
مهاجر نيوز-
اعتصم أفراد من عائلات سورية فقدوا أقارب وأحباء لهم في ليبيا بعد أن حاولوا الهرب من ويلات الحرب والدمار الذي شهدته سوريا في الأعوام الأخيرة.
تطالب العائلات بالكشف عن مصير أبنائها الذين فقدوا أو سجنوا في ليبيا بمعرض محاولاتهم الوصول إلى أوروبا. تحدث بعض المعتصمين إلى مهاجر نيوز عن مشاركتهم بالاعتصام وقصص فقدان أولادهم.
تجمع عشرات الأشخاص صباح الاثنين، (22 سبتمبر 2025)، أمام وزارة الخارجية السورية في كفر سوسة بدمشق، في اعتصام للمطالبة بالكشف عن مصير أقربائهم في ليبيا الذين هربوا من ويلات الحرب والدمار في محاولة للوصول إلى أوروبا غير أنهم فقدوا أو سجنوا في ليبيا.
ورفع المعتصمون مجموعة من اللافتات والمطالب “للحكومة الجديدة” أهمها “فتح ملف شباب الوطن المحتجزين في السجون الليبية والعمل على إطلاق سراحهم الفوري”، و”إعادة أبنائنا إلى أرض الوطن من سجون الاغتراب” و”الحرية للسجناء”.
أم يوسف، منظمة الوقفة، فقدت أخاها في ليبيا بتاريخ 31 أكتوبر 2023، وتلك كانت “أول رحلة فقدت تماما” حسب قولها، “وبعدها بدأت حالات فقدان الأثر تتزايد”. بادرت أم يوسف لخلق مجموعة واتساب للعائلات التي فقدت أحد أفرادها أو أكثر على طريق الهجرة هذا، الذي يعلق فيه مهاجرون في ليبيا وتضم حاليا 200 شخص.
وتناقل أهالي المفقودين رسائل مناشدة ودعوة لحضور الاعتصام تتضمن التالي: “نحن أبناء الجالية السورية وأهالي المعتقلين والمحتجزين في ليبيا، نتوجه بنداء إنساني عاجل إلى السفارة السورية في ليبيا بصفتها الجهة الرسمية الممثلة للمواطنين السوريين. والحكومة الليبية والجهات المختصة في وزارتي الداخلية والعدل وكافة المنظمات الحقوقية والإغاثية.
إننا نضع هذه المناشدة أمام ضمائركم الحية، راجين أن تجد استجابة عاجلة ترفع الظلم والمعاناة عن إخواننا وأبنائنا السوريين في ليبيا. لقد مضت سنوات يعاني فيها مئات السوريين من الاحتجاز في السجون الليبية بظروف قاسية وغير إنسانية، دون محاكمات عادلة، ودون مراعاة لحقوقهم الأساسية كلاجئين ومهاجرين هربوا من الحرب والدمار في وطنهم”.
وتضمنت المناشدة أيضا “إننا نطالب السفارة السورية في ليبيا بالقيام بواجبها الإنساني والوطني، والتحرك العاجل للتدخل لدى السلطات الليبية من أجل إطلاق سراح المعتقلين السوريين، وتسهيل إجراءات عودتهم إلى سوريا، كما نطالب الحكومة الليبية باحترام المواثيق الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين والمهاجرين. إن استمرار احتجاز هؤلاء السوريين يضاعف معاناتهم ومعاناة عائلاتهم، ويضع حياة الكثيرين منهم في خطر”.
تقول أم يوسف لمهاجر نيوز: “عدد المفقودين أكثر بكثير بالطبع، هناك من فقد قبل أخي ومن فقد بعده، لكن مجموعتنا تضم فقط هذا العدد”. وتضيف “لا يساندنا أحد. نتكل على الله في البحث عنهم. أمهات المفقودين فقدن صبرهن، أردن فعل أي شيء من أجل إيصال الصوت”. وأكملت “كتبنا هذه المناشدة ونشرناها على وسائل التواصل الاجتماعي لطلب المساندة. نأمل أن تقوم الحكومة بفعل أي شيء، أن يروا الأمهات اللاتي تحترق قلوبهن على أبنائهن”.
تقول أم يوسف أيضا: “خرجنا في السابق باعتصام في ساحة الأمويين وأمام قصر الشعب والخارجية ولم نستفد، وكانوا قد وعدونا بإرسال وفد من سوريا إلى ليبيا من أجل موضوع المعتقلين والمفقودين فيها، لكن للأسف ذهب مؤخرا فريق من الخارجية إلى ليبيا ولم يتحدثوا نهائيا عن موضوع المفقودين والمسجونين، اهتموا فقط بموضوع الضرائب المفروضة على السوريين وتجديد جوازات سفرهم هناك لإعادتهم، لكن موضوعنا لم يتم تناوله نهائيا”.
“نساء وأطفال مفقودون أيضا وليس الشباب فقط“
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، تشكلت في سوريا هيئة المفقودين في مايو هذا العام برئاسة محمد رضا جلخي. “لكن بالنسبة لنا هناك حاجة أيضا لإيجاد المعتقلين خارج سوريا وخصوصا في ليبيا، فالأعداد كبيرة هناك، وفقط من أعرفهم ضمن مجموعتنا عددهم 300 شخص. هناك من فقدوا الأمل وترحموا عليهم لكن ربما هم في السجون. تواصلت مع شاب مصري خرج من سجن معيتيقة في ليبيا حيث أمضى ثلاث سنوات وأربعة أشهر، وكان أهله قد فتحوا عزاء له، وحكى أن السوريين كثر ومن بينهم نساء وأطفال. وضمن مجموعتنا هناك من فقد نساء وأطفال أيضا وليس فقط شبان أو رجال” حسبما تضيف أم يوسف.
وتحدثت هادية ضاهر التي شاركت في الاعتصام وزوجها إلى مهاجر نيوز وشرحت الظروف التي فقد فيها ابنها نصر الله ذو الـ17 عاما هو وابن عمه ذو الـ19 عاما في 9 أكتوبر 2024. وكان نصر قد غادر دمشق في شهر مارس العام الماضي من مطار دمشق إلى بنغازي وساعدته عائلته على كلفة الحياة هناك حتى يوم المغادرة.
وانطلق في ذلك التاريخ 41 شخصا على متن قارب من مدينة الخمس على بعد أكثر من 130 كلم شرق طرابلس، وكان على متن القارب 13 سوريا، من بينهم أربعة آخرين من عسال الورد، هم أحمد ووسام وخلدون خلوف وماجد السيد أحمد، إضافة إلى ثلاثة شبان من حماة، واثنين من درعا، وشاب واحد من دير الزور، حسبما أفادت هادية وزوجها اللذان تواصلا مع عدد من عائلات الشبان الذين كانوا برفقتهم، إضافة إلى شبان مصريين وبنغاليين.
يقول فيصل شداد والد نصر إن ذلك المساء “رن الجوال وبقي يرن كل الليل ولم يرد أحد، تواصلنا مع مناديب سوريين ولم نحصل على أي معلومة، وقال لنا مسؤولون سوريون إن هؤلاء سماسرة وتجار بشر، ولم يفعلوا شيئا حيال ذلك. تواصلنا مع الصليب الأحمر في إيطاليا، وحتى مع جهات معنية بالبحث في البحر المتوسط، وشاهدنا معهم كيف يبحثون في البحر، وأكدوا لنا أنهم لم يعثروا على أي قارب في ذلك التاريخ، وتابعنا البحث لمدة أربعة أيام ولم يعثر لا على قارب ولا جثث ولا عبوة مازوت”.
يرجح فيصل فرضية السجن كونه لم يتم العثور على أي مؤشر ولا جثة ولا أي أثر يشير على الوفاة، ولأنه تمت الإشارة إلى غرق قارب بعد خمسة أيام لكن لا شيء بشأن القارب الذي استقله ابنه وابن أخيه. وتقول هادية زوجته بنبرة يائسة: “كنا نود الدخول إلى الخارجية السورية للقاء المسؤولين لكن لم يسمحوا لنا بذلك. حاولنا مرارا التواصل مع الخارجية والسفارة الليبية ولم نستفد”.
تحدثت إحدى المعتصمات من درعا عن اختفاء أختها *دلال وولديها، 9 و6 سنوات، الذين حاولوا الانطلاق من قرقارش في طرابلس وفُقدوا بتاريخ 5 أبريل 2025. وكانت قد غادرت أختها وولداها وشقيقها ووالدتها دمشق في 21 يونيو 2023 إلى بنغازي وتدبروا أمرهم هناك بالقيام بأعمال صغيرة مثل غسيل الثياب.
وتحدثت الشابة كيف أعطاهم المهرب معلومات اكتشف لاحقا أنها مغلوطة بالكامل، وقال لهم إنها غرقت وتوفيت، وبأنهم يجب أن يكفوا البحث عنها. وشرحت كيف تواصلوا مع الكثير من الجهات ومنها خفر السواحل الإيطالي والليبي، وبأن شابا قريبا لأحد المفقودين في القارب نفسه والذي يعيش في ألمانيا كان قد فعل خدمة “جي بي إس” لتتبع المواقع وتبين أنهم دخلوا قليلا في المياه ثم عادوا، وكانوا برفقة نحو 37 شخصا من سوريا وباكستان والمغرب وبعض الأفارقة.
وشرحت الشابة أنه تم التواصل مع صيادين في المنطقة ومع المشافي هناك، وأن القارب الذي قد تم تصويره فقد أثره تماما، وأن كل الجهات ومن بينها الصليب الأحمر وسفينة الإنقاذ “أوشين فايكينغ” نفت فرضية غرق القارب ذلك اليوم حيث لا أثر له. وتقول الشابة “فقد أثرهم تماما، والغريب في الأمر أنه من خلال أشخاص ساعدونا اكتشفنا أن جوال أختي قد فتح بعد خمسة أيام من الاختفاء، وأنه قد تم إلغاء حسابات الماسنجر لكل المسافرين في تلك الرحلة بعد شهر ونصف تقريبا. كل هذا يجعلنا نرجح فرضية أنهم اختطفوا واحتجزوا ولم يغرقوا”.
تضيف بحسرة “أمي هناك في ليبيا تذهب كل يوم إلى شاطئ قرقارش علها تجد أثرا لأختي”.
وتحدثت شابة من درعا عن اختفاء أخيها بتاريخ 11 ديسمبر 2024. وكان *رامي قد صعد على متن قارب فايبر قبل يوم ليلا من جنزور غرب طرابلس، وكان على متن القارب 64 شخصا كلهم من سوريا باستثناء شابين مصريين وجميعهم مزودون بسترات نجاة. وكان القارب قد انقلب، وتم انتشال الناجين تباعا. وذكرت أيضا أن سفينة تجارية مصرية أنقذت بداية 11 شخصا، وثم أصبح عدد الناجين على متنها 25 شخصا، وأنقذ خفر السواحل الليبي أربعة أشخاص.
وقالت الشابة “لكن ما مصير الآخرين؟ أين هم؟ تواصلنا مع كل الجهات ومنها الهلال والصليب الأحمر وسفينة الإنقاذ ‘أوشين فايكينغ’ وكلهم نفوا انتشال الجثث، بقينا نبحث عن جثثهم حتى مارس هذا العام. نحن لا نعرف عنهم شيئا، هم مغيبون قسرا، لماذا عدم التواصل؟ كيف حالهم؟ هل هم مريضون؟ هل يأكلون؟ أبسط حقوق الأهل أن يعرفوا مصير أولادهم. لو تحدثت أمي معكم لما استطاعت إكمال حديثها لأنها سوف تبكي. هذا خامس اعتصام. لم يخرج لمقابلتنا أحد. دخل فقط خمسة أشخاص ثم خرجوا. لماذا لم يقابلونا؟”
وتحدثت الكثير من التقارير الحقوقية والإعلامية عن عمليات احتجاز وتعذيب في السجون الليبية لمهاجرين سوريين وغيرهم، وفي أماكن سرية تديرها عصابات ومتاجرين بالبشر. وآخر هذه التقارير ما كشفته منظمة الإنقاذ الإيطالية Mediterranea Saving Humans، في بيان الثلاثاء 16 سبتمبر، عن تورط الحكومة الليبية بطرابلس في تهريب المهاجرين عن طريق البحر المتوسط. وكان أحد المهاجرين السوريين قد قال سابقا لمهاجر نيوز إن بعض الجنسيات “تتعرض للاستغلال أكثر من غيرها كون لديها مغتربين في الخارج. يروننا مصدر أموال لهم أكثر من غيرنا”.