نوفا-
أدى مرور الإعصار شبه المداري “دانيال” في برقة ليلة الأحد 10 والاثنين 11 سبتمبر إلى كارثة ذات أبعاد هائلة، وهي أسوأ كارثة في ليبيا وواحدة من أخطر الكوارث في منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها، حيث أدى فشل سدين يعود تاريخهما إلى السبعينيات إلى غمر مدينة درنة الواقعة شمال غرب البلاد، والتي يبلغ عدد سكانها وحدها ما بين 50 ألف إلى 90 ألف نسمة، فيما اختفت أحياء بأكملها، حسبما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء.
وقدم وزير الصحة في حكومة الاستقرار الوطني الليبية، السلطة التنفيذية الليبية في الشرق وغير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، عثمان عبد الجليل، حصيلة أولية تزيد عن 3000 حالة وفاة، وهو رقم ارتفع لاحقًا إلى هناك 5,200 شخص في درنة وحدها، ولكن ما يثير القلق هو أن ما يصل إلى 100,000 شخص في عداد المفقودين في جميع أنحاء برقة.
وبالإضافة إلى درنة، في الواقع، هناك العديد من المناطق المتضررة الأخرى، مثل سوسة (8000 نسمة)، والمرج (80000 نسمة)، والبيضاء (250000 نسمة)، والمناطق الداخلية التي لا يُعرف عنها سوى القليل أو لا شيء على الإطلاق.
وانقطعت الاتصالات، والإنترنت والهواتف المحمولة لا تعمل، والعديد من الطرق مغلقة، ما أدى إلى بطء وصول المساعدة. من الصعب تفسير أسباب مثل هذه الكارثة: الإهمال، وتغير المناخ، وحقيقة أن الكثير من الناس كانوا نائمين عندما وصل الفيضان هي الأسباب المحتملة.
واجتاح إعصار “دانيال”، الذي بلغت سرعته 180 كيلومترا في الساعة وكميات قياسية من المياه، السدين اللذين بنتهما الشركة اليوغوسلافية “هيدروتينيكا-هيدروينرجيتيكا” عامي 1973-1979، ويعد أحدهما من بين أكبر خمسة سدود في البلاد، ممّا أدى إلى إطلاق ملايين الأمتار المكعبة من المياه التي ضربت منازل مدينة درنة التي يعود تاريخها إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بعنف غير مسبوق.
وبحسب دراسة نشرتها جامعة سرت في نوفمبر 2022، فإن حوض وادي درنة لديه “احتمال كبير للتعرض مخاطر الفيضانات”، فيما تتطلب السدود “صيانة دورية”، التحذير الذي يتساءل كثيرون عن سبب تجاهله.
ربما لأن البلاد، وهي عضو في منظمة أوبك+ النفطية، منقسمة إلى ائتلافين سياسي وعسكري يتقاتلان: من ناحية، حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، برئاسة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي وبدعم خاص من تركيا؛ ومن ناحية أخرى، حكومة الاستقرار الوطني، وهي في الواقع هيئة تنفيذية موازية مقرها في برقة، تحولت الآن إلى صندوق فارغ بلا مهام، لأن حفتر، يتولى القيادة في الشرق.
وفي مواجهة التأثير المدمر للإعصار، أعلنت حكومتا طرابلس وبنغازي الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام، فيما دعا مجلس النواب الليبي، الذي ينعقد في شرق البلاد، أعضاء المجلس الأعلى للدولة، وهو يوازي “مجلس الشيوخ” ومقره في طرابلس، للمشاركة في جلسة طارئة من المقرر عقدها يوم الخميس 14 سبتمبر في بنغازي.
وفي انتظار توصل السياسيين الليبيين إلى اتفاق بعد هذه المأساة، أصبحت درنة غير صالحة للسكن “ومن المرجح جدا أن يتم إخلاؤها”، حسبما أعلن وزير الطيران بحكومة الاستقرار الوطني الليبية (السلطة التنفيذية في شرق البلاد)، هشام أبو شكيوات، مع كل ما يتطلبه ذلك من حيث النازحين والوقاية من الأمراض والعدوى وإرسال المساعدات والمعدات، فضلا عن الأضرار الاقتصادية، ليس فقط على صعيد البنية التحتية وإعادة الإعمار.
ويعد شمال شرق ليبيا منطقة صناعية زراعية مهمة: حيث تأتي اللحوم والفواكه والخضروات من برقة إلى حد كبير من الماشية والزراعة في المنطقة الممتدة من المرج إلى درنة. سوف يستغرق الأمر سنوات، وربما عقوداً، حتى تتعافى ليبيا من أسوأ كارثة طبيعية في تاريخها الحديث.
وغادر الأربعاء فريق إيطالي مكون من أفراد من إدارة الحماية المدنية وفرقة الإطفاء الوطنية وقيادة عمليات قمة القوات المشتركة ووزارة الخارجية والتعاون الدولي “إلى ليبيا، بعد الدمار الذي خلفه إعصار دانيال في الجزء الشرقي من البلاد”، بحسب إدارة الحماية المدنية الإيطالية.
وتابعت إدارة الحماية المدنية “سيكون للفريق المتقدم، بتنسيق من إدارة الحماية المدنية، مهمة تقييم الوضع في المنطقة التي يمكن أن يتكشف فيها الالتزام الإيطالي والحصول على جميع المعلومات اللازمة لتنظيم تدخل منظم يبدأ في الأيام القليلة المقبلة بإيطاليا، وبذلك يستجيب لطلب الدعم الذي تقدمت به السلطات الليبية”.