العربي الجديد-
قفزت فاتورة سلة رمضان في ليبيا هذا العام إلى مستوى قياسي جديد، وصفها خبراء اقتصاد بالأعلى خلال ثلاث سنوات، بفعل الغلاء وتراجع القيمة الشرائية للدينار إثر انخفاضه مقابل العملات الأجنبية.
وقدّر خبراء فاتورة إنفاق الأسر على السلع الغذائية خلال هذا الشهر بنحو 2500 دينار في المتوسط (حوالي 517.5 دولارا). وقال حسين زهمول، متقاعد ولديه خمسة أبناء، إن الأسعار لا تتناسب مع دخل المواطن، على الرغم من زيادة الحد الأدنى للأجور أخيراً، مشيرا إلى أن الغلاء يلتهم هذه الزيادة.
وأضاف زهمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أن ذوي الدخل المحدود ليس باستطاعتهم مواجهة تكاليف الحياة وتردّي الأوضاع المعيشية، مشيرا إلى أنه يقوم يوميا بشراء السلع الأساسية بنحو 70 دينارا، وهي الحد الأدنى من العيش، مع الاستغناء عن الحلويات وبعض السلع التي تصنف في خانة الرفاهيات.
وفي سوق الخيرات بمنطقة السراج في العاصمة طرابلس، تقول ربة المنزل زهرة التعاطي، إنها فضلت شراء السلع لشهر رمضان دفعة واحدة بغية توفير بعض النفقات، لكن ما صرفته من أموال وصل إلى نحو 2500 دينار، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بما كانت تنفقه في اعوام ماضية.
وفي السياق، أكد المواطن الطاهر راشد، لـ”العربي الجديد”، أن الأسعار شهدت ارتفاعا كبيرا مطلع شهر رمضان، خاصة الخضراوات بجميع أنواعها، فيما زادت السلع الأساسية بشكل محدود. وتباينت الأسعار من منطقة إلى أخرى، وفق مواطنين.
وتظهر بيانات متخصصة أن الكثير من الليبيين يعانون من تراجع مستويات المعيشة بفعل التداعيات التي تسبب فيها الصراع على مدار السنوات الماضية. وبلغ معدل الفقر نحو 54% بحسب مركز البحوث الاجتماعية الحكومي.
وقال الخبير الاقتصادي أحمد المبروك، إن انخفاض القوة الشرائية للدينار تسبب في تزايد ثقل فاتورة الاستهلاك بالنسبة للطبقة الفقيرة، مشيرا خلال حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أنه بعدما انخفضت قيمة العملة الوطنية بنحو 70% كان يتحتم اتباع خيارين: إما رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2500 دينار، أو زيادة قيمة الدينار تدريجياً على مدار 24 شهرا وفق روشتة الإصلاح الاقتصادي، لكن هذا لم يحدث.
وأضاف أن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900 دينار فقط جاء كحل مؤقت، ولا يكفي لمتطلبات الحياة والمعيشة، خاصة أن سعر الصرف قفز من 1.4 دينار للدولار الواحد إلى حوالي 4.83 دينار للدولار في أقل من عام ونصف، بعد خفض قيمة الدينار رسمياً في يناير 2021.
من جهته، وصف المحلل الاقتصادي علي الماقوري، الغلاء الذي تشهده الأسواق بالأعلى منذ ثلاث سنوات، محذراً من تفاقمه في ظل عدم وجود حلول اقتصادية للتضخم ونقص السيولة والبطالة.
وقال الماقوري لـ”العربي الجديد” إن الإنفاق الاستهلاكي للأسر يزداد خلال شهر رمضان بنسب تصل إلى 30%، ومع انخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين فإن ذلك يضغط على معيشة الأسر.
وبشأن مقارنة أسعار السلع الأساسية ما بين عامي 2022 و2023 يلاحظ ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بنسبة 22% والحليب 10% ومعجون الطماطم 7% والبصل 300%، بينما شهدت زيوت الطعام والسكر والدقيق انخفاضا.
ووفق تقرير حديث صادر عن البنك الدولي، فإن ارتفاع أسعار الغذاء والدخل المنخفض تسببا في انعدام الأمن الغذائي في ليبيا، حيث حصل 27% من الليبيين على دخل أقل مما هو مطلوب لتحمّل النفقات الأساسية لسلة الغذاء مع نسبة أعلى في الجزء الجنوبي من البلاد.
وأشار التقرير إلى وجود فرصة لتعافي الاقتصاد الليبي، شريطة استفادة المؤسسات السياسية والاقتصادية من انتعاش أسعار النفط في الفترة الحالية، والمحافظة على مستويات الإنتاج التي تقترب من المعدلات الطبيعية.
وجاء صعود أسعار السلع خلال شهر رمضان، رغم الوعود الحكومية بتشديد الرقابة على الأسواق، حيث جرى الإعلان قبيل أيام من بدء الشهر عن تشكيل غرفة طوارئ برئاسة وزير الاقتصاد محمد الحويج، لمتابعة توفير السلع الأساسية خلال موسم الصيام، وانسياب دخول السلع عبر إجراءات مصلحة الجمارك وزيادة حركة فتح الاعتمادات.
كما قال مصطفى قدارة، مدير الإدارة التجارية في وزارة الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، الشهر الماضي، إنه تقرر وضع سعر استرشادي للحوم في الأسواق، كتدخّل حكومي لمواجهة الغلاء، بعدما سجلت هذه السلعة ارتفاعات لافتة. ومنذ بداية العام حتى أوائل مارس الماضي تخطى الغلاء نسبة 15%، حسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا).