الأفعـى التي نُصـب لها برج في وادي المجينيـن
* كتب/ أسامة اوريث
طرابلس الغرب سنة 1510م
رست سفينتان إسبانيتان في ميناء طرابلس قبالة القلعة التي يحيط بها ماء البحر من ثلاثة جوانب.
هذه السفن المشبوهة لقراصنة جلبوا معهم بضائع متنوعة تم بيعها في سوق طرابلس، وكان من ضمن بضائعهم صندوق كبير به ثقوب، قادم من أمريكا الجنوبية، ويوجد بداخله أفعى أناكوندا يبلغ طولها ستة أمتار قبل بلوغها شكلها المخيف والمرعب، فلم يشتريها أحد نظرا لخوف الليبيين من الأفاعي،،
بعد أيام أبحرت سفينة وبقت الأخرى لغرض الصيانة، وتركت القليل من البضائع على الرصيف بما فيه صندوق الأفعى التي أقضت مضجع الطرابلسيين،،
بعد شهر جاءت عشر سفن إسبانية مليئة بالمرتزقة لغزو طرابلس، وتم دك المدينة بالمدفعية، وتم احتلال المدينة.. وخلال الارتباك والمطاردة للسكان اختفت الأفعى في سراديب المدينة وتحديدا بمقر يسمى الكوري خلف سيدي عمران جهة الأسوار الغربية للمدينة، حيث توجد به أكواخ باليه يسكنها المهاجرون والفقراء ..
أثناء حكم فرسان القديس يوحنا للمدينة التي استلموها من الإسبان، استنجد أهل طرابلس عام 1551م بالسلطان العثماني سليمان القانوني وأرسل الأخير الأسطول، وقوات من البحرية والبرية والانكشارية بقيادة مراد آغا، الذي زحف على موقع فرسان القديس يوحنا بمساعدة مجاهدي تاجوراء والأهالي من مختلف المناطق وأصبحت البلاد تحت حماية الخلافة العثمانية ..
بعد 200 سنة من غزو الإسبان وفي سنة 1795م حكم طرابلس الوالي يوسف باشا القرمانلي، الحاكم الأشهر والأقوى للبلاد الليبية بأقاليمها الثلاث. وفي عهده بقيت طرابلس أقوى وأجمل،، وحيث عزز من عنفوان البحرية الطرابلسية التي أسسها امحمد تورغوت باشا، ثم عثمان باشا ساقزلي. وظهر الأسطول قويا سيطر به على البحر المتوسط حينها.
في عام 1801م أعلن باشا طرابلس الحرب على أمريكا،، فأرسلت أمريكا أسطولا حربيا مكونا من فرقاطتين معروفتين باسمي «بريزيدنت» و«فيلادلفيا»، كل منهما مزودة بأربعة وأربعين مدفعا، ترافقهما سفينتان حربيتان باثنين وثلاثين مدفعا، ثم أضيف إلى الأسطول، سفن أخرى في ما بعد لقصف درنة التي تعد حاضرة الشرق الليبي وقتذاك.
بعد حصار طرابلس واستمرار الحرب لمدة ثلاث أو أربع سنوات، بدأ في عام 1803 تبادل إطلاق النار، فعلت أصوات المدافع من بين مدفعية القلعة بمساندة مدافع برج أبوليلة وبرج التراب شمال غرب قصر السراي، والأسطول السادس الأمريكي، وبدأ دوي المدافع يهز المدينة ..
أصيبت سفينتان واشتعلت فيهما النيران، وابتعدت بقية السفن وبقيت المدمرة فيلادلفيا تقصف المدينة وقلعة السراي مقر الباشا بكل عنف إلى أن تمكن البحارة الليبيين من محاصرتها وأسر بحارتها وضباطها، بقيادة رايس محمد ازريق وسط تكبير وتهليل سكان المدينة،،
توحشت أفعى الأناكوندا واختبأت في مغارة المعبد الروماني وهي على شكل باحة كبيرة عُبّدت أرضيتها بالرخام الروماني، ويتوسط أرضيتها رسومات من الفسيفساء القديمة التي ترمز إلى بعض الآلهة الرومانية القديمة، ويصطف على جوانب المغارة عدة تماثيل… في الواجهة منها تمثال ضخم يدعى اسكلابيوس وهي آلهة رومانية قديمة. وفي هذه المغارة يدخل الدراويش والمجانين والمشعوذون والدجالون من فئة الشيش باني: يدقون لها الطبول ويقومون بتقديم القرابين لهذه الأفعى من الحيوانات وأحيانا من البشر! وكل ذلك يجري خفية عن أعين حراس القلعة وشرطة طرابلس. وكان غرضهم استخراج الكنوز الخفية التي يدعون وجودها .
أثناء القصف العنيف في ذلك الفجر وبعد سقوط قذائف وانفجار المغارة خرجت أفعى الأناكوندا من مخبأها بصوت أزير غليظ، خرجت منتصبة كصاري السفينة وبدأت بالهجوم ولقف كل من يقابلها من الجنود والناس داخل الأزقة، وكلما يُطلق النار من المسدسات عليها تزداد في الصراخ والغضب، والأهالي يفرون مذعورين وسط سقوط قذائف البحرية الأمريكية على المدينة،، إلى أن تم استدراجها جهة زنقة الريح والتي يؤدي آخرها إلى البحر، وإلى جوار القلعة جهة باب البحر تم إطلاق خمس قذائف من مدافع القلعة صوب الأفعى ومزقتها أشلاء، وبقي رأس الأفعى يصدر أصواتا ويتخبط في مشهد غير طبيعي.. ثم ساد هدوء تام رافقه انتصار البحرية الليبية على الأسطول الأمريكي،، وخرج الباشا: يوسف القرمانلي والجنود والحرس، والتحموا مع الأهالي عند كورنيش السراي معبرين عن فرحتهم ..
أمر باشا طرابلس بنصب صاري السفينة فيلادلفيا في أعلى قلعة السراي الحمراء وهو إلى غاية الآن شاهد على صمود كامل أهل طرابلس الغرب/ليبيا، في وجه الحملة الأمريكية.
أما أشلاء الأفعى وعظامها فقد أمر الباشا يوسف القرمانلي بأن تدفن بعيدا في وادي المجينين، 70 كلم جنوبي طرابلس. والمجينين تصغير لكلمة المجنون. وهو ذاك المجنون الصغير الذي يعيش وحيدا في الوادي.
في أواخر الستينات من القرن الماضي وعلى بعد 64 كيلومتر جنوب طرابلس تم ومن طرف شركة يوغسلافية البدء في إنشاء سد ساتري على وادي مجينين، وتم الانتهاء من تنفيذه سنة 1972 سعة التخزين السنوي للسد تبلغ 10 ملايين متر مكعب من المياه، وإجمالي السعة التخزينية للسد هي 58 مليون متر مكعب، وكان الغرض الرئيسي من إنشائه توفير المياه من أجل العمليات الزراعية في المنطقة وأيضا للتحكم في الفيضانات التي تهدد المدينة وضواحيها.
وأخيرا؛ تم تصميم برج مراقبة السد على شكل رأس الأفعى، وجزء من جسدها في منظر معماري مميز. بعد أن عثر أفراد الشركة المعمارية على أفعى الكوبرا في هذه التلال، وعند قرب الانتهاء من تنفيذه قررت الشركة بناء برج كبير ومميز على شكل رأس وجسد كوبرا، للدلالة على تلك الأفعى التي وجدوها أمامهم تحرس الوادي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ـ كتاب : شيش باني، لصديقنا الكاتب سمير شقوارة.
ـ كتاب : ليبيا أثناء حكم يوسف باشا القره مانلي، للكاتب د كولافولايان. ترجمة د عبدالقادر المحيشي .
– معلومات شفهية.
ـ روايات منفذي المشروع .