العربي الجديد-
تشهد العاصمة الليبية طرابلس وضواحيها حالة من الغليان الشعبي والاحتجاجات نتيجة تدهور الخدمات الأساسية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء التي باتت تتفاقم يومًا بعد يوم.
الاحتجاجات التي خرجت إلى الشوارع في الأيام الأخيرة ليست مجرد غضب على انقطاع التيار الكهربائي فقط، بل تعكس أيضًا حالة إحباط عام تجاه الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تلقي بظلالها على حياة المواطنين.
يتزامن ذلك مع تفاقم أزمة مصرف ليبيا المركزي والإغلاق المتكرر للحقول النفطية، ما يضعف قدرة الدولة على توفير الخدمات الحيوية للمواطنين.
ومع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز 40 درجة مئوية في بعض مناطق ليبيا، يعاني المواطنون من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي. وفي مناطق جنوب طرابلس، مثل عين زارة، باتت الكهرباء تنقطع أكثر من عشر ساعات يوميًا. وفي هذا السياق، يقول أحد المتظاهرين، سليم النعمي، لـ”العربي الجديد”: “الكهرباء تنقطع في أشد أوقات الحاجة إليها، ونحن نعيش في ظروف لا تُحتمل”.
لكن الأزمة لا تقتصر على عين زارة، ففي شارع الحي الإسلامي بمنطقة غوط الشعال غرب طرابلس، تجمع المتظاهرون مساء السبت (07 سبتمبر 2024م)، وأشعلوا الإطارات في الطرقات تعبيرًا عن غضبهم من تزايد ساعات طرح الأحمال. أحد المحتجين، أحمد الرحيبي، صرّح لـ”العربي الجديد”: “في البداية كانت الأزمة محدودة بساعتين يوميًا، أما الآن فقد تجاوزنا سبع ساعات، ولا يبدو أن هناك حلًا قريبًا”.
تأتي أزمة الكهرباء في وقت يعاني فيه قطاع الطاقة من ضغوط شديدة بسبب إغلاق عدد من الحقول النفطية، ما أثر بشكل مباشر على قدرة شركة الكهرباء على تأمين الوقود الخفيف المطلوب لتشغيل محطات التوليد، خاصة في ظل تزايد الطلب على الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة.
بالإضافة إلى التأثير المباشر لإغلاق الحقول النفطية على قطاع الكهرباء، تتفاقم الأوضاع الاقتصادية بشكل عام بسبب أزمة مصرف ليبيا المركزي، إذ أدى الانقسام بين الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب إلى شلل مالي، حيث لم تعد الحكومة قادرة على تخصيص الأموال لتطوير القطاعات الحيوية أو لتأمين السيولة المطلوبة للاقتصاد.
ولقد أكد خبراء اقتصاد لـ”العربي الجديد” أن استمرار هذا الانقسام سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، ما سيعمق الفجوة بين الحكومة والمواطنين.
أزمة الكهرباء
وتحدث المحلل الاقتصادي عبد الناصر الكميشي، لـ”العربي الجديد”، عن أن استمرار الأزمة من دون حل قد يقود إلى تداعيات سلبية بعيدة المدى، ليس فقط على مستوى الخدمات بل على مستوى الاستقرار المالي للدولة الليبية.
وأوضح أن الحل لا يكمن في إعادة فتح الحقول النفطية وتزويد محطات الكهرباء بالوقود المطلوب فقط، بل يتطلب أيضًا توحيد المؤسسات المالية، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي، لضمان توفير السيولة والتمويل اللازمين لتطوير البنية التحتية.
وصرفت الشركة العامة للكهرباء حتى نهاية شهر يوليو الماضي 2.5 مليار دينار (نحو 520 مليون دولار) على مشروعات التطوير والتنمية. وتستمر ليبيا في دعم أسعار تعرفة الكهرباء حسب بيانات مصرف ليبيا المركزي.
يذكر أن مصرف ليبيا المركزي أعلن، الخميس الماضي، استئناف جميع عملياته المصرفية بعد إصلاح الأنظمة المعطلة، مشيرًا إلى عودته إلى “حالته الطبيعية”، لكن الأزمة الاقتصادية في ليبيا تفاقمت خلال الأيام الأخيرة، فقد شهدت أسعار السلع قفزات كبيرة وتدهور سعر الصرف في السوق الموازية بشكل حاد، ما أدى إلى حالة من الهلع بين المواطنين الذين هرعوا لتخزين السلع الأساسية.
وقرر مصرف ليبيا المركزي فتح طلبات الاعتمادات المستندية الواردة من المصارف التجارية منذ الخميس الماضي، في محاولة لتخفيف مشاكل شح السلع في الأسواق المحلية جراء تصاعد الانقسامات المالية.