
*كتب/ مصطفى القعود،
(موش معقول.. شنوا هذا!)، (ومرة أخرى يتصدى الحارس للكرة ببراعة)، (كادت الكرة أن تعانق الشباك لولا براعة الفيتوري).. هكذا صاح المعلق التونسي عندما تصدى حارس المنتخب الليبي لكرات خطرة، بل لم يكتف الحارس بذلك حيث أضاف إليها لمساته وحركاته الاستعراضية المسجلة باسمه إلى الآن..

(يا رسوله.. احنا ما نلعبش أمام فريق.. لكن قدام حارس عملاق) يواصل المعلق التونسي وهو يندب حظ فريقه التعس مستاءً من وجود حارس بمواصفات مثالية يقف حجر عثرة أمام ولوج الكرة إلى الشباك.. ولقبه المعلق التونسي الكبير رضا العودي (بالفيتوري عجب) بعد أن حافظ على نظافة مرماه ومنح الثقة لزملائه وقاد منتخبنا للفوز والتأهل على حساب منتخبه تونس. ذلكم هو الفيتوري رجب.. هل تذكرتم هذا الاسم؟ لا أظن أحدًا في ليبيا يحب كرة القدم وعاصر تلك المرحلة ينسى زمن الفيتوري.. فبرغم ابتعاده عن الأضواء منذ اعتزاله اللعب إلا أن عشاق الزمن الكروي الجميل يذكرونه بكل تقدير واحترام..
بداية الفيتوري الحقيقية كانت في دورة ألعاب البحر المتوسط التي أقيمت بالجزائر عام 1975م حين حلّ بديلاً للحارس الأساسي للمنتخب الليبي المصاب محمد العقوري. ويالها من لحظة تاريخية في حياة الكبار يترقبونها بشوق بالغ، وعندما تحين لا يتركونها تهرب.. وهكذا كان..
تألق الفيتوري رجب وأخرج كل ما اكتنزه من موهبة وإبداع كبيرين وأصبح محط الأنظار وهمسات الشفاه وإشارات الأصابع في تلك الدورة.. مما أجبر اللاعب المصري المعروف حينذاك فاروق جعفر على التقدم لمصافحته ملحًا عليه بالانتقال للعب مع نادي الزمالك..
يدين الفيتوري رجب بالفضل للمدرب الإنجليزي رون برادلي مؤسس الكرة الليبية الحديثة الذي اعتمد عليه ومنحه ثقته، وبلغ تقدير برادلي للفيتوري أقصى مدى عندما استطاع أن يصد ركلتي جزاء أمام المنتخب الغيني بملعب كوناكري رغم خسارة المنتخب الوطني بثلاثية..

وكذلك تألق في مباراة العودة بملعب 28 مارس رغم الخسارة ،فرأى برادلي بعين المدرب المحنك الثاقبة ضرورة الاعتماد على عناصر شابه فأبقى على الفيتوري واستبدل البقية ومنحه شارة الكابتن رغم اعتراض الكثير من الإعلاميين حيث اتهموه وقتها بأنه يكلف الخزينة ألف دينار شهريا دون فائدة، فكيف يستغني عن عبدالسلام محمد وسعد الفزاني واحمد بن صويد وأبوبكر العمامي ورمضان التكماك وغيرهم..
ولكن الأيام أثبتت صدق رؤيته فكسب الرهان باعتماده على عنصر الخبرة متمثلة في الفيتوري رجب وعلى بقية الشباب حيث بدأت مرحلة فوزي العيساوي وأبوبكر باني وصوله صولة وناصر بالحاج وعبدالكريم الهلالي وغيرهم..
تميز الفيتوري رجب بلباس وشكل خاص به وذلك بإصراره على ارتداء غلالة مكتوب عليها رقم (2) من الخلف ورقم (5) من الأمام حتى اعتزاله.. وطيلة فترة لعبه حظي بتقدير وإعجاب وثقة الجميع، فكان بارعا في مرماه براعته في أحاديثه الصحفية والإذاعية.. ورغم العروض المغرية التي تلقاها وقتها للاحتراف من اندية الزمالك المصري والعين الاماراتي ونيس الفرنسي إلا أنه ظل وفيا لغلالة ناديه الأهلي ببنغازي (المشوار الطويل)..
ولم ينقطع عن ارتداء غلالة المنتخب حتى قُبيل بطولة كأس أفريقيا للأمم سنة 82 التي أقيمت في ليبيا، حينها صدمنا بعدم مشاركته لأسباب مجهولة فمن قائل إنه مصاب وآخر يقول إنه لا يرغب في اللعب وظهرت شائعات هنا وهناك.. الشيء المؤكد حينها هو أننا فقدنا أسدًا يحمي عرين منتخبنا في أهم المناسبات وسيظل الأمر لغزًا محيرا ما لم يتحدث الفيتوري نفسه.
أكرر خسرنا الفيتوري في تلك البطولة مع احترامي للدور الذي قام به الحارس البديل رمزي الكوافي.. حيث يبقى للفيتوري طعم ومذاق آخر..
الفيتوري رجب الى جانب تألقه في حراسة المرمى. يكفي انه تحصل على جائزة أفضل حارس مرمى 6 مرات متتالية في الاستبيان التي كانت تجريه صحيفة الكفاح في كل نهاية موسم والتي كانت تصدر في ذلك الوقت، تميز ايضا بتصديه ولتنفيذ ركلات الجزاء ببراعة واتقان، حيث تصدى لعدد 34 ركلة جزاء من مجموع 55 ركلة طيلة مسيرته الرياضية، وسجل 13 ركلة جزاء في مرمى الخصوم وسجلها في أصعب المباريات.
وتحصل على جائزة أفضل حارس مرمى في دورة ماليزيا عام 1977 وتوج مع فريقه الأهلي بنغازي بثلاثة بطولات للدوري (مواسم 1971-1972 و1973-1974 و1974-1975). وتوج مع المنتخب ببطولة الدورة الإسلامية التي أقيمت في إزمير التركية عام 1980. ولعب مع المنتخب الوطني أكثر من 86 مباراة دولية طيلة 14 سنة من تاريخه الرياضي.

بعد اعتزال اللعب ، نجح الفيتوري بعد ذلك في وظيفته الجديدة كمدرب حيث استطاع الحصول على الكأس مع نادي الأهلي بنغازي، وبعدها غاب ولم نعد نراه فأين هو؟ وما رأي القائمين على شؤون اللعبة عندما يتجاهلون رياضيا خبيرًا في حجمه دون أن تتم الاستعانة به والاستفادة من خبرته في تكوين حراس المرمى الذين نعاني من ندرتهم هذه الأيام؟ لماذا لا يكون له دور في الإشراف على حراس المنتخبات الليبية لكرة القدم؟
وفي الختام.. سيظل اسم الفيتوري رجب محفورًا في الذاكرة الرياضية وإذا ذكرت الأسماء الكبيرة في قائمة المبدعين والنجوم في الكرة الليبية فسيكون حتما من ضمن الأسماء الأولى في القائمة.. اعذروني إذا اتفقت مع من يقول إن الفيتوري رجب أحسن حارس مرمى أنجبته الملاعب الليبية وكل الاحترام لمن يخالفني الرأي..



