الرئيسيةفي الذاكرة

الزاوية الأسمرية ح/3

* كتب/ وليد عمران محمد،

كان الشيخ يعلم في الكتاتيب التي كانت فضاءً دينياً ربانياً ثقافياً وسطياً معتدلا، نشأ في البادية تعلماً وتعليما، قبل أن ينتقل مركز ثقله إلي مدينة زليتن، وهي يومئذ لا تختلف عن البوادي والصحاري المجاورة، صحاري لا أثر فيها إلا لمضارب بدو كانت لا تعرف حينها من التمدن إلا الاسم.

زاوية الشيخ الأسمر التي كانت عبارة عن كتاتيب في الماضي، شهدت إعادة تشيد بطريقة حديثة لتوفير النظام الداخلي للطلبة الذين تستقبلهم من مدن عديدة.

الكتاتيب أسلوب قديم في التعليم، لا تزال بعض الأسر تحرص على أن يشكل حجر الزاوية في رحلة أبنائها التعلمية، كان قديماً عند بلوغ الطفل سناً معينة يلتحق بالكتاتيب القرآنية، التي يتعلم فيها قصار السور، مع مراعاة ليقظته الذهنية وقدرة حفظه، وفي هذه المرحلة يقوم المعلم بتعليم الحروف للتلميذ رسماً ونطقاً، ثم الشكل الخاص بالكلمات، بعدها تصحيح الألواح وكتابة الجزء المخصص للحفظ من طرف الشيخ أو التلميذ نفسه، وهنالك أساليب قديمة وضعها المشايخ في تعليم الصغار الحروف والرسم القرآني، عند بداية حفظ القرآن الكريم، هي الكتابة على الرمل، رسم القرآن وضبطه له قواعد يتلقاها طالب القرآن خلال مدة حفظه، ومن أساليب ترسيخ القرآن وتثبيته في طريقة التحفيظ في زليتن تكرار القرآن جماعةً، وتتميز برفع الأصوات بالقراءة التي تساعد على الحضور الذهني، ومن خلالها يتمكن الطلبة من ربط الأجزاء التي تم حفظها سابقاً.

تلقين القرآن مشافهة من الشروط الأساسية في تحفيظ القرآن، حيث تتميز طريقة الحفظ بأسلوب الإملاء، فيملي من خلالها ضبطاً ورسماً للقرآن، أما الحزب الراتب فهو مظهر من مظاهر القراءات الجماعية، وقديماً كان ثابتا يومياً يقرأ في المسجد بحضور الشيخ، وغالباً ما يكون قبل أو بعد صلاة الفريضة.

إن رسم القرآن وضبطه له قواعد، يتلقاها طالب القرآن خلال مدة حفظه، يسمى مادة الرسم العثماني نسبة إلى سيدنا عثمان رضي الله عنه، وهي مادة يقوم بتدريسها معلمون متخصصون، تتعلق برسم وضبط الكلمات والحروف، ولها علاقة بعلم القراءات، وتعتبر القراءات العشر وهي روايات يبلغ عددها عشرة لقراءة القرآن الكريم، قام بإقرارها العلماء في بحوثهم التي كانت مخصصة لتحديد القراءات المتواترة عن الرسول صـلى الله عليه وسلم، والتي أصبح مجموعها بعد بحث طويل عشر قراءات، وهي قراءة نافع المدنية التي تدرس في ليبيا براوية ورش عن نافع، وقراءة ابن كثير المكي، وقراءة ابن عمار البصري، و قراءة ابن عمر الشامي، وقراءة عاصم الكوفي، وكذلك قراءة حمزة الكوفي، وقراءة الكسائي أضافة إلى قراءة أبي جعفر المدني، وقراءة يعقوب الحضرمي، وأخيراً قراءة خلف بن هاشم.

أعطت الزاوية ولازالت إطارا كفؤا في مجال فن القراءات، استمرارا للرسالة النبيلة التي حملها الشيخ سيدي عبد السلام زاوية الشيخ الأسمر لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشرعية، وهي إحدى الزوايا الكبيرة والعريقة والعتيقة أيضاً، تحمل رسالة واحدةً وهادفة، وهي تعليم القرآن الكريم وتهذيب النفوس من خلال تعليم العلوم الشرعية الخاصة بالدين الإسلامي، وكذلك تعمل على تدريب تطبيقي من خلال احتكاك الطلبة بمشائخهم، وتذوق بحث العلم بعيداً عن عائلاتهم، وتحسيسهم بالروح الملقاة على عاتقهم بعد اعتلائهم لمنابر المساجد مستقبلاً.

الزاوية كان الهدف من إنشائها العناية بكتاب الله تعالى، حفظا وفهما، فكانت الزاوية الأسمرية قلعة قرآنية تحافظ على المذهب المالكي، وتجعل من الوسطية والاعتدال منهجا لها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى