العربي الجديد-
تشهد الحالة السياسية في ليبيا نشاطا جديدا في طور الاستعداد لسلسلة اجتماعات مقبلة، دون وضوح تام في رؤيتها التي يمكن أن ترتب ملفاتها، خاصة مع انحصار موضوعها في التشاور حول القوانين الانتخابية وتوحيد الحكومة.
ومنذ أشهر تعيش العملية السياسية جمودا لم تتمكن اللقاءات والمشاورات التي تعقدها القائمة بأعمال البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري منذ توليها مهامها مطلع مايو الماضي من اختراقها حتى الآن، في الوقت الذي يستعد فيه رؤساء مجلس البلاد الثلاثة، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عقد اجتماع ثان في القاهرة منتصف الشهر الجاري برعاية الجامعة العربية، لمواصلة مشاوراتهم التي بدأت في مارس الماضي لمناقشة التوافق على القوانين الانتخابية وتوحيد السلطة التنفيذية.
وكشف تكالة، خلال كلمة له في اجتماع مجلس الدولة مساء الأمس، عن تحضيرات تجرى “على مختلف المستويات لتوفير الظروف الملائمة” لعقد اللقاء الثلاثي الثاني منتصف هذا الشهر، مشيرا الى أن اللقاء المرتقب سيستمر في مناقشة “التوافق على النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، وإخراج سلطة تنفيذية موحدة”.
في غضون ذلك، من المرجح أن يستأنف الأسبوع المقبل عدد من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة اجتماعاتهم لمناقشة إمكانية تنسيق الجهود بين المجلسين لعقد ملتقى جامع يؤكد ضرورة المضي في تشكيل حكومة موحدة وإجراء الانتخابات وفقا للقوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب في أكتوبر الماضي. وفيما لم تعلن خوري عن أي موقف للبعثة حيال المشاورات الثلاثية في القاهرة ومشاورات أعضاء مجلسي النواب والدولة، واصلت لقاءاتها بمختلف الأطراف الليبية، وآخرها عقيلة صالح، الذي أكد لها ضرورة تمسك مجلسه بتشكل حكومة موحدة في جميع أنحاء البلاد لإنجاز الاستحقاق الانتخابي.
الناشط بن نور: التعقيد السياسي في ليبيا تجاوز الجمود
ولا يرى الناشط السياسي شعبان بن نور “أي نتائج منتظرة لهذه الاجتماعات، لأن التعقيد السياسي تجاوز الجمود إلى مرحلة أكثر خطورة أصبح فيها الاستحقاق الانتخابي مظلة للصراع من خلال القوانين الانتخابية التي شرعنها مجلس النواب ويطالب بتنفيذها لكن الهدف هو موادها الخاصة بتشكيل حكومة جديدة بهدف إزاحة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وهو الآخر يعارضها بشدة ويطالب بقوانين عادلة كما يصرح والهدف هو بقاؤه في الحكم، فأي نتائج يمكن أن تصل إليها هذه الاجتماعات في ظل هذا التعقيد الشديد”.
ووفقا لقراءة بن نور في حديثه مع “العربي الجديد”، فإن الاجتماعات التي يجري التجهيز لها تتجه في مسارين للضغط على حكومة الدبيبة، الأول إقليمي كما في القاهرة؛ يحاول العمل تحت مظلة الجامعة العربية، والثاني داخلي كما في اجتماعات أعضاء المجلسين؛ يحاول العمل تحت شرعية المجلسين، وكلا الاتجاهين يركز على تعزيز مكانة القوانين الانتخابية بهدف إقصاء الدبيبة وحكومته وإنشاء حكومة جديدة لن يطول عمرها لتكرر الانقسام بسبب عمق الخلافات بين قادة الصراع المحليين.
وفي الاتجاه الأول، يوضح بن نور أن الدبيبة “استشعر خطره، ولذا استبقه بعدة تحركات، كاجتماعه بتكالة والمنفي مؤخرا، وهو ما لا يمكنه فكه عن سياق اجتماع القاهرة المقبل، فكلاهما أساسيان في الاجتماع الثلاثي المقبل وإعلانه هو دون غيره عن اللقاء يعني نجاحه في التأثير عليهما، ولقاؤه مع أبو الغيط هدفه محاولة التأثير عليه لكونه الراعي للقاء المقبل، لكن هل نجح في هذا”.
وكان الدبيبة قد التقى الأسبوع الماضي تكالة والمنفي لمناقشة عدد من الملفات السياسية، من بينها ملف “دعم الجهود الدولية المبذولة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق قوانين عادلة ومتفق عليها، وتوحيد الجهود المحلية لإنهاء المراحل الانتقالية” وفقا لمكتبه الإعلامي. كما التقى في القاهرة بالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، على هامش مشاركته في المؤتمر الاستعراضي الإقليمي المنعقد في القاهرة للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة في المنطقة العربية، وناقش معه سبل تفعيل دور الجامعة العربية في الملف السياسي الليبي، واستعرض معه نتائج الجلسة الليبية الثلاثية التي نظمتها الجامعة العربية في مارس الماضي، وفقا للمكتب الإعلامي للدبيبة.
بينما الاتجاه الثاني، بحسب بن نور، “لا يشكل تأثيرا كبيرا، فأعضاء المجلسين لا يتلقون رعاية في مشاوراتهم من رئاسة المجلسين وعليه فنتائج اجتماع المقبل لن تتغطى بالشرعية اللازمة، خاصة بعد أن أخطأوا بعقد اجتماعهم السابق في أحضان المعارضة السياسية في مصراتة للدبيبة، ما قلل من شأن حديثهم عن القوانين الانتخابات ومطلب الانتخابات وأظهر هدفهم إسقاط الدبيبة فقط”، في إشارة إلى اجتماع أعضاء المجلسين في مصراتة، مطلع يونيو الماضي، برعاية تيار فبراير الذي يضم عددا من المكونات السياسية والاجتماعية المعارضة للدبيبة في مصراتة.
وبالإضافة إلى ذلك، يذكّر بن نور بقرب إجراء مجلس الدولة انتخابات جديدة في أغسطس المقبل لاختيار رئيس جديد للمجلس، ما يقلل من أهمية أي نتائج يتوصل إليها لقاء القاهرة المقبل في ظل تمثيل تكالة لمجلس الدولة فيه، لا سيما وأنه لا يملك حظوظا لانتخابه رئيسا لدورة جديدة في ظل تحفز الرئيس السابق خالد المشري للترشح مجددا، مشيرا إلى أن عودة المشري أو غيره لرئاسة مجلس الدولة “تعني بدء سلسلة مشاورات جديدة مع مجلس النواب ويطول معه أمد التوافق”.
من جهته، يوافق أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي، على عدم نجاعة الاجتماعات المقبلة في توصلها إلى نتائج جديدة يمكن أن تدفع بالعملية السياسية، لكنه يلفت إلى عامل آخر وراء اعتقاده هذا، وهو غياب رعاية البعثة الأممية “صاحبة الرأي الحاسم في أي تقارب أو اتفاق جديد، إذ لم تهتم بهذه الاجتماعات إن كان بالمشاركة أو حتى التعليق عليها”.
ويعتبر النفاتي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذا الغياب من جانب البعثة الأممية يترجم الموقف الدولي غير الواضح؛ وعليه فإن الاجتماعات الليبية المقبلة “ستكرر إظهار صورة اختلاف الموقف الدولي والإقليمي الحاسم في أي نقلة في العملية السياسية إلى الأمام، فحتى وإن بدا واضحا في المواقف الدولية والإقليمية ضرورة إحداث تغيير سياسي في ليبيا إلا أن تصور شكل هذا التغيير لا يزال غائبا، إما توحيد الحكومتين أو تشكل حكومة جديدة”.
ويرى النفاتي أن أرجح السيناريوهات المقبلة هو استمرار حالة الجمود لصالح انتظار وضوح خطط واستراتيجيات أقطاب الصراع التي باتت تشتد في الساحة الليبية، تحديدا واشنطن وموسكو، مشيرا إلى أن المشهد المقبل في ليبيا “يتسم بالغموض، فبينما تكدس موسكو السلاح في مناطق نفوذها في شرق وجنوب البلاد لهدف ما يتجاوز ليبيا، تختلف السياسة الأميركية، فهي تستعد لإرسال سفير جديد كما أعلنت قبل أسابيع لزيادة ثقل وجودها في ليبيا في غضون نشاط القائم بالأعمال الحالي الذي لم يتوقف عن عقد لقاءات سياسية مع كافة القادة الليبيين، لكنه في ذات الوقت ينشط في لقاءاته العديدة مع العسكريين في غرب البلاد”.
وعليه يرى النفاتي أن “الأولوية للنظر إلى فعالية وقوة هذا الصراع خاصة وأنه غير معلن في ظل استمرار الاجتماعات الروسية الكثيفة مع حفتر، والاجتماعات الأميركية بقادة غرب البلاد، ولهذا لا يوجد أفق منظور لاتضاح المعالم السياسية، وهو ما لم يضعه القادة الليبيون، والإقليميون باعتقادي، في حساباتهم”.