الأخوان يسيطرون على مفاصل الدولة الليبية ..
*كتب/ عبدالرزاق العرادي
لست بصدد الدفاع عن الإخوان ولم أعد منتميا لهم، ولست مقتنعا بالجمود الذي أصابهم وسبق أن طالبتهم بإظهار النقد والمراجعات التي قاموا بها ونشرها للعلن، ولقد نالني بسبب مواقفي وآرائي بعض سهام الجدد فيهم، ولكنني أدافع عن الحقيقة وما أراه حقا.. هذه تميمة لابد من البدء بها كشرط للدفاع عن الحقيقة.. بالذات إذا كان الكلام يخص الإخوان.
القول بأن الإخوان يسيطرون على مفاصل الدولة يتطلب تقييم موضوعي لكل المجموعات السياسية والاجتماعية وتأثيرها ونفوذها على مفاصل الدولة، من خلال معايير علمية وقياس كمي ونوعي؛ من أجل تحديد الكمي ومعرفة النوعي، لنصل في نهاية المطاف على كمية ونوع السيطرة والتأثير ومن تم تأكيد هذه السردية أو نفيها، مع العلم بأن الدولة الليبية يغلب عليها سيطرة الأفراد كأفراد، لا كمجموعات سياسية. ولغياب هذا التقييم الموضوعي سألت صاحبي:
سألته عن قصده بكلمة الإخوان؛ هل يقصد بها جماعة الإخوان المسلمين فقط؟ أم حزب العدالة والبناء؟ أم أنه يراهما وجهان لعملة واحدة؟ ولنفترض أنهما وجهان لعملة واحدة، بالرغم من تبرؤ الإخوان من الحزب ودندنة الحزب المتكررة من أنه ليس بذراع ولا واجهة لجماعة الإخوان المسلمين وأنه منفصل عنها بالكامل.
ثم سألت صاحبي أن يحدد لي مفاصل الدولة التي يدعي أن الإخوان يسيطرون عليها، ودون أن أتركه يجيب قلت له: لعلك تقصد رئيس وأعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي والحقائب السيادية (محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية ورئيس هيئة مكافحة الفساد ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا والنائب العام) والوزراء (بالذات الدفاع والداخلية والمالية والخارجية والاقتصاد والتخطيط وغيرهم) والمؤسسة الليبية للاستثمار والشركات التابعة لها وجهاز الرقابة الإدارية والمؤسسة الوطنية للنفط ورئيس الأركان وأمراء المناطق العسكرية بالإضافة إلى السفارات في الخارج والقنصليات.. ولا أعتقد أنك تقصد غير هذه المفاصل.
وجهت سؤالا آخر لصاحبي؛ هل نقبل باستقالة من استقال من حزب العدالة والبناء أو جماعة الإخوان المسلمين أم نفترض أنهم فعلوا ذلك تقية؟ وقلت له لنفترض جدلاً أنهم فعلوا ذلك تقية، بالرغم من أن التقية كذب والكذب من صفات المنافقين، ولا يزال الإنسان يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وأخيرا قلت لصاحبي ما هي مفاصل الدولة التي يسيطر عليها الإخوان أو حزب العدالة والبناء؟ ثم أجبت؛ المناصب التي ذكرت أعلاه ليس فيها ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين أو حزب العدالة والبناء إلا رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، هذا المجلس ليس له أية صلاحيات تشريعية إلا بعض التشريعات المنهية للمراحل الانتقالية والتي يصدرها مجلس النواب بعد حصوله على الموافقة من المجلس الأعلى للدولة، وباقي الصلاحيات استشارية. المشري استقال من الإخوان.
يبلغ عدد أعضاء الحزب في المجلس الأعلى للدولة في حدود 25-30 عضوا لا يتجاوز عدد الإخوان فيهم أربعة أعضاء والباقي ينتمون إلى الحزب وبعضهم استقال من الحزب.
هناك رئيس ديوان المحاسبة والذي لا ينتمي قطعا إلى جماعة الإخوان المسلمين لا من قريب ولا من بعيد، وقد استقال هو الآخر من حزب العدالة والبناء منذ أكثر من أربع سنوات ترجيحا للمصلحة الوطنية العليا، وهو إنسان وطني بيروقراطي جاف، لا يعرف أمه ولا أباه عندما يكون الوطن هو الموضوع، وعندما يكون الأمر متعلقا بالمصلحة العامة.. وأعماله شاهدة عليه.
أما علاقة محافظ مصرف ليبيا بجماعة الإخوان المسلمين أو حزب العدالة والبناء فأسأل عنها الإعلامي محمد عمر بعيو الذي ينتقد الإخوان وحزب العدالة والبناء، كلما سنحت له الفرصة لذلك ومن حقه، طالما كان النقد هادفاً وهادئاً وموضوعياً.
ليس خافيا أن حزب العدالة والبناء قد سعى لإبعاد المحافظ والبحث عن بديل عنه، واستمروا في الضغط عليه من أجل إحداث إصلاحات اقتصادية، وشنوا عليه حملات من أجل ذلك في قناة بانوراما التابعة للحزب وشبكة الرائد القريبة منه.
بقى أن أضيف أن كل المسؤولين منذ فبراير 2011م، الحاليين منهم والسابقين، يطرحون هذا السؤال قبل أن يولوا أي مسؤول في منصبه؛ هل المرشح لهذا المنصب أو ذاك ينتمي إلى الجماعة أو حزب العدالة والبناء؟ قبل أن يُبعد أو يولى المسؤولية.
ولكي يكون الخطاب فصلا؛ هناك خلط بين الإخوان المسلمين كتنظيم، والإخوان كتيار هم شريحة واسعة جدا خاصة في المجتمع الليبي؛ ممن تأثروا بأفكار وكتابات ومحاضرات وأدبيات هذه الحركة واسعة الانتشار. وهؤلاء ليسوا منخرطين في التنظيم ولكن يميلون إلى تأييده ومناصرته وهم يشكلون أغلب أعضاء العدالة والبناء، وأغلب المؤيدين له وهم من النخب الوطنية وأصحاب الكفاءات، ولعل منهم قيادات على رأس مؤسسات الدولة لكنهم بالتأكيد ليسوا أعضاء في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين بل لعلهم ينتقدونها. وجودهم في هذا المناصب يرجع لكفاءتهم فقط وليس إلى كونهم ينتمون إلى هذا الحزب أو ذاك. أضف لذلك فإن حزب العدالة والبناء يعمل كحزب وطني مارس السياسة بنزاهة، ولم يخرج على مقتضيات القانون أو يخرق قواعد اللعبة الديمقراطية، ومن حقه كما هو من حق غيره أن ينفذ أعضاؤه إلى مؤسسات الدولة بالطرق السلمية والشفافة.
القول بأن حزب العدالة والبناء يسيطر على مفاصل الدولة مغالطة، قد بينت عوارها وأنها لا تمت للحقيقة بصلة، بل لعل السبب في هذا التوهم، يرجع إلى تميز الحزب في أدائه وحسن تنظيمه، وسرعة تسجيله لمواقفه السياسية من خلال بياناته وتصريحاته، وقدرته على المساهمة في تشكيل الرأي العام، ونشاطه المتميز في العمل السياسي وبالذات فيما يخص المبادرة السياسية وتقديمه لتنازلات مدروسة ودفاعه على المسار الديمقراطي، لعل هذا هو الذي ضخم دورهم للدرجة التي يتوهم البعض بأن الحزب يسيطر على مفاصل الدولة.
مارس حزب العدالة والبناء السياسة، وسبق أن طالبته بإعادة النظر في مرجعيته لتكون القانون والدستور وأن يعتمد نظام البطاقة الواحدة؛ أي أن يختار العضو إما أن يكون في حزب العدالة والبناء أو في جماعة الإخوان المسلمين وليس في كليهما، ومن تم يطالب الحزب أعضاءه بتصحيح أوضاعهم إذا استمرت جماعة الإخوان بهذا الشكل الشمولي القائم والذي قد يتعارض والقانون.
لا بأس أن نطالب جماعة الإخوان المسلمين بمراجعات حقيقية أو بإخراج مراجعاتهم التي قاموا بها منذ 2013 إلى العلن، أو أن نطالبهم كما نطالب غيرهم من المجموعات السياسية والشخصيات الجدلية بأخذ خطوة إلى الوراء خلال المراحل الانتقالية وبالذات في الحقائب الحساسة والتي نخشى من سيطرة هذه المجموعات عليها، ولكن من المعيب أن نستغفل الرأي العام ونعلق الأزمة الليبية على القضايا المضللة، مثل سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة والتي هي في حقيقتها تهمة مستوردة من الخارج وبالتالي إسقاطها على الواقع الليبي فيه تجن وسطحية..
الأزمة أعمق، وعلى النخب أن تبحث بشكل جدي وموضوعي عن حقائق ومفردات هذه الأزمة، لا أن تستخدم شماعات التبسيط والتسطيح.. كل الاحترام والتقدير لصاحبي.. وإن اختلفنا في التشخيص.