* كتب/ أبوبكر البغدادي،
نيل الثقة من البرلمان أول نجاح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية كان، كما أن أول فشل كان عدم تحصينه دستوريا، أو لعل الأخير فشل لاتفاق جنيف في أن يصبح نافذا بغير شرعية الأمر الواقع.
الإخفاق الذي يحسب على الدبيبة قبل توليه الحكومة أنه ترك لغيره وضع تشكيلته الوزارية، فخضع لكل ابتزاز، وانبطح لكل طامع ومزايد، بل ترك في سبيل الإرضاء وزارة سيادية دون وزير، كما أنه واقعيا لم يشكل الحكومة التي سيشتغل بها ومعها، ولن يكون ولاء أعضائها إلا لمن دفع بها، وهو ما يهدد انسجامها، رغم أنها لو أخفقت -وهذا وارد- فلن يتحمل المسؤولية غيره.
والمفارقة التي حصلت، أن صار لحكومة الوحدة الوطنية وزير بلا وزارة ووزارة بلا وزير..
اتفاق جنيف نكث أول غزله بغضه للبصر عن استمرار عقيلة صالح في منصب رئاسة البرلمان، خارقا بذلك المحاصصة الجهوية التي كانت مطلبه الشخصي ومطلب النجع الأشرف، وهذا فشل آخر ارتضاه كل من حضر الجلسة أو أيد انعقادها أو وصفها بعد ذلك بالتاريخية، في تدبيج للعبارات لا يريد أن يذعن لأن ما حصل فساد سياسي عابث، لا يؤدي إلى “وحدة وطنية” نظريا أو عمليا.
ثم، ماذا تعني الوحدة الوطنية ورئيس الحكومة نفسه لا يستطيع عبور الطريق الساحلي بين مصراتة وسرت؟.. فبعد أن استرضي من زعم أنهم يمانعون مروره من قوات بركان الغضب، توجه إلى مضارب “فاغنر”، لكنه لم يستطع الوصول، فقد جاءه الرد واضحا والتهديد صريحا: “لم تأتنا أوامر بفتح الطريق، وليس لك عندنا سوى الرصاص لو -فقط- اقتربت”.
يحسب للدبيبة أنه جلس مع الكل، وتجول في المدن الليبية والمعسكرات المتناحرة دون عوائق، وتلك استراتيجية لو اتبعت منذ 2015 لما وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه ربما، لقد أرضى الجميع بالوعود تارة، وبمعسول الكلام تارة أخرى؛ لكن المنطق يقول بأن نجاحه بعد نيل الثقة هو أن لا يحقق تلك الوعود المتضاربة المتناحرة، المتنازلة..
رئيس حكومة الوحدة الوطنية لم يشمل تيار فبراير بالإرضاء اللفظي، فهو لم يذكر ثورة فبراير بخير أو شر، رغم إفراطه في الظهور الإعلامي، وتوجيهه للرسائل المباشرة، وذلك مفهوم، فهو ليس من أبنائها، وربما رأى أنهم لا يشكلون ثقلا، ومع ذلك فقد حج إليه من أبنائها ورافعي شعاراتها قبل نيل الثقة وبعدها من حج، والتف حوله بعضهم بشكل مبكر طمعا في عسيلة سلطته القادمة.. وذلك له ولهم فهكذا طبيعة الأشياء.
يمكننا أن نقول إن الثورة المضادة قد نجحت، وبالإمكان أن نقول غير ذلك، لكن يمكننا أيضا الثقة بأن المرحلة القادمة لن تكون مرحلة نصب المشانق لثوار فبراير، لا بالحقيقة ولا بالمجاز، ويمكننا أن نحتفظ بقدر من التفاؤل في دوران عجلة الدولة مجددا وإن في حدها الأدنى، فقد استمعنا إلى وعوده بأن السنوات “العشر العجاف” قد ولت، وأنه سيعيدنا إلى حضن الوطن، سنقول -من باب التمس لأخيك عذرا- أن اللفظ قد خانه، وأن نيته حسنة تجاه ليبيا والليبيين.. وسنقول أيضا إن الرهان هو نجاحه في أن يكون تكنوقراطيا في البناء، وهو ما يهم الداخل..
ورغم أن لا أحد اهتم ببعض التفاصيل كالظهور المكثف والعلني للعائلة في مرحلة تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، إلا أن هذا الأمر سيكون مثار استهجان وقواعد لبدء الهجوم عليه لو استمر، خاصة في حال الظهور الغير مألوف للدبيبة الكبير رغم حضوره كرجل يعمل في الظل طيلة عقود..
كل هذه النجاحات والإخفاقات والانتقادات والإشادات، تذوب أمام الإنجاز الوحيد لملتقى جنيف، الذي لا ينبغي للمجتمع السياسي الليبي التفريط فيه أو التنازل عنه، وهو موعد الانتخابات الوطنية في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021م، أي على بعد أقل من عشرة أشهر..
وربما المحك الحقيقي والأكبر الذي سيكون الاختبار الحقيقي للحكومة والرئاسي والبرلمان ومجلس الدولة والمعارضة (إن وجدت) وكل القوى والوطنية، (المحك) هو إخراج فاغنر المستوطنة رغم أنف الجميع في قلب ليبيا، أشبه بداعش أو هي أسوأ، وتزيد عنها بأن خلفها قوى دولية كبرى، لا تحسب لليبيين أدنى حساب، فهل يخوض الليبيون بالوسائل المتاحة هذه المعركة الوطنية الحقيقية والتي يفترض أن تكون جامعة؟
لقد نال الدبيبة الثقة من البرلمان فعلا، والآن.. ألا يستحق الشعب أن ينال ثقته هو الآخر؟..