.
وبحسب المصدر، فإن آخر محطات الصدام بين وليامز والقاهرة، “ما حدث خلال الاجتماعات الأخيرة لأعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين، التي استضافتها القاهرة أخيراً، بهدف التوافق بشأن القاعدة الدستورية، التي من المقرر أن تجرى على أساسها الاستحقاقات الانتخابية الليبية”.
واختتمت اجتماعات ممثلي مجلسي النواب والدولة الليبيين في القاهرة، الإثنين الماضي، قبل الموعد المحدد سلفاً بيومين، إذ كان من المقرر أن تنتهي في 20 إبريل الحالي بعد أن بدأت في 12 منه.
ووفقاً للمصدر فإن “وليامز هي التي اتخذت القرار بإنهاء الاجتماعات واستكمالها عقب عيد الفطر، وذلك بعد الخلافات بينها وبين الجانب المصري، الذي ضغط لفرض رؤى تتعلق بالمشهد الليبي”.
خلافات ليبية في القاهرة
من جهته، قال مصدر دبلوماسي غربي في القاهرة، لـ”العربي الجديد”، إن الخلافات التي شهدتها الاجتماعات الليبية في القاهرة كانت ناجمة عما وصفها بـ”مراوغة مصرية”.
وأضاف: “في البداية أبدت مصر حسن نوايا بشأن إجراء الأطراف الليبية حواراً حراً على أراضيها، قبل أن تفاجأ البعثة الأممية المنسقة للحوار باجتماعات ممثلي مجلس النواب مع مسؤولين مصريين في جهاز المخابرات العامة، قاموا بعدها بتقديم تصورات مغايرة تماماً لما يجرى الحوار بشأنه، وهو التوافق بشأن قاعدة دستورية”.
وسبق أن نفى المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، مناقشة لجنة المجلس التي شاركت في اجتماعات القاهرة، مسألة القاعدة الدستورية، موضحاً أنها تشكّلت بقرار من المجلس، لتختص بنظر النقاط الخلافية في مسودة الدستور، وذلك وفق التعديل الثاني عشر للإعلان الدستوري.
فشل وليامز بالمحافظة على مسار الحوار
وأضاف الدبلوماسي الغربي أن وليامز “فشلت في الحفاظ على المسار الأساسي للحوار، في ظل الضغوط المصرية، التي جاءت على الرغم من تعهدات من جانب المسؤولين باللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي لوليامز، قبل انطلاق الاجتماعات، بتقديم كل التسهيلات، وعدم التدخل في مسار الحوار”.
وأشار إلى أن وليامز “هي التي اتخذت قرار إنهاء الاجتماعات قبل موعدها، على الرغم من عدم التوصل لاتفاق، وهو ما أغضب المصريين، الذين انصبت رؤيتهم لمستقبل المشهد الليبي على تسليم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة مهامها إلى الحكومة المكلفة من مجلس النواب المنعقد في الشرق الليبي برئاسة فتحي باشاغا، على أن تتولى الحكومة الجديدة مهمة إجراء الانتخابات”.
وكانت وليامز قد أكدت، خلال المؤتمر الختامي للاجتماعات التي استضافتها القاهرة، أن الأمم المتحدة يسّرت النقاشات بين الطرفين (ممثلي مجلسي النواب والدولة). وأشارت إلى أن فريق الخبراء التابع لها قدّم إيضاحات فنية حول جملة من القضايا الدستورية المهمة، مستشهداً بتجارب بلدان في المنطقة والعالم.
وشددت المستشارة الأممية على سعي الأمم المتحدة للبناء على التوافق بين المجلسين لإعادة تفعيل المسار الانتخابي، وتلبية طموح الشعب الليبي، الذي يؤمن أن الحل النهائي للمراحل الانتقالية المتعاقبة والأزمات المترتبة عليها، التي تهدد استقرار البلاد، يأتي عبر انتخابات تستند إلى إطار دستوري سليم، وإطار انتخابي بمدد زمنية محددة.
خلافات بين مصر والجزائر
مقابل ذلك، كشف دبلوماسي مصري عن “عودة الخلافات مجدداً بين مصر والجزائر، على وقع ما يشهده الملف الليبي”. وأكد أن “تباين الرؤى بين البلدين بشأن الأزمة الليبية في الوقت الراهن هو أساس تجدد الخلافات بين البلدين”.
وبحسب المصدر، فإن الدبيبة “لجأ إلى الجزائر أخيراً للاستقواء بموقفها الرافض لمد المرحلة الانتقالية، وإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن”.
وأشار إلى أن الدبيبة “سعى إلى مغازلة الجزائر بتأكيد تمسكه بإجراء الانتخابات، وعدم تسليم مهامه لحكومة باشاغا، لغلق الطريق أمام فترة انتقالية جديدة”. وزار الدبيبة الجزائر، الثلاثاء الماضي، حيث أجرى هناك محادثات مع الرئيس عبد المجيد تبون، وسط مساعٍ لحل أزمة الحكومتين في ليبيا.
ووفقاً للدبلوماسي المصري فإن “ترحيب الجزائر باستقبال الدبيبة في الوقت الراهن، على الرغم من معرفتها بتوتر العلاقات بينه وبين القاهرة، مثّل صدمة للمسؤولين في مصر، خصوصاً أن الزيارة كانت بهدف الحصول على الدعم، ولم تكن في إطار مسعى من جانب الجزائر لإقناعه بتسليم مهامه للحكومة التي كلفها مجلس النواب”.
وبحسب الدبلوماسي فإن “التوتر في العلاقات المصرية الجزائرية وصل إلى ذروته، خصوصاً نهاية فبراير الماضي، بعدما قررت الجزائر تشكيل الـ”جي 4″ الأفريقية مع كل من نيجيريا، وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، في إطار تحالف جديد للتشاور والتنسيق حول قضايا القارة الأفريقية مستقبلاً”.
وأكد المصدر أن القيادة السياسية المصرية “رأت في تلك الخطوة استهدافاً مباشراً لها، خصوصاً في ظل ضم إثيوبيا للتحالف من جهة، ومن جهة أخرى أنه لم تتم مخاطبة مصر من جانب الجزائر للانضمام، على الرغم من عودة العلاقات أخيراً وانعقاد اللجنة المشتركة”.
وشدد الدبلوماسي على أن الأمر “تحول لصراع مصري جزائري على الأراضي الليبية، عبر دعم كل طرف لحكومة من حكومتي الصراع”، لافتاً، في الوقت ذاته، إلى أن “الأزمة الحقيقية بالنسبة للقاهرة هي تطابق الموقف الجزائري مع موقف البعثة الأممية الذي يحظى بدعم دولي أوسع”.
وألمح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى خلافات مع مصر حول الملف الليبي. وقال في حوار بثه التلفزيون الرسمي، مساء السبت، إن “الحكومة الليبية التي تحظى بالشرعية الدولية هي حكومة الدبيبة”، مشيراً إلى أن الجزائر ملتزمة ومتمسكة في إطار الشرعية الدولية بدعم الحكومة المعترف بها دولياً. وأكد رفضه للخطوة الانفرادية التي دفعت بها مصر تحديداً، بشأن تعيين حكومة فتحي باشاغا.
وكشف عن خلافات وتباين في المواقف أخيراً مع بعض الدول، من دون أن يسميها، في إشارة إلى مصر، حول خيارات الحل السياسي في ليبيا، وقال: “الموقف الجزائري هذه الأيام بشأن الأزمة الليبية يكاد يكون مخالفاً لمواقف بعض الدول، لقد كنا نسير في موقف واحد، لكن تم تعيين حكومة أخرى تقررت من قبل مجلس النواب”.
كما تؤكد تصريحات دبلوماسيين في وزارة الخارجية الجزائرية أن هناك تباعدا فعليا في المواقف بين الجزائر ومصر، وأن هناك تحفظاً جزائرياً واضحاً، وإن كان غير معلن على ما تقوم به القاهرة في ليبيا من دون التشاور مع دول الجوار المعنية بالأزمة الليبية.
وأشاروا إلى أن الموقف الجزائري مرتبط بدعم وإسناد الشرعية الدولية، والمساعي الرامية إلى إجراء الانتخابات النيابية في ليبيا لحسم أزمة الانقسام المؤسساتي، وأن تقديرات الموقف الجزائري تعتبر أن أية خطوة مغايرة، على غرار دفع مجلس النواب إلى اختيار حكومة موازية للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ومن دون تحقيق التوافقات الضرورية، تستهدف نسف هذا المسار، وإعطاب الجهود السابقة، وتزيد من تعقيدات الأزمة، وتعيد ليبيا إلى دائرة النزاع الدامي والصدام بين أطراف الأزمة الليبية.
وقال دبلوماسي جزائري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن “الوضع الذي آلت إليه الأزمة بفعل بعض الخطوات الانفرادية وغير التوافقية، بدعم من بعض الدول المتدخلة في الأزمة، أمر غير مقبول بالنسبة للجزائر ومحل تحفظ واضح”. وأضاف: “نحن دولة معنية بالأزمة الليبية كدولة من دول الجوار، والخطوات الانفرادية دائماً ما كانت لها تداعيات غير إيجابية على تنفيذ الحل السياسي”.
وتابع: “ليس من عادة الجزائر الدخول في الجدل السياسي، لكن المواقف التي تعبّر عنها الجزائر من خلال بعض المناسبات (استقبال الدبيبة في الجزائر)، تؤكد أنها ترفض المغامرات السياسية التي لا تراعي بالأساس مصالح الشعب الليبي. وهو ما عبر عنه تبون في أكثر من مرة”. وتظهر هذه المواقف انزعاجاً واضحاً من قبل الجزائر إزاء الخطوات المصرية في ليبيا، وتباعداً واضحاً للمواقف والخيارات السياسية والتصورات بشأن الحل.
تحركات الدبيبة تربك الترتيبات المصرية
وفي سياق ذي صلة، يجري الدبيبة يوم الثلاثاء المقبل زيارة رسمية إلى تونس تستمر أسبوعاً، يرافقه فيها وفد وزاري وأمني يضم وزراء الداخلية والمالية والاقتصاد والثروة البحرية، ورؤساء الأركان والمخابرات العامة، والأمن، وآمر قوة مكافحة الإرهاب، بالإضافة لبعض وزراء الدولة والمستشارين.
وعلّق مصدر مصري على تحركات الدبيبة الأخيرة، بالقول إنها “تربك الترتيبات المصرية، وتفرض على المسؤولين في القاهرة ضرورة عدم إغلاق الباب تماماً معه، ومع داعميه من دول الجوار، والقوى الإقليمية، والدولية الأخرى”.
وأشار إلى أن “الانشغال بالانتخابات الرئاسية في فرنسا مؤثر بدون شك، ولو بصورة مؤقتة في مزيد من الترتيب المصري-الفرنسي في ما يتعلق بالملف الليبي، بالإضافة إلى الانشغال الأميركي، والغربي بصفة عامة، بالحرب الروسية في أوكرانيا”.
وكانت وسائل إعلام تونسية قد أفادت بأن السلطات الليبية رفضت، السبت قبل الماضي، عودة باشاغا عبر معبر وازن “لصعوبة تأمينه”، بعد أن قضى أياماً في تونس، بينما نفت وزارة الخارجية في حكومة باشاغا ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول اعتراض تونس على وجود الحكومة بالعاصمة التونسية، ومطالبتها باشاغا بمغادرة أراضيها.
وقالت الوزارة، في بيان ليل الجمعة – السبت، إن “هذه الأخبار الزائفة لا تعدو أن تكون إشاعات مغرضة تستهدف العلاقات الثنائية المتميزة بين الحكومة ونظيرتها التونسية، وتحاول تشويه الدور المتميز والمواقف التاريخية لتونس تجاه الشعب الليبي”.