الأناضول-
قبل عام 2020، لم يكن للشاب محمود حمزة اسم يتردد بالإعلام المحلي والدولي ولا ثقل عسكري يعتد به، لكن اعتقاله على يد الكتيبة التي انشق عنها ذات يوم، حوّل العاصمة الليبية إلى ساحة حرب حقيقية.
الاشتباكات الأخيرة في طرابلس اندلعت إثر قيام جهاز مكافحة الإرهاب والجريمة بقيادة عبدالرؤوف كارة باعتقال قائد اللواء 444 العقيد محمود حمزة، ليتبين لاحقا أن تلميذ الأمس أصبح اليوم أقوى من أستاذه، وأن معادلة السيطرة والنفوذ في طرابلس قد تغيرت.
في 14 أغسطس الجاري، أقدم جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة على اعتقال العقيد حمزة في مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، أثناء توجهه إلى مدينة مصراتة، بدعوى تنفيذه أوامر قبض من النائب العام العسكري، ما أشعل قتالا عنيفا بين الطرفين بالعاصمة.
ويعكس سقوط 55 قتيلا وأكثر من 140 جريحا، خلال يومين فقط، مدى ضراوة القتال، وأيضا الأهمية التي يمثلها العقيد حمزة، لدى عناصر اللواء 444، إذ ينظر له البعض كنواة لجيش ليبي حديث، بينما يراه البعض مليشيا لا تخضع للأوامر العسكرية.
خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة صعد اسم العقيد حمزة، سريعا، ولعب عدة أدوار أمنية في طرابلس وخارجها، ما أثار حفيظة القوى التقليدية المهيمنة على وسط طرابلس، والتي تسعى إلى تمديد نفوذها لكامل العاصمة والمنطقة الغربية، غير أن ذلك لا يتم إلى بتحجيم اللواء 444 وتحييد قائده.
التلميذ والأستاذ
لم يكن للعقيد حمزة خلفية عسكرية عندما حمل السلاح للإطاحة بنظام القذافي عام 2011، ثم أصبح ضمن المجلس العسكري لطرابلس، بقيادة عبد الحكيم بلحاج، الذي استلم السلطة بعد سقوط النظام، ضم مختلف التشكيلات المسلحة للثوار.
بعد تفكك المجلس العسكري لطرابلس، اختار حمزة الانضمام إلى قوة الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة، التي أسسها في 2013، وأصبح ناطقا رسميا لها، بفضل نشاطه في منطقة سوق الجمعة التي تحتضن قاعدة معيتيقة الجوية، ودوره في مكافحة تجار المخدرات بالعاصمة، وظهوره الإعلامي المتكرر.
لم يكن حينها حمزة، سوى ضابطا صغيرا برتبة ملازم بقوة الردع الخاصة التي كانت تتبع وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني (2016-2021)، قبل أن ينقل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، في 2018 تبعيتها للمجلس ويغير اسمها إلى جهاز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.
بدأ الطلاق بين حمزة وأستاذه كارة، بعد هجوم حفتر، قائد قوات الشرق، على طرابلس (2019-2020)، حيث فضل قائد قوات الردع مواصلة سياسته بالتمركز وسط العاصمة التي تضم مقرات السيادة وعدم المجازفة بإرسال عناصره إلى الجبهات للتصدي لهجوم حفتر وبترك مناطقه فارغة أمام منافسيه وخصومه الكثر.
على العكس من ذلك، أسس حمزة الكتيبة 20-20، التي تضم نخبة المقاتلين في جهاز الردع، وتصدى لقوات حفتر في الخطوط الأمامية للقتال، واشتهر بكمين الزيتونة، في محور وادي الربيع جنوب العاصمة.
هذه الشهرة التي اكتسبتها الكتيبة 20-20 بفضل كمين الزيتون، شجعت حمزة لتأسيس اللواء 444، والذي أصبح يتبع قيادة الأركان، ما أدى إلى تضخم أعداده وتعدد مهامه.
تمدد اللواء بالمناطق التي كانت قوات حفتر متمركزة فيها، وبالأخص مدينتي ترهونة، وبني وليد، وبلدة الشويرف جنوبا، والتي تمثل الحد الفاصل بينها وبين إقليم فزان، الخاضع لسيطرة قوات الشرق، بالإضافة إلى تخوم الجبل الغربي (نفوسة)، وجنوب طرابلس.
مع توسع مناطق سيطرته بالمنطقة الغربية، تضخمت أعداد اللواء 444، وتجاوزت 3 آلاف مقاتل، كما ترقى حمزة من ملازم في الشرطة، إلى نقيب ثم إلى عقيد في الجيش.
ولأن اللواء 444 لعب دورا رئيسيا بمكافحة التهريب والمخدرات والهجرة غير النظامية والأعمال الانتقامية خارج القانون، أثار ذلك تداخلا مع صلاحيات جهاز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، والذي سعى لفتح مكاتب له بمناطق سيطرة اللواء 444 ما أدى إلى وقوع احتكاكات، وفق ناشطين.
صراعه مع قائد منطقة طرابلس
لم يمر صعود العقيد حمزة ونجاحه في ضبط الأمن على طول الطريق المؤدي من طرابلس إلى الشويرف جنوب، ومن طرابلس إلى بني وليد شرقا، دون أن يتسبب له ببعض المشاكل.
اصطدم حمزة، باللواء عبد الباسط مروان، قائد المنطقة العسكرية الوسطى (طرابلس)، الذي أمر قوة دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي (غنيوة) بالهجوم على معسكر التكبالي، مقر اللواء 444، ما تسبب باندلاع اشتباكات عنيفة في سبتمبر 2021.
اللواء مروان، الذي يتبع حمزة “اسميا” لسلطته، برر الهجوم على المعسكر بأنه “لكبح أنشطة اللواء 444″، دون تحديد هذه الأنشطة، كما اعتبر ما حدث “تصحيحا لانحراف اللواء عن المسار، وعدم امتثاله للأوامر العسكرية”، بالإضافة إلى اتهامات بفساد مالي.
وقال اللواء مروان بهذا الصدد، إن اللواء 444 “من خارج المؤسسة العسكرية و(عناصره) لا يلتزمون بالأعراف العسكرية أو التراتبية، ولا يلتزمون بالقانون والصلاحيات، ويتدخلون في مهام ليست من اختصاصهم، وتلقوا مبلغا كبيرا من وزارة الدفاع بطريقة غير شرعية، وانحرف عن مساره”.
كما اتهم مروان، عناصر من اللواء 444، بمحاولة اقتحام بيته بأمر من حمزة، في 27 أكتوبر 2021.
لكن تحقيقات للنائب العام العسكري أفضت إلى تحميل اللواء مروان مسؤولية هذه الاشتباكات، وعليه تمت إقالته من منصبه في ديسمبر من نفس العام.
خرج حمزة واللواء 444 منتصرين في هذه المعركة بعدما تمت إزاحة أكبر خصم لهما، رغم محاولة كتائب موالية له إعادته بالقوة، لكن دون جدوى.
رجل المطافئ
يُحسب للعقيد حمزة أنه أطفأ فتنة كان سيكون لها ما بعدها، عندما دخل فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المعينة من البرلمان، إلى طرابلس لاستلام السلطة في مايو 2022، تحت حماية كتيبة النواصي، التي كانت تسيطر حينها على مطار معيتيقة.
اندلع حينها قتال عنيف بين قوات داعمة لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعلى رأسها جهاز دعم الاستقرار بقيادة غنيوة، وبين كتيبة النواصي.
تدخل العقيد حمزة لفض الاشتباكات، وقام باصطحاب باشاغا وتأمين خروجه من العاصمة دون أن يمسه سوء، ولاحقا استقال الأخير من رئاسة الحكومة في مايو 2023.
لكن الموقف المحايد للعقيد حمزة في الصراع بين الدبيبة وباشاغا، ورفضه الانخراط في القتال لم يرق للبعض، لكنه أثار إعجاب كثير من الليبيين، وزادت شعبيته لدوره بحقن الدماء بعد سنوات من الاقتتال.
ما بعد 15 أغسطس 2023
رغم إطلاق جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب سراح العقيد حمزة، وتوقف الاشتباكات التي اندلعت ليلة 14/ 15 أغسطس، إلا أن المشهد الأمني بطرابلس تغير قليلا.
فاللواء 444 الذي بدأ كقوات نخبة محدودة العدد، أصبح اليوم يتجاوز 6 آلاف مقاتل، تم استعراضهم في 9 أغسطس بعرض عسكري بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش الليبي.
بينما لم تتجاوز قوات جهاز الردع 5 آلاف عنصر، وفق مصادر إعلامية، محصورة فقط وسط طرابلس، رغم أن صلاحيات محاربة الجريمة والإرهاب تمنحها الانتشار في كامل الغرب الليبي.
فالاشتباكات التي وقعت بين الكتائب المسيطرة على طرابلس منذ انسحاب قوات حفتر من أطرافها في 4 يونيو 2020، أبرزت ثلاث قوى أمنية رئيسية، أحد أضلع هذا المثلث؛ اللواء 444 بقيادة العقيد حمزة.
أما الضلعان الآخران فهما جهاز الردع، وجهاز دعم الاستقرار، والذين سبق لهما وأن تمكنا من إخراج عدة كتائب من طرابلس، على غرار “ثوار طرابلس” بقيادة أيوب أبوراس، والكتيبة 777 بقيادة هيثم التاجوري، وكتيبة النواصي بقيادة مصطفى قدور.
وحاول اغنيوة إزاحة العقيد حمزة من المشهد الأمني بالعاصمة في 2021، لكنه فشل، كما حاول كارة إنهاءه من المشهد أيضا وأخفق هو الآخر في 2023، ما يجعل قائد اللواء 444 عنصرا أساسيا في معادلة السلم والحرب، وفق خريطة النفوذ والسيطرة الجديدة.