العربي الجديد-
يشهد مصرف ليبيا المركزي تصاعداً كبيراً في حدة التوترات بين المحافظ الصديق الكبير وإدارة المصرف المكلفة من المجلس الرئاسي والتي حلت محله، على خلفية تقرير الإيرادات والإنفاق حتى نهاية أغسطس 2024. حيث وصف الكبير التقرير الصادر عن هذه الإدارة بأنه “مليء بالمغالطات”، في إشارة إلى الإعلان عن إطفاء الدين العام الذي أثار جدلاً واسعاً.
وأعرب الكبير، في بيان، الاثنين (16 سبتمبر 2024م)، عن مخاوفه من أن يكون الهدف من إعلان إطفاء الدين العام، الذي أكد أنه تم تصفيره في دفاتر المصرف، “هو إخفاء مبالغ مالية كبيرة”. وأضاف أن “هذه الخطوة تتطلب إجراءات قانونية دقيقة بموافقة السلطات التنفيذية والتشريعية، وليست مسألة يمكن حسمها بقرار إداري”، وحذّر من أن “هذه القرارات تضليلية وتضر بمصداقية المؤسسة المصرفية الليبية”، بحسب تعبيره.
وأظهر التقرير المالي لإدارة مصرف ليبيا المركزي الحالية تحقيق إيرادات إجمالية بلغت 66.7 مليار دينار ليبي (سعر الصرف 4.8 دنانير للدولار)، مع فائض مالي قدره 7.1 مليارات دينار، بينما بلغ إجمالي الإنفاق 59.6 مليار دينار. لكن المصروفات المدرجة أثارت جدلاً بسبب زيادة غير مبررة في مصروفات الرواتب بمقدار 1.1 مليار دينار، رغم أن التقرير لم يشمل رواتب أغسطس الماضي.
وفي المقابل، اتهم الكبير الإدارة بـ”إخفاء التزامات كبيرة بالنقد الأجنبي تصل قيمتها إلى 6.12 مليارات دولار، وهي التزامات كان ينبغي الإعلان عنها”. هذا الإخفاء أدى إلى توجيه اتهامات خطيرة من الكبير بشأن “نوايا الإدارة المكلفة ومدى التزامها بالشفافية في إدارة المال العام”. ودعا الكبير “الأجهزة الرقابية والقضائية للتدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الممارسات الخطيرة التي تمس سمعة المصرف المركزي”، على حد وصفه، محمّلاً الإدارة المكلفة “كامل المسؤولية عن التضليل والتشويه”.
التوتر لم يقتصر على الجوانب المالية، بل امتد إلى الجوانب القانونية، حيث أكد الكبير أنّ “مجلس الإدارة المكلف من المجلس الرئاسي لا يملك نصاباً قانونياً بعد انسحاب أعضائه، ما يشكك في شرعيته”، وأكد أن “نشر بيانات مالية دون مراجعة ديوان المحاسبة يعد تجاوزًا للإجراءات القانونية ويزيد من فقدان الثقة في إدارة المصرف”.
ولم ترد إدارة مصرف ليبيا المركزي المكلفة حتى الآن على بيان الصديق الكبير. وقال مصدر، رفض ذكر اسمه، في تصريحات سابقة لـ”العربي الجديد”، إنّ “شخصيات من المصرف وخبراء مال يعدون تقارير دقيقة للكشف عن تجاوزات كبيرة في عمل الصديق الكبير لتأكيد صحة قرار عزله”، مؤكداً أن الفريق المالي العامل بالإدارة الجديدة للمصرف بدأ في الاشتغال على ملفات تعني الأطراف الدولية في الشأن الليبي، وأهمها ملف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأصدرت إدارة المصرف الجديدة نشرة أخرى، السبت الماضي، كشفت فيها أن إدارة الصديق الكبير صرفت 950 مليون دولار من الاحتياطات بالخارج عبر فرع مدينة بنغازي بدون أوامر صرف أو تحويل صادرة عن وزارة المالية، مؤكدة أنه “بالرجوع إلى السجلات والقيود لم نجد أوامر صرف أو تحويل صادرة عن وزارة المالية تقابل هذا المبلغ”، في إشارة واضحة لما سبق الإعلان عنه من جانب الكبير في يوليو الماضي أنه خصص 1.75 مليار دولار من النقد الأجنبي لمشروعات الإعمار بالمنطقة الشرقية للعام 2024، موضحاً أن ما نفذ منها هو 950 مليون دولار.
وبدأت أزمة البنك المركزي في ليبيا التي يشكل النفط 90% من ميزانيتها العامة منذ منتصف أغسطس الماضي، بعد إصدار المجلس الرئاسي قراراً يقضي بعزل المحافظ الصديق الكبير وتعيين إدارة جديدة، وهو إجراء رفضه مجلسا النواب والأعلى للدولة لصدوره “من جهة غير مختصة” بالنظر في المناصب السيادية.
من جهة أخرى، قال عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي السابق امراجع غيث، لـ”العربي الجديد” إنّ “إطفاء الدين العام المحلي يحتاج إلى قوائم مالية، وعادة ما تتم هذه العملية في نهاية السنة”، مؤكداً أن “الدين العام لم تتم معالجته خلال المدة الماضية لعدم استقرار سعر الصرف”. وبدوره، أكد الخبير الاقتصادي الليبي محمد الشيباني لـ”العربي الجديد”، أن “تصفير الدين العام دون مراعاة عوامل مالية، مثل سعر صرف الدولار غير المستقر، يزيد من غياب الشفافية المالية”. وأضاف أن “حجم الدين العام بين الحكومتين يبلغ نحو 164 مليار دينار ليبي”، وتساءل “كيف تم تصفيره في ظل هذه الظروف المالية غير المستقرة؟”.
على الجانب الآخر، أشار المحلل المالي صبري ضو إلى أن “البيانات الصادرة عن الإدارة المكلفة إيجابية في بعض الجوانب، لكنها تحتوي على تأثيرات سياسية واضحة”، وأكد أن “الحل يكمن في إصلاحات شاملة للنظام المالي والسياسي لضمان استقرار المؤسسات المالية في البلاد”، مشيراً إلى “تراجع الإيرادات النفطية وارتفاع الإنفاق الحكومي باعتبارها عوامل رئيسية تؤثر على الاقتصاد الليبي”.
في تقريرها، كشفت إدارة مصرف ليبيا المركزي المكلفة عن توزيع 59.6 مليار دينار في الإنفاق العام، منها 39.9 مليار دينار للمرتبات، و5.3 مليارات دينار للنفقات التشغيلية. كما بلغت الإيرادات النفطية 56.3 مليار دينار، وهو ما يمثل الجزء الأكبر من الإيرادات، في حين سجل العجز بالنقد الأجنبي 2.7 مليار دولار.
ذات صلة: