العربي الجديد-
تسببت الحروب المتكررة في تهجير قرابة 10 آلاف أسرة من مدينتي بنغازي ودرنة في شرق ليبيا إلى مناطق غرب البلاد، وتتوزع هذه الأسر بين طرابلس ومصراتة ومدن أخرى، فيما تعيش أسر هجرت من مرزق (جنوب) في عدد من المناطق، كما تتواصل قضية مهجري تاورغاء منذ عام 2011.
خلال الأسابيع الأخيرة، قام “اللواء 106” الذي يقوده خالد حفتر، بإخلاء 77 عقارا تعود إلى أسر غادرت بنغازي وجرى الاستيلاء عليها من قبل قادة وأفراد المليشيات بالقوة، وطالب “اللواء 106” كافة العسكريين وأفراد القوى المسلحة في المدينة بضرورة إعادة أي عقار جرى الاستيلاء عليه، أو مواجهة العقوبات.
وجرى إخلاء 77 عقاراً في بنغازي بناء على أوامر من مكتب النائب العام الذي يجري تحقيقات في شكاوى استقبلها من مواطنين بشأن التعدي على ممتلكاتهم.
ويعلق مصباح الورفلي، وهو مهجر من بنغازي، بالقول: “تلك الخطوة لا تعني ملف المهجرين من بنغازي بقدر ما تعني شكاوى قد تكون وردت من مواطنين موجودين بالفعل في المدينة. في المقابل، ماذا عن مهجري درنة والجنوب؟”. ويؤكد لـ”العربي الجديد” أن “تسوية ملف المهجرين له بعد آخر يتعلق بالجانب الجنائي، فهناك أسر لن تعود حتى لو سمح لها بالعودة، كون بعض أفرادها لديهم ملفات لدى أجهزة البحث الجنائي، وهم ملاحقون، فما الذي يضمن التحقيق العادل معهم في التهم التي وجهت إليهم عشوائياً”.
يضيف الورفلي: “المناكفات والصراعات السياسية لا تزال قائمة، وإلا فما الذي يمنع أن يجرى التحقيق مع المتهمين في الجرائم الإرهابية، كما يصفها حفتر، أمام محاكم طرابلس أو مصراتة، أو لدى الأجهزة الأمنية، ويجرى ضمان عودتهم إلى بنغازي أو درنة بشكل آمن. ملف المهجرين يٌتعامل معه بانتقائية، ولا يوجد ما يؤكد الرغبة في تسويته”.
من جانبه، يشكك الناشط الحقوقي من بنغازي عقيلة الأطرش في أهمية تلك الخطوة، موضحاً أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن تلك العقارات يعود أغلبها إلى أسر ليست ضمن الأسر المهجرة، وأن بعضها أرض دمرت الحرب ما عليها من مبان، فتركها أهلها، ليستولي عليها قادة المليشيات، لكن أهلها يترددون على بنغازي، وليسوا مهجرين بل نازحين بسبب فقدان المسكن.
ويوضح لـ”العربي الجديد”: “من بين تلك العقارات منازل وشقق تعود إلى أسر مهجرة كانت علاقتها بمعارضي حفتر خلال حربه على بنغازي ضعيفة، وبالتالي يمكن التغاضي عنها، وجرى اختيارها بغرض ترويج أن قوات حفتر مستعدة لإنهاء ملف المهجرين”.
يتابع الأطرش: “حتى لو كان بعض تلك العقارات لمهجرين، فإنها تمثل نسبة محدودة من مجموع عقارات الأسر المهجرة، والحقيقة التي لا يُكشف عنها هي أن معظم منازل الاسر المهجرة دُمرت من قبل مليشيا تعرف باسم (أولياء الدم)، بحجة الانتقام من تلك الأسر بسبب صلتها بمقاتلي المعارضة أو قرابتها منهم، أيام الحرب في بنغازي”.
بدوره، يعتبر ناصر الطيب، الناشط في في هيئة بنغازي المعنية بالمهجرين، أن “خطوة إخلاء العقارات من غاصبيها من مليشيا حفتر ليست إلا دعاية سياسية قد تكون على علاقة بالانتخابات التي تستعد لها البلاد، فلم نسمع أن من قام بإخلاء تلك العقارات قبض على الغاصبين، أو قدمهم للمحاكمة لإنصاف أصحاب العقارات، أو تعويضهم حتى ولو معنوياً”. مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “ربما لو جرى تتبع بعض الأسر المهجرة التي أُخليت عقاراتها في بنغازي لوجد أنها تنتمي إلى القبائل الكبيرة النافذة في المنطقة، والتي يستفاد من اصواتها في الانتخابات”.
ووفقا لمعلومات الناشط الحقوقي عقيلة الأطرش، فإن “نحو عشرة آلاف أسرة جرى تهجيرها، ونحن هنا لا نتحدث عن مهجري مناطق الجنوب، فهذا العدد خاص بمهجري بنغازي ودرنة ومناطق شرق البلاد فقط. آمر قوة عمليات الجنوب التابعة لحفتر، المبروك سحبان، أعلن في منتصف العام الماضي السماح لمهجري مرزق بالعودة، لكن مرت كل هذه المدة ولم يعد أحد من المهجرين بسبب الخوف من القبض عليهم. ومنذ عام 2018، أشرفت حكومة الوفاق الوطني على عودة مهجرين إلى تاورغاء، وعاد بعضهم لكن من دون توفير أدنى متطلبات العيش بعد تدمير مدينتهم بشكل كامل، والجميع يحاول استغلال معاناة المهجرين لأغراض سياسية”.
يتابع الأطرش: “إنهاء معاناة المهجرين يجب أن يبدأ من ملف المصالحة الوطنية، وينبغي ألا يترك مصيرهم للسياسيين، فهناك قبائل تعتقد أن هناك قبائل أخرى متورطة في قتل أبنائهم، وربما هناك من تورط بالفعل، والمصالحة وحدها هي السبيل لحل تلك المشكلة”.