عربي 21
أثار إعلان مجلسي النواب والدولة التوصل لاتفاق حول توزيع المناصب السيادية وتوحيد السلطات التنفيذية، ردود فعل رافضة من قبل نواب وسياسيين بارزين، على رأسهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الذي شكك في اختصاص المجلسين، ودعاهما إلى إنجاز قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات.
على ماذا اتفق الطرفان؟
وأعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة؛ خالد المشري الاتفاق على تنفيذ مخرجات لقاء بوزنيقة المتعلقة بالمناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق تشريعات تجرى على أساسها تلك الانتخابات.
وتعيش ليبيا أزمة متواصلة وانقساما في المؤسسات الرسمية، في ظل وجود حكومتين تتنازعان السلطات بين الشرق والغرب، إحداهما برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتحظى باعتراف دولي، والأخرى برئاسة فتحي باشاغا وشكلها مجلس النواب.
وخلال مؤتمر مشترك عقد في العاصمة المغربية عقب اجتماع بينهما، قال المشري وعقيلة، إن الطرفين اتفقا على تنفيذ مخرجات مسار بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية، في غضون الأسابيع المقبلة على ألا يتعدى نهاية العام في كل الأحوال والعمل من أجل أن تكون السلطة التنفيذية واحدة في ليبيا، في أقرب الأوقات، وفق التفاهمات والآليات المتفق عليها بين المجلسين.
كما اتفق الطرفان على استئناف الحوار والقيام بما يلزم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق تشريعات واضحة وذلك بالتوافق بين المجلسين.
مسار بوزنيقة
وتشمل المناصب السيادية: محافظ المصرف المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، ومنصب النائب العام.
ومسار مدينة بوزنيقة المغربية بدأ في يناير 2021 بهدف تقريب وجهات النظر بين مجلسي النواب والدولة بشأن توزيع المناصب السيادية وتثبيت وقف إطلاق النار، حيث شكلت في حينه لجنة (13+13) من كلا الطرفين.
ومن بين المناصب السيادية التي أجرت أطراف النزاع مباحثات لشغلها؛ رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، والنائب العام، ورئاسة البنك المركزي، ورئاسة مؤسسة النفط، ورئاسة المخابرات العامة.
وسبق أن احتضن المغرب 5 جولات من الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، توجت في كانون الثاني/ يناير 2021 بالتوصل إلى اتفاق على آلية تولي المناصب السيادية، بالإضافة إلى لقاء بين وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب حول قانون الانتخابات خلال سبتمبر 2021، وزيارات أخرى لوزراء ومسؤولين ليبيين للرباط خلال عام 2022.
الدبيبة يرفض
وفي أول ردود الفعل طالب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الرجلين، بالإسراع في اعتماد قاعدة دستورية عادلة تنهي المشكل القانوني الذي يمنع إجراء الانتخابات، مشيرا إلى أن الحديث عن مسارات موازية مثل تقاسم المناصب السيادية، لم يعد مقبولا وأن الليبيين يطالبون بإجراء الانتخابات.
من جهته دعا الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة في تصريح بثته قناة “ليبيا الأحرار” مجلس النواب إلى العمل على إصدار قانون الانتخابات وتحقيق تطلعات الليبيين، مؤكدا أن السلطة المنتخبة القادمة هي المخولة بتسمية شاغلي المناصب السيادية وأن على مجلسي النواب والدولة التوافق حول قاعدة دستورية تمهد لإجراء الانتخابات.
وأوضح حمودة أن الهدف الرئيسي في هذه المرحلة هو المحافظة على الاستقرار والتركيز على الاستحقاق الانتخابي، مشيرا إلى أن دور الحكومة يتمثل في التهيئة للعملية الانتخابية وعلى مجلسي النواب والدولة التوافق حول قوانينها.
وردا على تعليق الدبيبة قال المشري في تغريدة على حسابه بتويتر: “كفى بيعا للأوهام للشعب وعليك بتوفير العلاج لمرضى الأورام والكتاب المدرسي لأبنائنا الطلبة”، مضيفا: “لا علاقة لك بما هو ليس من اختصاصك.. فقط قم بعملك”.
وفي أول تعليق له على الاتفاق، قال المجلس الرئاسي: إنه تابع اجتماع الرباط بتفاؤل وحث رئيسي مجلسي النواب والدولة على سرعة إنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات قبل نهاية العام.
وأضاف الرئاسي في بيان له: “على مجلسي النواب والدولة الالتزام والتقيد الحرفي بنصوص خارطة الطريق باعتبارها المفسر للاتفاق السياسي”.
اتفاق يثير جدلا
وفي تعليق له، قال عضو مجلس النواب علي التكبالي، إن الاتفاقات التي حدثت في المغرب كانت بين رئاستي المجلسين وليس مع كل الأعضاء، مؤكدا أن تنفيذ هذه المخرجات يستدعي عرضها داخل جلسات رسمية وبموافقة الأعضاء.
وشدد التكبالي في تصريح لقناة فبراير المحلية على أن “عقيلة صالح وخالد المشري يريدان توزيع المناصب السيادية حسب المحاصصة بين الشرق والغرب والجنوب (..)، وتسمية المناصب وكذلك محاولات تغيير السلطة التنفيذية في هذا الوقت سيزيد من تعميق الأزمة السياسية في ليبيا”.
وشدد على أن “الأولى كان في السعي نحو توحيد الجسم التشريعي وذلك بالإسراع في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية”، مشددا على أن الجسم المنتخب التشريعي الموحد هو من يسمي المناصب السيادية.
بدوره، قال عضو المجلس الأعلى للدولة عبد القادر حويلي للمصدر نفسه: ما يفعله عقيلة والمشري ليس توافقا بين المجلسين، مشددا على أن الطرفين كان عليهما التصريح بأنهما توافقا على عرض ما تم التوصل إليه على المجلسين لمناقشته وإقراره.
أما عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور نادية فقد قالت: “كان الأحرى برئيسي مجلسي النواب والدولة التوافق على المسار الدستوري ومنح الشعب حقه في الانتخابات والاستفتاء على الدستور”، في حين قال رئيس حزب الجبهة الوطنية عبد الله الرفادي: “كنا ننتظر توافقا على إجراءات دستورية لإجراء الانتخابات، لا الاتفاق بين رجلين لتقسيم المناصب، تكون حصة عقيلة فيه البنك المركزي ليجهز على ما تبقى من ثورة فبراير”.
وفي تعليق سابق له، قال المحلل السياسي السنوسي إسماعيل السنوسي، إن “المشكلة ليست في خطوات تطبيق اتفاق المجلسين حول إعادة تشكيل مجالس إدارات المؤسسات السيادية، فهي واضحة ومفصلة بدقة، لكن المشكلة في حجم وقوة الاستقطاب الذي يمارسه رؤساء المؤسسات، ومن تحالف معهم من القوى السياسية أو المسلحة، حيث تمارس ضغوط قوية على المجلسين، لا سيما مجلس الدولة”.
وأضاف: “ملف المؤسسات السيادية سيكون بلا شك صعب التوافق، خاصة فيما يتعلق بمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي ومجلس إدارته، ولكن لو مضت الأمور على الوتيرة الحالية من حيث تخفيف التوتر وتقليص مساحة الخلافات، فإن المجلسين لن يبرحا حتى يتفقا حول كافة النقاط الخلافية، وسيتم غالبا تنفيذ اتفاق المغرب، بعد أن فتح الباب واسعاً أمام التغيير وضخ الدماء الجديدة في كافة المؤسسات الليبية”، حسب تصريحه لـ”عربي21”.
أما الباحث والكاتب موسى تيهوساي فقد قال في تعليق على حسابه بتويتر، إن دلالة توقيت مباحثات المشري وعقيلة بالمغرب لا تبشر بنية حسم أي خلاف في الأزمة الليبية لا مناصب سيادية ولا قاعدة دستورية، مشيرا إلى أن ما جرى “مجرد محاولة لاستغلال تراجع دور المجتمع الدولي حول ليبيا بسبب النزاع في أوكرانيا وضعف المبعوث الجديد، ولا يوجد أي جديد سوى تعزيز أدوات البقاء في المشهد حتى الموت”. وفق قوله.