الناس-
يسكن ليل طرابلس، وتأتي الطائرات “صديقة المسماري” لتفزع ليل الآمنين..
في ليلة، حاولت طائرة “صديقة للمسماري” الاستعراض فوق خط النار في وادي الربيع، فأسكتها صاروخ مضاد للطائرات إلى الأبد. ومنذ تلك الحادثة غابت “صديقات المسماري” عن التحليق فوق سماء المقاتلين، واتجهت لسماء الآمنين في بيوتهم، أولئك الذين أمّنهم المسماري “صديق الطائرات” بقوله: “من دخل بيته فهو آمن”.. أطفال، نساء، راحوا ضحية القصف الهمجي من “الطائرات الصديقة”، دون أن يعرفوا معنى لمصطلحات الحرب والسياسة والدعم الخارجي، أو شيئا عن تاريخ المغول..
عقب إحدى الهزائم الميدانية وما أكثرها، خرج المسماري “صديق الطائرات” في مؤتمره الصحفي اليومي غاضبا، وهدد بحرق طرابلس!
قال إن أهل طرابلس: “خذلونا”، وكان يعول على خيانة من بعض أهلها بالداخل، وأضاف: “لن نتنازل عن طرابلس، ولو اضطررنا لاستخدام سياسة الأرض المحروقة”!
المقاطع المتسربة عن أصدقاء المسماري يندى لها الجبين، فبعد نبش القبور والسحل والتصفيات الميدانية في بنغازي ودرنة، واصلوا على نفس المنوال في محيط طرابلس، فأظهرت هواتفهم تمثيلهم بالجثث وتصفيتهم للأسرى، وأظهرت فيهم إنسان الغابة في نسخته البدائية.
الصديق وقت الضيق، ولأنه كذلك، كانت الطائرات الصديقة للمسماري تسانده عند كل ضيقة على الأرض، كضيقة يوم دخول معسكر النقلية، وضيقة اقتحام اسبيعة، وضيقة تحرير غريان، وضيقات أخرى لا تحصى، ولكن، يبدو أن ضيقات المسماري قد زادت عن حدها، مما جعل صديقاته تقصف ذات ليل جنوده على الأرض، قيل إنه خطأ، فكم من ضربة جوية تستهدف مواقع موالية للمسماري على الأرض، يتبين أن طيران الوفاق لم ينفذها.
ضرب أتباع حفتر أكثر من مرة من الطائرات صديقة المسماري أرجع للأذهان منشورا سرّيا صدر عن قيادات نظام القذافي عام 2011، مضمونه ترك بعض مقاتليهم يموتون لأجل زرع الفتنة والثأر بين المدن والقبائل الليبية.
دخل حفتر معركته الأخيرة بزخم إعلامي كبير من الدول الراعية لانقلابه الفاشل في الرابع من أبريل، ووعد أتباعه بأنهم الجيش الذي سيجتاح طرابلس في 48 ساعة، ودعا ناطقه “صديق الطائرات” نساء طرابلس إلى الخروج لاستقباله بالزغاريد، لكنه ما إن وصل تخوم طرابلس حتى استقبلته زغاريد الرصاص، وتمكنت خمسون سيارة متواضعة التسليح من إيقاف مدرعاته المتكالبة باتجاه العاصمة، ثم تحركت بعض القوات خلفه وأجبرت كتيبة بكامل أفرادها وعتادها على التسليم دون مقاومة تذكر، فسجلوا فشل المحاولة الانقلابية، وأحبطوا الاستراتيجية القائمة على المباغتة والغدر، وبدأ عدّاد الزمن..
منذ ذلك الوقت لم يحقق المتمردون أي نصر على خطوط المواجهة، وكانوا في كل يوم يُفرغون صناديق الذخيرة ويعودون بها ملأى بالجثث، وفي كل يوم يتقدمون بالمدرعات الإماراتية، ويتركونها خلفهم في رحلة الفرار التكتيكي، إما متفحمة، أو بكامل عافيتها في أيدي الرجال الذين يستحقونها.
وبغروب كل شمس يحصي المتمردون الضحايا في صفوفهم، وحين يبلغ الغيظ منتهاه يفزعون إلى الجراد، ويمطرون سماء طرابلس وضواحيها بصواريخهم العمياء المدمرة بشكل عشوائي، لتدفع طرابلس ثمن عدم فتح ذراعيها لجولة جديدة من الاستبداد..
صباح الثلاثاء الثالث والعشرين من أبريل حصلت مفاجأة، أعلنت قناة العربية من دبي خبر إسقاط طائرة فوق الجفرة، وبالعودة إلى غرفة العمليات لعملية بركان الغضب أكدت أنها لم تنفذ أي طلعة جوية لهذا اليوم، فهل يكون أصدقاء المسماري قد أسقطوا طائرة من صديقاته؟! ربما.
***
شب المسماري صديق الطائرات عن الطوق، وصار بإمكانه أن يتجاوز صدمة تدمير صديقته “سي خوي” قبل أن تقلع من قاعدة الوطية في التاسع عشر من يونيو، ثم بدا أنه استوعب الاستحواذ على ثلاث من صديقاته المسيّرة سليمة معافاة من كل عيب بغريان في السادس والعشرين من نفس الشهر، إلا أنه عاد وانتكس، وتطور الموقف لنراه يهدد بتنفيذ هجمات إرهابية ضد الطائرات المدنية المتجهة أو القادمة من وإلى تركيا!..
التصريح أغضب تركيا “قليلا”، هذا القليل كان كافيا لتراجع المسماري عن تصريحاته، والاختباء خلف أن تصريحاته أسيء فهمها، من قبل “ميليشيات الإخوان والمقاتلة” وأشياء مشابهة، حتى اختطاف المواطنين الأتراك لم يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة قبل أن يخلى سبيلهم.
رضخ المسماري إذن.. لكن صديقاته لم ترضخ، وارتكبت في الثالث من يوليو أسوأ مجزرة بحق نزلاء بمركز لإيواء المهاجرين في ضواحي طرابلس، راح ضحيتها قرابة 50 قتيلا، وعشرات الجرحى من مختلف الجنسيات، وكان المسماري محظوظا إذ ليس من بينها الجنسية التركية!
لكن أطرف موقف كان، أن طائرة “إل “39، وجهها حفتر لقصف العاصمة طرابلس، ضلت طريقها حتى نزلت على الطريق العام بولاية مدنين التونسية. الأمر الذي جعل من صديقات المسماري هدفا مباشرة لسهام السخرية والتهكم التونسية! وربما ستحيي الولاية يوم الثاني والعشرين من يوليو من كل عام..
ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث في قادم الأيام من مسلسل المسماري وصديقاته، اللواتي فقد اثنين منهن يتكلمن اللغة الأوكرانية، فوق مهبط قاعدة الجفرة الجوية في السادس والعشرين من يوليو.. ثم أخرى تتكلم الصينية فوق أبوقرين في الثالث من أغسطس، تحولت جميعها إلى رماد..