العربي الجديد-
“عامل أجنبي مقابل كل أربعة ليبيين”، هذه هي الإحصائية الأولية التي خرجت بها وزارة العمل والتأهيل في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس نهاية العام الماضي عندما كشفت عن وجود أكثر من 2 مليون عامل من مختلف الجنسيات داخل الأراضي الليبية، فكيف تستفيد البلاد من هذه الأرقام الكبيرة؟ وهل هناك تبعات وخسائر تخلقها بالمقابل؟
ينحدر أغلب العمال في ليبيا من جنسيات عربية وأفريقية مع بعض الآسيويين من بنغلادش وباكستان، وبالنسبة للأعداد يأتي القادمون من مصر والسودان والنيجر وتشاد أولا، ثم تونس ونيجيريا وغانا ودول أفريقية أخرى.
ويعمل الغالبية دون عقود رسمية في مجالات: البناء والزراعة والنظافة والورش والمحال التجارية والمطاعم والبيوت أيضا، ويساعد وجودهم في تحريك عجلة الاقتصاد بسبب اتجاه أغلب الليبيين للوظائف الحكومية.
وتشير تقديرات كشف عنها في أحد اجتماعات مجلس الوزراء بطرابلس إلى أن تحويلات العمالة الوافدة في العام تقدر بـ2.6 مليار دولار، يتم تحويلها بعيدا عن الدولة عبر السوق الموازية للعملة.
وباستثناء القادمين من تونس، وبعض الجزائريين والمغاربة، فإن أغلب العمال يدخلون إلى ليبيا بطرق غير شرعية بحسب ما تشير التقديرات، وفي حال استثناء العاملين بالقطاعات الحكومية فإن أغلب العمالة الأجنبية تدخل ضمن اقتصاد الظل الذي يمثل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويقر الأكاديمي وأستاذ العلوم الاقتصادية، عبد السلام زيدان، بذلك، ويشرح بعض الخلفيات قائلا: “بدأ الأمر مع مغامرات معمر القذافي العشوائية خاصة في ثمانينيات القرن الماضي عندما فتح الحدود شرقا وغربا مع مصر وتونس بحجة ضرورة وحدة العرب، ثم اتجاهه في التسعينيات للأفارقة جنوبا.
وبذلك فتحت كل الحدود على مصراعيها”. يضيف في حديثه لــ”العربي الجديد”: “في تلك الحقبة ومع اتباع نظام اشتراكي في دولة نفطية غنية؛ اكتمل تماما تحول ليبيا إلى الاقتصاد الريعي بالاعتماد فقط على الصادرات الهيدروكربونية، وهذا يعني اكتفاء الدولة بريع النفط وعدم الالتفات لغيره، ومن ثم عدم الاهتمام بالعمالة الأجنبية كفرصة لجني المال، وترك الأمر على عواهنه”.
ويبدي زيدان امتعاضه من استمرار تلكؤ الدولة في معالجة معضلة العمالة، ويؤكد أن هذا الملف يضيع على ليبيا أموالا طائلة، ويحملها تكاليف ضخمة، فالعمال الأجانب.
يضيف قائلا، “يشتركون مع الليبيين في التمتع بالسلع والخدمات المدعومة، وفي مقدمتها الوقود والكهرباء والماء، كما لا يدفعون الضرائب والرسوم والجباية، وتساهم أعدادهم الكبيرة في تزايد الطلب على السلع، وارتفاع إيجارات المنازل والمحال والورش”.
من جانبه، يرى، مهندس ومقاول ليبي، المبروك الضاوي، أن سياسة البلاد ما زالت إلى اليوم تدفع نحو تشغيل العمالة بعيدا عن الدولة، موضحا رأيه بالقول إن “من طبيعة الإنسان أن يتخذ دائما الطريق الأسهل، خصوصا مع تعقد الإجراءات الإدارية لجلب عمالة من الخارج، وعليه فالأسهل التوجه لأماكن تواجد العمال، أو الاتصال بمن تعرفه منهم وتعاملت معه سابقا، وهو ما يفعله أيضا التاجر والمواطن عندما يحتاجان عمالة مؤقتة أو حتى دائمة”.
وتنتشر في كل المدن الليبية محطات عمال عشوائية، خصوصا في البقع القريبة من محل مساكنهم، يجلسون فيها لانتظار من يطلبهم للعمل، ومع مرور الوقت أصبحت تلك المحطات هدفا حتى للمواطن الذي يطلب أعمالا سريعة، حيث يضع كل عامل أمامه المعدات الخاصة بعمله لغرض التعريف بمهنته.
أما عمال اليومية غير المهرة، فلا يحتاج الأمر سوى ركن السيارة إلى جانب المحطة ليتوافد عليه العشرات من العمال، وتقدر يومية العامل غير المهني في السوق الليبية بــ 80 دينارا ليبيا.
من جهة أخرى، ومع إقراره بأن أغلب الوافدين لا يدفعون ضرائب للدولة، يكشف الحداد المصري، مبدر شوربجي، عن استفادة البعض من عمليات إصدار بطاقات الحصر.
يقول شوربجي في حديث لــ”العربي الجديد”: “هذه العمولة يفترض دفعها كل 6 أشهر للجهات الأمنية من أجل إصدار بطاقة حصر”، مشيرا إلى أن تقاطع سيطرة المجموعات الأمنية في بعض المناطق يجعل العمال الأجانب يدفعون أكثر من مرة لأكثر من جهة، وبقيم مختلفة تصل في بعض الأحيان إلى 500 دينار.