* كتب/ أنس أبوشعالة،
نسلسل الوقائع بشكل مبسط و تسليط الضوء على الحكم القانوني لكل واقعة:
بتاريخ 14 سبتمبر 2014 صدر قرار عن مجلس النواب الليبي بإقالة الأستاذ/ الصديق عمر الكبير، و هذا القرار ألغى قرار المجلس الوطني الانتقالي بتعيين الأستاذ الصديق الكبير محافظاً لمصرف ليبيا المركزي.
في ديسمبر 2017 انتخب مجلس النواب محمد الشكري محافظاً لمصرف ليبيا المركزي، وصدر قرار من مجلس النواب بهيئته المجتمعة بتعيين محمد الشكري بمنصب المحافظ.
لأسباب سياسية، لم يتسلم الأستاذ محمد الشكري مهام وظيفته وعلى رأس هذه الأسباب اعتراض المجلس الأعلى للدولة على هذا القرار الصادر عن مجلس النواب بهيئته المجتمعة.
رغم قرار الإقالة وكذلك قرار تعيين الشكري محافظاً استمر الأستاذ الصديق الكبير في مزاولة أعماله ومهامه وفقاً لأسباب وتوازنات سياسية كذلك.
يُقال أن قراراً صادراً عن هيئة رئاسة مجلس النواب بتفويض السيد الصديق الكبير وآخر بمهام واختصاصات مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، وهذا القرار يناقض قرار مجلس النواب بهيئته المجتمعة بتعيين محافظاً للمصرف المركزي، و من جهة أخرى فإن القرار ذا طبيعة سيادية تشريعية لا يملكه إلا المجلس كسلطة تشريعية، ولا تملكه هيئة الرئاسة بذاتها كونها مسيراً ومنظماً وممثلاً للسلطة التشريعية واختصاصها يكمن في التوقيع على القرارات الصادرة عن المجلس لا أكثر، مما يجعل قرار التفويض معدوم لعدم الصفة والاختصاص.
رائد هذا الرأي هو القانون رقم 4 لسنة 2014 بشأن اعتماد النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي أشار إلى استبدال مصطلح أمانة مؤتمر الشعب العام بمصطلح السلطة التشريعية، ولم يُعطِ لهيئة الرئاسة صلاحية إصدار قرارات تشريعية، ومسمى هيئة الرئاسة جاء على سبيل التنظيم الإداري والهيكلي لعمل رئاسة مجلس النواب، دون أن يكون لهذه الهيئة أي سلطة تشريعية تخول لها إصدار قرارات وفقاً لما تقدم، وهذا الأمر ينصرف كذلك على قرار هيئة الرئاسة بوقف قرار مجلس النواب بتعيين الشكري محافظاً للمصرف المركزي، ذلك أن السلطة التشريعية التي أصدرت القرار متمثلةً في مجلس النواب بهيئته المجتمعة هي وحدها صاحبة الصفة والاختصاص في تعديل أو إلغاء هذا القرار.
نشير هنا إلى مدة ولاية محافظ مصرف ليبيا المركزي وفقاً للقانون، حيث نصت المادة 17 من قانون المصارف.
(المحافظ ونائبه بقرار من مُؤتمر الشعب العام، لُمدَّة خمس سنوات، ويجوز إعـادة اختيارهما. ويُختار الأعضاء الآخرون، غير الكاتب العام، المنصوص عليه في المادة (14) من هـذا القانون، بقرار من أمانة مُؤتمر الشعب العام، بالتشاور مع المُحافظ، وذلك لمُدَّة ثلاث سنوات، ويجوز إعادة تعيينهم).
مدة الخمس سنوات تعد مدة اكتساب لا مدة سقوط، فهذه المدة يكتسب فيها المحافظ ولايته بقرار تعيينه إذا لم يُعف أو يُقال أو يُلغى القرار، ويجوز التمديد لولاية المحافظ مدداً أخرى لم يقيدها القانون بعدد معين،
وهذا الرأي يسري كذلك على المركز القانوني للأستاذ محمد الشكري، فإذا ما افترضنا جدلاً أن كافة قرارات مجلس النواب بشأن إقالة الصديق الكبير وتعيين الشكري حبراً على ورق لا قيمة لها ولا وزناً، واعتبار قرار المجلس الوطني الانتقالي هو الحائز للحجية والشرعية، فلا عجب أن نقول أن الشرعية المنبثقة من المجلس الانتقالي لم يقطعها أي قرار من قرارات مجلس النواب المتعددة والمتعاقبة، وأما إذا قلنا أن لقرارات مجلس النواب شرعية دستورية وحجية قانونية، فلا مناص إلا باعتبار محمد الشكري مكتسباً لصفة المحافظ بقرار صادر عن السلطة التشريعية، ومن مقتضياته انتهاء صفة المحافظ عن الصديق الكبير، ولكل صاحب هوى سياسي أن يختار ما يروق له من رأي قانوني بالخصوص، وليس ثمة من محظور إلا أمر واحد، وهو الجمع بين الرأيين القانونيين في آن واحد،،،
حينئذٍ، فقرار مجلس النواب بتعيين محمد الشكري لا يسقط بمضي المدة، ولا تنتهي ولايته بمرور خمس سنوات، وإنما ينتهي ويسقط بإصدار قرار تشريعي جديد من ذات السلطة المختصة يقضي بتعيين محافظ جديد أو التمديد لذات المحافظ.
النقطة الأكثر أهميةً و تعقيداً، تكمن في ولاية واختصاص المجلس الرئاسي بإصدار قراره بشأن منصب المحافظ، وهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل، حيث أننا سمعنا بالقرار ولم نطلع عليه أو نراه إلى حد الآن، ولعله من المسلم به قطعياً أن اختيار المحافظ وتعيينه يكون من خلال السلطة التشريعية بصرف النظر عن آليات القرار والاختيار، بيد أن ما أشار إليه بيان المجلس الرئاسي يُفهم منه أن ما صدر عن المجلس ليس قراراً منشئاً بتعيين الشكري محافظاً ولا هو قرار مُكسباً للصفة أو الولاية له، ولا هو قرار بإقالة الكبير عن منصبه، إنما هو قرار بإعمال و إنفاذ قرار مجلس النواب بتعيين محمد الشكري محافظاً لمصرف ليبيا المركزي، وهنا تبرز الأهمية في التفريق بين سلطة الرئاسي في إكساب الصفة والولاية أو السلطة في إعمال وإنفاذ قرار السلطة التشريعية التي هي من منحت وأكسبت الصفة للشكري محافظاً للمصرف المركزي، و يكون قرار الرئاسي كاشفاً لا منشئاً في هذه الحالة، و يكون البرلمان هو صاحب السلطة في إصدار القرار خلقاً وإنشاءً، ويكون الرئاسي بصفته التنفيذية الرئاسية محققاً لقرار السلطة التشريعية إعمالاً و إنفاذاً.
للكاتب أيضا: