العربي الجديد-
كشفت مصادر ليبية متطابقة لـ”العربي الجديد” عن اتفاق عدة دول معنية بالأزمة الليبية على تدشين مسار سياسي ليبي جديد من خلال البعثة الأممية في ليبيا يهدف إلى تغيير كبير في الهياكل السياسية الليبية. جاء ذلك بعد أيام من بدء اجتماع دولي سبق وأن كشفت مصادر ليبية في تصريحات لـ”العربي الجديد” أنه سيبدأ يوم الأربعاء ولمدة ثلاثة أيام في لندن ويضم مجموعة العمل الدولية الخاصة بليبيا، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ومصر وتركيا، دون أي تمثيل ليبي، وأن الاجتماع يهدف إلى الاستماع لرؤية البعثة الأممية بشأن عملية سياسية شاملة تستعد لإطلاقها قبل نهاية ديسمبر الجاري، ومناقشة تفاصيلها.
وفي تفاصيل نتائج اجتماع لندن، أوضح مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ”العربي الجديد” أن الأوساط السياسية الليبية باتت على علم بعزم البعثة الأممية إطلاق حوار سياسي شامل يضم تمثيلاً لعدد من الشرائح الليبية الفاعلة، مثل مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والفاعلين الاجتماعيين، بالإضافة لممثلين عن مجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي ومجموعات عسكرية وأمنية بالبلاد تختارها البعثة.
وأشار المصدر نفسه إلى أن خطة البعثة ستنتهج إجراء الحوار في عدة مستويات؛ أولها حوار لوضع قواعد لإعادة بناء الثقة بين الخصوم السياسيين والشرائح المجتمعية الأخرى، لكن الحدث الأهم في العملية السياسية المنتظرة، وفقاً لمعلومات المصدرين، يتمثل في أمرين؛ الأول تشكيل حكومة موحدة تشرف على تنفيذ ترتيبات أمنية واقتصادية موحدة في البلاد، من خلال العديد من تصورات الحل من بينها دمج الحكومتين بواقع حقائب وزارية محددة، والثاني وضع القوانين الانتخابية التي أنجزها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة العام الماضي موضع النقاش ضمن حوارات العملية السياسية بهدف النظر في إمكانية تنفيذها من خلال تصورات عديدة منها، الاكتفاء بإجراء انتخابات برلمانية وتأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية.
وحول تعاطي الأطراف الليبية مع نتائج اجتماع لندن، توافقت معلومات المصدرين حول إدراك الجميع بأن العملية السياسية المقبلة حاسمة بالنسبة للوضع السياسي الحالي القائم على الانقسام، وسط محاولاتهم التماهي معها بمحاولة إيجاد موضع قدم في خارطة التغيير القادمة. وقبيل انطلاق اجتماع لندن الأربعاء الماضي، سرّبت وسائل إعلام مقربة من مجلس النواب قائمة بأسماء المترشحين لرئاسة حكومة جديدة، في تماهٍ واضح مع عزم العملية السياسية المنتظرة طرح تصوراتها بشأن إنشاء حكومة موحدة، كما تنص القوانين الانتخابية على ذلك، خاصة أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح صرح عدة مرات بضرورة إنشاء هذه الحكومة خطوةً أولى في طريق تنفيذ القوانين الانتخابية، بل ورهن تنفيذ القوانين على إنشاء الحكومة كونها من ستشرف على إجراء الانتخابات
وفيما لم تعلن مجموعة العمل الدولية حتى الآن عن نتائج الاجتماع، أعلنت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، ستيفاني خوري، ليل الجمعة عبر منصات البعثة الإلكترونية على فيسبوك وإكس، عن مشاركتها في اجتماع عقدته وزارة الخارجية البريطانية لمناقشة استقرار سياسي دائم في ليبيا. وفيما وصفت خوري الاجتماع بـ”التشاوري” وأنه استمر لـ”ثلاثة أيام”، ذكرت أن الاجتماع انعقد في “إطار الجهود المتواصلة لحشد دعم الدول الأعضاء لعملية سياسية بقيادة ليبية وبتيسير من الأمم المتحدة”. ودون أي تفاصيل حول نتائج الاجتماع، علقت بالقول “من المشجع أن ألمس الدعم الدولي لجهود الأمم المتحدة لوضع ليبيا على مسار مستدام نحو الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة”.
وفي الجانب الآخر، أجرى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، عدة لقاءات تناولت قضايا متعلقة بالعملية السياسية، منها لقاؤه برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أعلنا خلاله التزامهما بالتنسيق المستمر بين المؤسسات الوطنية لـ”الحفاظ على حالة الاستقرار وتعزيزها في ليبيا”، من خلال كل ما “يمهد الطريق لتحقيق انتخابات حرة ونزيهة تُلبي تطلعات الشعب الليبي في بناء مستقبل مزدهر وآمن”.
وأوضح المكتب الإعلامي للدبيبة أن لقاءه مع المنفي “تمحور حول أهمية توحيد الجهود، لإنهاء المراحل الانتقالية والانتقال الفوري نحو تنفيذ الانتخابات”، وتأكيد ضرورة “إيجاد البدائل والمقترحات الممكنة التي يمكن عرضها على الشعب الليبي، لإبداء رأيه بشأنها، والمشاركة في تحديد المسار الأمثل”، في إشارة إلى عزمهما تفعيل مفوضية الاستفتاء التي يهدف المجلس الرئاسي من خلالها إلى عرض قرارات مجلس النواب السياسية والخاصة بالانتخابات على الشعب للاستفتاء عليها، وهي الخطوة التي عارضها مجلس النواب بشدة، مؤكداً أنه مجلس منتخب من الشعب ويستمد شرعيته منه.
وفي سياق لقاءات الدبيبة المتزامنة مع اجتماع لندن، التقى الأربعاء الماضي بأعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الدائم للبلاد، وطالب خلال الاجتماع بضرورة تفعيل دور الهيئة لتنفيذ الاستحقاق الدستوري، واتهم مجلس النواب تعطيل تنفيذ هذا الاستحقاق وعرقلته. ويُنتظر أن يقدم خوري إحاطة جديدة إلى أعضاء مجلس الأمن في النصف الثاني من الشهر الجاري حول مستجدات الوضع في ليبيا، بعد أربع محطات سابقة قدمتها منذ توليها مهامها قائماً بأعمال رئيس البعثة، حثت في جميعها المجتمع الدولي على ضرورة تقديم الدعم لأعمال البعثة من أجل استئناف العملية السياسية، وحذرت من الوضع القائم في ليبيا.
ومطلع نوفمبر المنصرم قرر مجلس الأمن تمديد ولاية البعثة الأممية حتى نهاية يناير المقبل، وكذلك تجديد شرعية اتفاق الصخيرات السياسي الموقع نهاية 2015، وخريطة طريق مفاوضات ملتقى الحوار السياسي في جنيف الموقع عليها في نوفمبر 2020، والقوانين الانتخابية التي صاغتها لجنة (6+ 6) المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
ومنذ توليها مهامها قائما بأعمال رئيس البعثة، أي منذ استقالة المبعوث السابق عبدالله باتيلي منتصف إبريل الماضي، أجرت خوري العديد من اللقاءات مع القادة الليبيين، وفي عدد من الدول الإقليمية والدولية المعنية بالملف الليبي، من دون أن تعلن عن أي مبادرة سياسية جديدة، بعد فشل المبادرة التي أطلقها باتيلي في نوفمبر العام الماضي، وتهدف إلى عقد طاولة حوار سياسي خماسي، تضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، بالإضافة إلى حفتر، بسبب الاشتراطات التي وضعها كل طرف لإقصاء الآخر.