العربي الجديد-
بين المعارك والجائحة، ظل التاجر جعفر بن عبد الله لمدة عام كامل غير قادر على التبضع من ليبيا المجاورة، وهو يأمل اليوم، مع تخفيف القيود الصحية وفتح المعابر الحدودية، عودة المبادلات التجارية التي تمثل “شريان الحياة” لمنطقة الجنوب التونسي.
يقول التاجر التونسي الذي ينشط في منطقة بن قردان الحدودية مع ليبيا: “الآن وقد انتهت الحرب وفُتحَت الحدود، أصبحت المهمة سهلة، وأذهب وأعود خلال يوم”.
وتبعد مدينة بن قردان نحو مائتي كيلومتر عن العاصمة الليبية طرابلس وتعجّ أسواقها بالستائر والأغطية والأقمشة المصنوعة في تركيا والأجهزة المنزلية وإطارات السيارات القادمة من الصين.
وتساهم أسواق هذه المنطقة في مدّ بقية الأسواق التونسية بالسلع، وتعيش العديد من العائلات منها في الجنوب التونسي المهمش حيث فرص العمل نادرة.
وتنشط هذه الأسواق دون مراقبة جبائية وجمركية، وتسمح لهم السلطات بذلك، لأنها تعتبر هذه التجارة بديلا من التنمية التي عجزت عن إرسائها في المنطقة.
بالإضافة إلى غياب الأمن، ساهمت الجائحة بتداعياتها “الكارثية” في إغلاق المعابر الحدودية لمدة ثمانية أشهر، بحسب رئيس بلدية بن قردان فتحي عبود.
العودة سريعاً
ويقدر عبود أن “أرباح المدينة تراجعت للنصف في عام 2020”.
وتؤكد اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، التابعة للأمم المتحدة، أن الأزمة الليبية كلّفت تونس 24 بالمئة من نموّها الاقتصادي بين 2011 و2015.
ورحبت تونس بالمرحلة الانتقالية الجديدة في ليبيا مع استئناف الحوار السياسي وتعيين حكومة جديدة مكلفة تنظيم انتخابات في نهاية العام الحالي وإنهاء عشرية من الفوضى الأمنية في البلاد.
ويأمل العديد من رجال الأعمال التونسيين العودة سريعاً إلى الأسواق الليبية، حيث اكتسحت البضائع التركية والمصرية سوق الاستهلاك، مع تنامي نفوذ البلدين في المنطقة.
وزار رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، يرافقه مئات من رجال الأعمال التونسيين، ليبيا نهاية مايو الفائت.
بموازاة ذلك، رُفعت القيود الصحية في مراكز العبور في مايو واستؤنفت الرحلات الجوية بين البلدين من قبل شركة “الخطوط الجوية التونسية” التي علّقت رحلاتها منذ سبع سنوات نحو طرابلس، وتناقش سلطات البلدين حالياً إمكانية تدشين طرق بحرية لتنشيط التجارة.
استراتيجية غائبة.
يقول رئيس “مجموعة الوكيل”، ومديرها العام، أنيس الجزيري، الذي يدير مجلس الأعمال التونسي لأفريقيا: إننا “نتقدم على الطريق الصحيح، ونأمل أن يبقى الوضع مستقراً في ليبيا”.
ويرى المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان أن الأزمة السياسية العميقة التي تمر بها تونس تضعف هذه الجهود، وأن السلطات لم “تضع استراتيجية من أجل ليبيا”.
تسود مخاوف في مدينة بن قردان على مصير التجار الذين يمثل المعبر “شريان حياة” لغالبيتهم.
ويقول التاجر عبد القادر المسعودي: “إن كانت هذه الاتفاقات ستسهل من نشاط صغار التجار مثلنا، فهذا جيد. لكن نشعر بالخوف إن كانت اتفاقات بعقود كبرى تُوقَّع مع مجموعات كبرى”.
ويشير التجار إلى أن الجائحة دعمت المبادلات غير القانونية عبر البحر.
وبينما كان صغار التجار لا يتمكنون من المرور إلى ليبيا عبر الحدود البرية لجلب سلع، كانت تصل بضائع في حاويات إلى موانئ في مناطق ساحلية شرقيّ البلاد، مثل مرفأ مساكن بطرق خفية.