الرئيسيةفي الذاكرة

الزاوية الأسمرية ح 4

* كتب/ وليد عمران محمد،

الناس-

تعتمد الزاوية الأسمرية بالدرجة الأولى على تعليم القران حفظاً وتجويداً، وذلك بطرق منهجية تشرف عليها كوكبة من الشيوخ المتمرسين في هذا المجال، ومتآلفين مع ذلك المكان الذي عرفوه أيام الدراسة، ولم يدر لهم الظهر بعد التخرج.

 

*كتب/ وليد عمران محمد،

ولأن التربية الأخلاقية والدينية صنوان لا يفترقان، فإن الرسالة التربوية للزاوية كانت تضع القواعد الثابتة بهذا الخصوص، وتعتبر بالنسبة للقائمين على التدريس خطاً أحمرا يستحيل تجاوزه، على الأقل بالنسبة لمن أراد البقاء في هذا الصرح العلمي، وكان يشرف على التدريس طاقم ممن تخرجوا على يد شيوخ هذه الزاوية، فحملوا مشعل التدريس ولواء تحفيظ كتاب الله للنشء، وأخلاق حامل القرآن هي أخلاق المسلم الصادق، الذي يلتزم بتقوى الله في السر والعلانية، مطمئنا قلبه بنور الله، أخذا بمنهج الورع، حريصاً على ما ينفعه في الدنيا والآخرة، قديما كان يقبل التلميذ من مختلف المدن المجاورة لليبيا، وخاصة من القارة السمراء على الزاوية التي كانوا يجدون فيها المأوى والملجأ.

وتعتبر الزاوية صرحاً قرآنياً وعلمياً شامخاً، وأثراً طيباً يشفع للمحسنين الأفاضل الذين شيدوها، وهي ذخر للأمة الإسلامية في هذا الثغر من بلاد المسلمين،
ولأن البلد الطيب يخرج نباته طيبا بأذن الله، فإن هذا الصرح العلمي الجامع بين الأصالة والمعاصرة ظل عبر القرون يخرج الدرر اللوامع من حفظة القرآن الكريم، فقد تخرج من الزاوية العديد من الحفاظ والمثقفين، وخاصة أولئك الذين برعوا في علم القراءات، سواء تعلق الأمر بالقراءات السبع أو العشر، وبفضل الكم الهائل من حفظة القرآن الذين انتشروا في ليبيا ذاع صيت الزاوية، وقصدها طالبو العلم من كل مكان، حتى أضحت رافدا أساسيا لتزويد المؤسسات الدينية والمساجد بحفظة القرآن الكريم والأئمة والخطباء.
تلك البقعة التي كانت قبل سنوات خاليةً مطوية في عالم المجهول والنسيان وأصبحت بقدرة الخالق وعزم الشيخ بؤرة إشعاع للدين والنور والقرآن،
ومثلت دعوة الشيخ حركة دينة لبعث تعاليم الإسلام في وقت كثرت فيه البدع، وتفشت الأمية الدينية، وصدئت القلوب بالغفلة عن ذكر الله، كانت الحياة في تلك البقعة الطيبة الطاهرة بطهر ونقاء الشيخ عبد السلام الأسمر تبدو سهلة وميسورة في إيقاعها اليومي، وعميقة ومعتقة بأسرارها الروحانية وأبعادها النورانية، ففي كل بقعة في زليتن كانت تصدح أصوات ندية بالقرآن الكريم، ذات أمديةً بعيدةً وعميقةً، فكانت مدينة زليتن رمزا من رموز التواصل لجمع الطرق الصوفية، وجسرا يقرب المحبين إلى بعضهم في الله محبةً وإخاءً.

فكانت الزاوية الأسمرية واحة علم ينهل منها كل من شد الرحال إليها
تستقطب معظم الأعمار من الجنسين، الراغبين في التحصيل العلمي الذي يقدمه مشائخ متخصصون في علوم القرآن الكريم، طمعاً في وعد خير البشرية، خيركم من تعلم القرآن وعلّمه، ولتحقيق هدف الطالب المتمثل في التحصيل العلمي من العلوم الشرعية، يبدأ يومه من الساعة الرابعة فجراً وحتى الثانية سعياً في كسب معارف أفضل.
فاعتبرت وتعتبر الزاوية الأسمرية من أكبر المنارات الدينية، التي ساهمت في نشر الدين الإسلامي، وحفظ القرآن الكريم وتجويده، فضلا عن تعليم مبادئ القراءة والكتابة، عبر طريقة تعليم قديمة ورثها أهل المنطقة عن أجدادهم، فسكان زليتن نادرا ما يتخلون عن أسلوب حياتهم الذي يمتد لمائات السنين، وتكاد عادات أسلافهم وتقاليدهم تكون شيئا مقدسا في هذه المنطقة، التي تعد منبع التصوف الممتد نحو إفريقيا، حيث الارتباط التاريخي ثقافياً ودينياً بليبيا كان ولا يزال وثيقا، ارتباطاً عززته حديثا في مختلف ربوع القارة، فعبر القرون ظل التصوف الليبي مدرسة للتوعية والسلوك والتربية، وظلت الزوايا تلعب أدواراً اجتماعية وأخلاقية وتربوية.

وبروز ليبيا كأنموذج للتسامح الديني ليس وليد اليوم، فتاريخيا لعبت مدينة زليتن دوراً في رسم معالم هذه البصمة الليبية، فقد كانت عاصمة دينية وعلمية، يتوافد إليها الناس من كل الأصقاع، ليتتلمذ علي يد علمائها بين الشمال والجنوب، شكلت زليتن حلقة وصل ومسارا لتجارة القوافل القديمة، كما ظلت محجاً للباحثين عن التصوف النقي، وبذلك شكل البعد الديني عبر التاريخ مرتكزاً صلباً في علاقات ليبيا بعمقها التاريخي الإفريقي، هو إذن علم نافع مضيء، بل نور وحكمة، وصحبة وقدوة، جعلت من المدينة فضاء للتواصل، وعماد استقطاب للوافدين من جميع جهات الوطن، بل وقارات الدنيا، في مشهد ملؤه التناصح والتأمل، أرضية تربوية مركبة تتعانق وتتجاوز في فضائها ثنائية الشريعة والبداوة والتحضر، في ثوب عقلاني متبصر، يعتبر موضع تقدير من السكان كافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى