* كتب/ عماد المدولي،
بمجرد أن نسمع صوت ذلك الجرس حتى نهرع جميعا نحو الباب وكأنه إعلان إفراج..
أو لعله كذلك..
جرس المدرسة ذاك الصوت الذي مايزال له وقع في عقلي ومعدتي..
مشاعر مختلطة ما بين الخوف والرهبة والانفراج… خليط غريب عجيب… لكن اختلاف المشاعر مرتبط دائما بوقت سماع ذلك الرنين بالتأكيد …
سماع صوت الجرس وأنت تقترب من المدرسة يعني أنك قد تأخرت. بالتالي لا مناص من حصولك على بعض الجلدات على يديك في الصباح البارد.
إذا كنت محظوظا فستتلقاها بعصا غليظة.. أما إذا كنت سيئ الحظ وتصبحت بجارك المشهور عنه بالشؤم -الذي دائما ما يكون المسكين بريئا من كل هذه التهم- فإنك ستضرب “بالتوبو” حينها لن يجد التورم والانزراق من يقف في طريقهما اتجاه أصابعك..!!
وفي وقت آخر صوت الجرس يعني انتهاء الحصة المملة.. وربما أيضا هو صوت النجاة من أسئلة المعلم الشفهية في نهاية الحصة التي ترفع يدك متظاهرا بمعرفتك للإجابة… لكن لا ننسى ربما يكون وقع الجرس على أعصاب معدتك عنيفا حين يرن معلنا عن بداية الحصة الجديدة التي توعدنا معلمها بالتسميع الذي نسيته وذكرك به صديقك الشاطر في طابور الصباح..!!
أيضا صوت الجرس يعني الحرية والذهاب إلى الساحة وسد الجوع. وهو بداية القتال والتدافع أمام المقصف.. الذي غالبا ما تسمع جرس نهاية الفسحة وأنت ما زلت تناضل للوصول إلى شباكه… لا أعلم ما الذي تعلمناه من زحام المقصف..! لا أعلم أين المعلمين الحريصين كل الحرص على طابور الصباح وعلى شكل أدائنا للنشيد الوطني من كل هذه الفوضى..؟
لا ننسى بالتأكيد صوت جرس التسريح…. فرحة عارمة بالعودة إلى البيت… إلا إذا كان هناك من توعدك بمشاجرة في نهاية الدوام كما يقال دائما “توا أنوريك في التسريح”…
عموما هذا الصوت له وقع على مشاعرنا وعلى أعصاب معدتنا…
حقا إنها لمرحلة تعليم بائسة مررنا بها…
أقولها بكل أسف!!
فأغلب. أقول أغلب وليس كل المسؤولين عن المدارس والمشرفين على التعليم لم يكونوا في المستوى، وبعض المعلمين كانوا يعانون عللا نفسية حولوا هذه المدارس إلى ما يشبه المعسكر والسجن… التأنيب والتعنيف يسبق التعليم… لذا كانت مشاهدة باب المدرسة والاقتراب من أسوارها يشعرك برجفة باردة أسفل الظهر، وبجعلك ترغب في قذف ما في معدتك على وجه أول من يقابلك فيها…
أذكر مرة في طابور الصباح تم إخراج أحد الطلبة. لأنه جاء متأخرا وحاول الدخول إلى الصف والطابور خلسة، لكن العيون الساهرة والمتيقظة تمكنت من كشفه والقبض عليه..
كنا في المرحلة الابتدائية تقريبا في الصف السادس… ومن سوء طالعه كانت مشرفة الطابور الصباحي معلمة غليظة القلب، كما هي ملامحها وبنيتها الجسدية بالضبط….
ضربته بعنف وقسوة غريبة حتى تأكد أن تجزم بأن هناك ثأرا بينهما!!
ورغم بكاء ذلك الطالب لم يتوقف التعنيف ولم يهتم به أحد.. فبكاؤه وصراخه مجرد دلع فارغ، ومحاولة لكسب القلوب وللتخفيف من فعلته الشنعاء… تخيل!
لم يتوقف الطالب عن البكاء، وبعد دخولهم إلى الفصل لم يستطع حتى الكتابة وغادر المدرسة بسبب ألم يده… ليصبح حديث المدرسة لبقية ذلك اليوم..
في اليوم التالي وأثناء استراحة الفطور رأينا عددا من رجال الشرطة عند الإدارة.. الطالب الذي ضُرب بالأمس كسرت يده كسرا مضعفا وقدم والده شكوى في أحد مراكز الشرطة الذين قدموا للتحقيق مع المدرسة وتلك المعلمة …
كان شعورا غريبا…
شعرنا بالنشوة ونوعا من الانتصار المعنوي على معذبينا.. ربما هي المرة الأولى التي نشعر بها بوجود من يحمينا من هؤلاء… هكذا كان شعورنا بأمانة!
تحول أغلب المعلمين إلى حملان وديعة واختفت العصا وكذلك “التوبو” من الفصول.. وتلك المعلمة التي كانت معلمة رياضة كادت أن تتحول إلى راهبة لا تريد شيئا من هذه الدنيا إلا إسعاد الطلبة وخدمتهم! من حسن حظها أن الطالب ووالده تنازلا عن القضية وإلا كانت قد دخلت السجن…
لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلا.. بمجرد أن مر بعض الوقت ونسى الجميع الحادثة حتى برزت العصا من جديد وظهر التوبو ليضرب هنا وهناك.. وارتسمت مرة أخرى تلك النظرات الشريرة على الوجوه بعد غيابها لفترة…
أما الجرس فعاد صوته يفعل فعلته في مشاعرنا و …
ومعدتنا !!