الأناضول-
يمثل إغلاق حقول النفط الليبية سلاحا ذا حدين لحكومة فتحي باشاغا المكلفة من البرلمان في ظل سعيه لدخول العاصمة طرابلس، غير أنه ينأى بنفسه عن تبني الخطوة خشية من الإضرار بموقفه دوليا، وفق مراقبين.
وتشهد ليبيا حالة انقسام سياسي، وسط مخاوف من الانزلاق لحرب أهلية إثر تنصيب مجلس نواب طبرق (شرق) باشاغا رئيسا لحكومة جديدة مطلع مارس الماضي، بدلا من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
ويرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عن طريق برلمان جديد منتخب، وسط مطالبات دولية بتجنيب قطاع النفط هذا الانقسام.
وفي ظل تصاعد المخاوف من عودة المعارك للبلاد بعد تحشيدات مسلحة بين مؤيدي الحكومتين بالعاصمة طرابلس، يرى مراقبون أن الاحتكام للقوة أمر يرفضه المجتمع الدولي، مرجحين أن يكون النفط هو الورقة التي قد يستخدمها باشاغا لدخول طرابلس دون الاحتكام إلى السلاح.
وبعد عجز باشاغا عن دخول طرابلس لأكثر من شهر، أعلن أعيان بشرق وجنوب البلاد إيقاف إنتاج وتصدير النفط من مناطقهم لحين تسليم حكومة الدبيبة السلطة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، بحسب بيانات مصورة أمام ميناء الزويتينة (شرق) وحقل الفيل والشرارة (جنوب).
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، في بيانات متلاحقة، “القوة القاهرة” في حقول الفيل والشرارة والزويتينة والبريقة النفطية، حتى إشعار آخر لتوقف الإنتاج فيها، بسبب إغلاقها من محتجين.
وحالة “القوة القاهرة” هي حماية قانونية ضد المسؤولية المترتبة على عدم قدرة أطراف التعاقد في قطاع النفط على الإيفاء بالالتزامات نتيجة أحداث خارجة عن سيطرة الأطراف المتعاقدة.
وجراء ذلك، حذرت وزارة النفط بحكومة الوحدة الوطنية في بيان لها الأحد، من حرمان البلاد من عوائد مجزية، ودعت إلى “إعلاء المصلحة الوطنية وعدم الاستجابة لأي طرف سياسي للزج بقطاع النفط في المعركة السياسية لتحقيق مكاسب”.
وأضافت الوزارة أن إقفال الحقول والموانئ سينجم عنه خفض الإنتاج قسرًا، ما يمنع الحصول على عوائد مجزية منتظرة إثر بيع النفط والغاز مستفيدين من الارتفاع الحاصل في الأسعار العالمية.
** خطوات سبقت الإغلاق
في هذا الصدد، يعتبر المحلل السياسي فرج فركاش، في حديث للأناضول، أن “خطوة إغلاق الحقول والموانئ النفطية في ليبيا لن تكون في مصلحة حكومة فتحي باشاغا”.
ويرى أن “خطوة الإغلاق هي بالدرجة الأولى هدف عكسي لأطراف صفقة التمديد وتقاسم السلطة” (في إشارة للأطراف المؤيدة لحكومة باشاغا في البرلمان والمجلس الأعلى للدولة وقوات الشرق الليبي بقيادة خليفة حفتر).
ويقول إن “موضوع إغلاق النفط تم التمهيد له خلال الأيام الماضية بعد مطالبة ممثلي قوات حفتر في اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، بإغلاق النفط”.
ويضيف أن “ما حدث اليوم وما تم ملاحظته بأن كل البيانات الداعية للإغلاق كانت نفسها وبصيغة موحدة مع تغيير اسم المنطقة فقط، وكأن ذلك تعميم، خاصة أن من خرج في بيانات الإغلاق هم محسوبون على حفتر”.
وتابع: “رغم عدم تبني القيادة العامة (في إشارة لحفتر) حتى الآن للخطوة، لكن هذه المجموعات لا يمكن أن تخرج دون أن يكون لها إذن مسبق بدليل أن البيانات تم بثها في قناة الحدث الموالية لحفتر”.
وقبل أسبوع أعلن ممثلو قوات حفتر في لجنة 5+5 عبر بيان لهم تعليق أعمالهم باللجنة، مطالبين حفتر بإصدار أمر إيقاف تصدير النفط وقفل الطريق الساحلي وإيقاف الرحلات الجوية بين الشرق والغرب.
وجاء موقف ممثلي حفتر في اللجنة العسكرية ردا على رفض حكومة الدبيبة تسليم السلطة للحكومة المكلفة من البرلمان في طبرق.
وتضم اللجنة العسكرية المشتركة 5 أعضاء من الحكومة، المعترف بها دوليا، و5 من طرف قوات خليفة حفتر.
** ورقة ضغط
ويشير فركاش إلى أن “كل البيانات الصادرة من المنطقة الشرقية والجنوبية والتي تنادي بإغلاق النفط، تقع تحت سيطرة حفتر وهو يعتبر أحد الاطراف المؤيدة لباشاغا”.
ويضيف أن “هذه البيانات تشير في الواقع إلى تململ وربما نوع من اليأس للأطراف المؤيدة لحكومة باشاغا وذلك لعدم قدرتها من تمكين الحكومة من الدخول للعاصمة وممارسة عملها”.
ويعتقد المحلل السياسي أن استخدام ورقة النفط من قبل الأطراف المؤيدة لباشاغا كإحدى وسائل الضغط يعتبر “تصورا خاطئا”.
ويتوقع حدوث خلافات بين مؤيدي هذه الخطوة والمعارضين لها قريبا، لافتا إلى أن “باشاغا كان قد عبر في لقاءات صحفية مؤخرا، عن رفضه استخدام النفط كوسيلة للضغط لتمكين حكومته”.
ويوضح أن هذا الموقف من باشاغا “يشير إلى اختلاف بالرأي في أوساط صفقة التمديد أو نوع من عدم الاتفاق على هذا الموضوع”.
ويرى أن “عملية إغلاق النفط لن يكون لها تأثير على حكومة الدبيبة ولن تسبب لها أي ضرر لأن الأخير ما زال متحالفا مع رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الذي لديه من الاحتياطي ما يكفي لتمويل حكومة الدبيبة”.
والأحد الماضي، أدان باشاغا تحويل المؤسسة الوطنية للنفط إيرادات البيع لحكومة الدبيبة، وذلك بعد يومين من إعلان الأخيرة أن مؤسسة النفط أحالت 6 مليارات دولار على دفعتين لحساب وزارة المالية بمصرف ليبيا المركزي.
وكانت المؤسسة الوطنية المشرفة على بيع النفط تمنع تزويد حكومة الوحدة بالإيرادات تنفيذا لتعليمات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وخطة دولية بقيادة الولايات المتحدة تقضي بتجميد عائدات النفط لكي لا يستخدمها أي من الأطراف المتنازعة لصالحه.
** الموقف الدولي ليس في صالح باشاغا
ويؤكد فركاش أن “إغلاق الحقول والموانئ النفطية جاء في وقت حساس خاصة في ظل استمرار الصراع الروسي الأوكراني وازدياد الطلب على النفط والغاز الليبيين لتعويض النفط والغاز الروسيين بعد فرض العقوبات عليها”.
ويتابع: “لذلك سيعيد المجتمع الدولي بياناته المتكررة والرافضة لإغلاق النفط وأعتقد أنه سيكون هناك رضوخ باستمرار النفط”.
ويشير فركاش إلى أن “أي موقف دولي مندد لن يكون في صالح حكومة باشاغا، التي لن تجرؤ على دعم هذه المطالب خوفا من أن تكون في الجانب الخطأ لدى المجتمع الدولي خاصة الأوروبي والأمريكي بالتحديد”.
ويوضح المحلل السياسي أن “من سيتبنى هذه الخطوات سيوضع في موضع المعرقل”.