
العربي الجديد-
أيقظ انفجار مخزن ذخيرة، وسط الأحياء السكنية بمدينة مصراتة، شرقي العاصمة طرابلس، قبل أيام، المخاوف من استمرار مخاطر مخلفات الحرب وتهديدها حياة الليبيين، رغم أن القتال توقف منذ أكثر من خمس سنوات. وأصيب ستة عشر شخصاً بجروح طفيفة في الانفجار بمنطقة السكيرات، بحسب ما أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ، فيما أظهرت مقاطع فيديو تصاعد ألسنة لهب وأعمدة دخان كثيفة بعدما هزت ثلاثة انفجارات متتالية الأحياء.
وبعد الحادث خرج مئات من المواطنين في تظاهرة كبيرة، طالبت بإخراج التشكيلات المسلحة ومخازن ذخائرها بعيداً عن مساكنهم، واعتبروا أن بقاء هذه المخازن داخل المناطق السكنية يضاعف المخاطر.
ورغم أن فرق هيئة السلامة الوطنية سيطرت على الحرائق بعدما توقفت الانفجارات، أعلن جهاز المباحث الجنائية انتشال قذائف وصواريخ تطايرت من الموقع، فيما شددت الأجهزة الأمنية على ضرورة أن يتعاون الأهالي في التبليغ عن أي أجسام مشبوهة.
وشهدت الأيام الأولى من سبتمبر الجاري أربع وقائع مرتبطة بذخائر غير منفجرة، ففي الرابع من هذا الشهر أعلن جهاز المباحث الجنائية انتشال صاروخ وخمس قذائف من منطقة السيدة زينب بمدينة الزاوية، بينها صواريخ “غراد”، وقذائف مدفعية ذات عيارات مختلفة، وأوضح أن هذه المخلفات نُقِلت بطرق آمنة إلى مواقع مخصصة لإتلافها.
وقبل ذلك بيومين، عُثر على أكثر من ثمانية صواريخ وأربع قذائف داخل مشروع زراعي في منطقة بئر الغنم جنوب غربي طرابلس، من بينها صواريخ هاون وأخرى من عيار 107 و57 و68 ملليمتراً، إضافة إلى مخلفات أخرى. وجرى التعامل معها وأخرجت من الموقع، بحسب ما أفاد جهاز المباحث نفسه الذي أعلن في اليوم نفسه أيضاً العثور على قذيفتي هاون في العاصمة طرابلس، الأولى في منطقة عين زارة، والثانية في منطقة الهضبة قرب الجسر الدائري الثالث، وذلك بعدما تلقت أجهزة الأمن بلاغات من مواطنين.
وفي الأول من سبتمبر أعلنت وزارة الداخلية انتشال قذائف غير منفجرة داخل مزرعة في منطقة بئر بن حسن، جنوبي مدينة الزاوية، من بينها قذائف لأسلحة ثقيلة. كما أكد جهاز المباحث الجنائية انتشال قذائف مشابهة من الموقع ذاته.
وتعكس هذه الأحداث حجم الخطر المستمر في وقت تتراكم الإعلانات المشابهة منذ سنوات، والتي تقض مضاجع الليبيين، وتشكل تهديداً يومياً لحياتهم، وتؤكده بيانات دولية تضرر نحو 300 شخص من جراء الألغام والذخائر غير المنفجرة بين مايو/ أيار 2020 ومطلع العام الحالي، من بينهم 125 قتيلا.
ورغم أن هذه الأرقام أقل نسبياً مقارنة بدول أخرى تشهد نزاعات وحروباً، لكنها مقلقة في ليبيا، في ظل تسجيل إصابات متكررة بين الأطفال. وتقدّر الأمم المتحدة مساحة الأراضي الملوّثة بالذخائر غير المنفجرة في ليبيا بنحو 444 مليون متر مربع، وتشير إلى أن تطهيرها قد يستغرق خمسة عشر عاماً على الأقل، وتوضح أن العام الماضي وحده شهد مقتل 16 شخصاً، وهو ضعف حصيلة العام السابق، ما يعكس تفاقم الأزمة رغم الجهود المبذولة التي تواجه أيضاً صعوبات كثيرة، في ظل استمرار التوترات الأمنية التي تعوق عمليات المسح، والممارسات العشوائية لبعض المواطنين الذين يحاولون التخلص من المخلفات عبر رميها في البحر، أو تفكيكها لاستخراج المعادن، ما يتسبب في كوارث متكررة.
وتؤكد البيانات الرسمية انتشال عشرات الأطنان من مخلفات الذخائر غير المنفجرة خلال السنوات الماضية، وآخرها تدمير نحو طنين من الألغام والمفخخات التي جُمعت من طرابلس وضواحيها في فبراير الماضي. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى تفكيك أكثر من مليون قطعة ذخيرة غير منفجرة و54 طناً من ذخائر الأسلحة الصغيرة.
ورغم كثافة هذه الجهود تبقى أقل بكثير من حجم الحاجة الفعلية. ويتحدث الضابط في إدارة الهندسة العسكرية عبد العاطي الجطلاوي لـ”العربي الجديد” عن أن “الفرق المحلية تواجه عقبات كبيرة، أبرزها غياب التدريب المتخصص، وضعف الدعم الدولي الذي لا يتعدى النصائح الفنية، من دون توفير معدات متطورة أو مشاركة مباشرة في الميدان، ما يترك العبء الأكبر على كاهل كوادر تملك إمكانات محدودة”. ويضيف: “يشكل غياب الخرائط الدقيقة لحقول الألغام عقبة إضافية، إلى جانب غياب الخطط اللازمة للعمل على إنهاء مخاطر مخلفات الحرب، ومنها ضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الألغام، وهو ما يتطلب استقراراً أمنياً لم يتحقق بعد في ظل الانقسام السياسي القائم”.
ويشدد الجطلاوي على أن “تطهير ليبيا من الذخائر غير المنفجرة شرط أساسي لتحقيق الاستقرار، إذ لا يمكن بناء السلام في ظل عيش مواطنين بجوار مناطق محظورة بسبب خطر الألغام، وفي ظل تكرر إبلاغهم عن العثور على مخلفات الحرب التي تعيش صورها وصدماتها في ذاكرتهم”.
وهو ينتقد رفض حفتر تسليم خرائط الألغام التي زُرعت على نطاق واسع في مناطق جنوب وجنوب شرقي طرابلس، خلال عدوانه المسلح السابق على العاصمة.