الجاسوس “ادواردو” في مصراتة
* كتب/ عبدالوهاب الحداد،
قبل أكثر من 130 عاما حرر عدد من أهالي مدينة مصراتة عريضة موجهة لوالي طرابلس الغرب آنذاك، يشتكون فيها من أمر شخص إيطالي يدعى “ادواردو”، وبأنهم “متشوشون منه”؛ فهو يشيع بين الناس أن “تلغراف” وصله من إيطاليا ينبئه بأنه سيعين قنصلا لبلاده في مصراتة، وهو ما جعل “ادواردو”؛ “يجلب ضعفاء المسلمين ويطلب منهم أن يكونوا تحت حمايته ويمنيهم بأن يكونوا بفضله معززين ومهابين”.
وانتهى الموقعون على العريضة إلى طلب كف “ادواردو” عن ممارسة هذا الدور الذي يقوم به.
يرجع تاريخ هذه العريضة إلى يوم التاسع والعشرين من شعبان عام 1308 هـ، الموافق للثامن من أبريل 1891م، وحملت توقيعات كل من: “أحمد قريو، عبد الله المغرواي، سالم الزواوي، علي سوالم، مصطفى بوليفة، الشيخ مصطفى أبوقرين، مصطفى شلوف”.
وقد علق الأستاذ “أحمد الدجاني”، حول العريضة أعلاه في كتابه: وثائق تاريخ ليبيا الحديث، بقوله: إن مصراتة قبل نحو 20 سنة من الحرب الإيطالية كان بها رجل إيطالي طويل القامة، أبيض الرأس والشارب، يدعى “أدواردو”، وبأنه اشترى سكنا بمنطقة المقاوبة، وكان يلبس الملابس العربية، ويتحدث بلهجة أهل المنطقة، حتى أن من لا يعرفه لا يشك في أنه ليس عربي، وبأنه كان لطيف المعشر، وممدوح السيرة!
**
في 22 ديسمبر 1889م أحال متصرف الخمس (كانت مصراتة قضاءا تابع لسنجق الخمس) للوالي “أحمد راسم” في طرابلس برقية مشفرة كان قد تلقاها من قائمقام مصراتة تفيد اعتراض أهالي مصراتة على تعيين “ادواردو” قنصلا لبلاده في المدينة.
طلب الوالي إيضاحات أكثر حول “ادواردو”، وأسباب رفض أهالي مصراتة تعيينه قنصلا، فأعد متصرف الخمس “محمد فريد” رسالة أخرى للوالي في 4 يناير 1890م فصل فيها الأمر قائلا: “إن ادواردو ابن فرانشيسكو الإيطالي الذي عين سابقا مأمورا للحجر الصحي في ميناء مصراتة عند تطبيق نظام الحجر الصحي فيها، وقد جاء ادواردو مع والده صغيرا، ليترعرع وينشأ في مصراتة، وبعد وفاة والده عين مكانه وتولى الإشراف على منارة ميناء قصر أحمد”.
وأضاف المتصرف بأن “أدوردوا يتكلم اللغة العربية بطلاقة، ويرتدي اللباس الوطني، وله علاقة طيبة وألفة واختلاط بالمواطنين، ولم يسبق أن تقدم أحد بشكاية ضده”.
وحول عدم رضا الأهالي بتعيينه قنصلا لبلاده في مصراتة أكد المتصرف أن ذلك ليس كراهية في شخص “ادواردو”، بل خوفا مما ترمي إليه إيطاليا من بث نفوذها وتنفيذ أغراضها المشبوهة، حيث لا يوجد رعايا إيطاليون في مصراتة، وإن اختيار إيطاليا له ليكون قنصلا إنما لما يتمتع به من الأوصاف المذكورة لخدمة مصالحها السياسية، ولا شك أنه سيفعل ذلك”.
**
تدور الأيام ويغزو الإيطاليون ليبيا، ويحتلون مصراتة في يوليو 1912م، ثم في فبراير 1922م، ليظهر اسم “ادواردو” مجددا، وهذه المرة على لسان المجاهد “محمد القذافي اليدري”، الذي روى كيف أن الإيطاليين كانوا يشترون السلاح من الناس مقابل ليرة من الذهب لكل بندقية، وقد تكفل بهذه المهمة شخص يدعى “ادواردو”، الذي وصفه بأنه: “شايب، رومي، جاسوس، قديم، قاعد هنا من قبل لا يجوا الطليان، من أيام الترك”.
**
ولعله يكون ذات الـ”ادواردو” الذي ذكره الشاعر المجاهد: “علي بن حسن المقصبي”، في إحدى قصائده، وذلك عندما وصف مصير من تعاون مع الإيطاليين ضد المجاهدين في ذلك الزمن، بقوله:
لَاهُو بدنْيَا لَا حَسَنْ مَعَمُولَه ** يَلْقَاهْ غُدْوَة يْنَالْ بيهْ نفَالَة
مَقَامه جَهَنَّمْ نَارْ مَكْبرْ هُولَه ** حدَا (ادْوَارْدُو) وبِجْوَارْ وَلَد (غَزَالَة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- أحمد صدقي الدجاني، وثائق تاريخ ليبيا الحديث الوثائق العثمانية 1881 – 1911، ص 102.
- محمد الأسطى، الوثائق العثمانية المجموعة الأولى، سلسلة الوثائق التاريخية رقم 7، ص 120.
- علي الزواوي، موسوعة روايات الجهاد، سلسلة الرواية الشفوية رقم 42، ص 43.
- مخطوط الشاعر: علي بن محمد بن حسن حنقة المقصبي المصراتي.