اخبارالرئيسيةعيون

إنعاش الإسكان في ليبيا بأدوات المصرف المركزي

العربي الجديد-

في محاولة لتحريك أحد أكثر القطاعات جموداً في البلاد، أطلق مصرف ليبيا المركزي في الآونة الأخيرة، مبادرة جديدة لتمويل مشاريع الإسكان المتوقفة منذ سنوات، وبينما يؤكّد المصرف أن الدعم المالي سيكون “محرّكاً للتنمية”، يرى خبراء اقتصاديون، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أنّ نجاح هذا التوجه يتطلّب توازناً دقيقاً لتفادي تداعيات نقدية محتملة.

وقال محافظ المصرف المركزي ناجي محمد عيسى، خلال ورشة عمل نُظّمت في طرابلس بعنوان “دور القطاع المصرفي في إعادة تنشيط مشروعات الإسكان المتوقفة”، إنّ المصرف “ملتزم بتسهيل الإجراءات وتفعيل أدوات تمويل مناسبة”، داعياً إلى شراكة بين المؤسّسات الحكومية والمصارف لتوفير حلول تمويلية “تستجيب لحاجات السوق المحلية”، وأشار عيسى إلى إمكانية تخصيص دعم سنوي يصل إلى خمسة مليارات دينار ليبي (حوالى 900 مليون دولار، بحسب سعر صرف يبلغ 5.5 دنانير للدولار)، معتبراً أن هذا التمويل يمثل “ركيزة أساسية في خطط التنمية المقبلة”.

من جهته، قدّم فيصل بن دردف، المدير العام للبرنامج الوطني للإسكان، عرضاً حول الاحتياجات السكنية حتّى عام 2030، مؤكداً أهمية تأسيس منصة دائمة للحوار تجمع بين المطوّرين العقاريين والمصارف وصنّاع القرار، مع إشراك الشباب والمهنيين، لضمان استدامة هذه المشاريع.

ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن تدخّل المصرف المركزي لدعم مشاريع الإسكان لا يشكّل خروجاً عن دوره التقليدي، بل يُعد تكيّفاً ذكياً مع ظروف اقتصادية استثنائية تمرّ بها البلاد منذ أكثر من عقد. فمع توقف المشاريع العمرانية وتراجع الاستثمارات، باتت السياسات النقدية ذات الطابع التنموي ضرورة وطنية وليست مجرد خيار.

وفي هذا السياق، اعتبر المحلل المالي صبري ضو أن “توظيف الفوائض المالية الراكدة في تمويل وحدات سكنية قابلة للبيع يحقق أهدافاً اقتصادية مزدوجة، من بينها تحفيز السوق وضبط السيولة”، وأضاف في حديثه لـ”العربي الجديد” أنّ نجاح المبادرة مرهون باعتماد “نموذج تمويلي ذكي” لا يُربك الاستقرار المالي، مشدداً على أن المصرف يستطيع أن يؤدي دوراً أكبر من مجرد تنظيم السياسة النقدية، ليكون “شريكاً فعلياً في عملية إعادة الإعمار”.

في المقابل، دعا الخبير المصرفي عادل الكيلاني إلى توخي الحذر، معتبراً أن التدخّل “يجب أن يكون جراحياً ودقيقاً”، واقترح تفعيل أدوات تمويل عقاري تقليدية وإسلامية، إضافة إلى إصدار صكوك إسلامية متوسطة وطويلة الأجل، وإعادة تدوير السيولة الراكدة التي تُقدّر بأكثر من 40 مليار دينار.

وقال الكيلاني لـ”العربي الجديد” إنّ على المصرف أن يؤدي دور “المايسترو” في تنسيق العلاقة بين الحكومة والمصارف والمطورين العقاريين، مع ربط المبادرات التمويلية بمؤشرات النمو والطلب الحقيقي في السوق.

أما المحلل الاقتصادي مختار الجديد، فطرح رؤية مغايرة، محذراً من ضخ القروض دون ضوابط، لأنها، حسب تعبيره، “تشبه الإنفاق الحكومي في تأثيرها السلبي على سعر الصرف والتضخم”. ودعا بدلاً من ذلك إلى “سحب السيولة لا ضخّها”، من خلال بيع الوحدات السكنية المتوقفة، ما يسهم في تقليص الكتلة النقدية وتحقيق توازن بين العرض والطلب.

تجدر الإشارة إلى أنّ معظم الشركات الأجنبية كانت قد توقفت عن العمل في ليبيا منذ اندلاع ثورة فبراير 2011، وأسهم التوتر السياسي القائم في استمرار تعطّلها، بعدما تكبّدت خسائر فادحة خلال السنوات الماضية، وتُقدّر وزارة التخطيط في تقريرها لعام 2020 العجز المتراكم في الوحدات السكنية بنحو نصف مليون وحدة سكنية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى