الحرة-
أقل من شهرين تفصل الليبيين عن موعد إجراء الانتخابات، ولايزال الخلاف بين القوى السياسية حول توقيتها وقوانينها قائما، ما يثير شكوكا لدى بعض المراقبين بشأن إمكانية تنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده المحدد في 24 ديسمبر القادم.
فقد أصدر مجلس النواب في طبرق، الشهر الماضي، قانونا ينص على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، على أن تؤجل الانتخابات التشريعية إلى يناير المقبل، وأن يصادق مجلس النواب الحالي على تعيين الرئيس المنتخب.
في المقابل، يطالب المجلس الأعلى للدولة في الغرب، بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا في 24 ديسمبر المقبل، ومن ثم إجراء استفتاء على الدستور، وبعد ذلك انتخابات رئاسية.
وحضت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، من ناحيتها، البرلمان الليبي على احترام الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر.
وجاء في بيان أن البعثة “تتابع عن كثب الجهود الجارية لوضع الصيغة النهائية للإطار القانوني للانتخابات الوطنية في ليبيا”، وتدعو إلى انتخابات رئاسية وتشريعية “بشكل متزامن في 24 ديسمبر بما يتماشى مع خارطة الطريق السياسية الليبية”، بناء على المسار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في نوفمبر، وقرارات مجلس الأمن الدولي حول ليبيا.
“لا يزال الوقت كافيا“
يقول المحلل السياسي، محمد الأسمر، إن الوقت لايزال كافيا لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لكن الخلافات تلقي بظلالها على المشهد.
وأضاف الأسمر في تصريحات لموقع “الحرة” أن الانتخابات، بدلا من أن تكون مبعثا للأمل والتفاؤل، أصبحت مصدرا للقلق وعلامات الاستفهام، مشيرا إلى أن الجدل واللغط حول الانتخابات مساره عدم الالتزام بالمصلحة الوطنية وتغليب مصلحة جماعة وفئة معينة للقفز على الاستحقاقات الوطنية.
وذكر أن هذا اللغط بدأ منذ أبريل الماضي، عندما دعت القوى المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين في الغرب إلى إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، وأن يكون انتخاب الرئيس تحت قبة البرلمان.
وأوضح أن البعثة الأممية مسؤولة بشكل مباشر عما يحدث؛ لأنها لم تضبط في خارطة الطريق النصوص لكي تمنع الاجتهادات وتكون الانتخابات بالتوازي، مما جعل هذه المبادرات والمقترحات تهيمن على المشهد.
المحلل السياسي السنوسي إسماعيل، يعتقد أن الانتخابات ستجرى في موعدها، ولكن ليس بالشكل المطلوب أو في الظروف المثالية.
وأضاف السنوسي إسماعيل في تصريحات لموقع “الحرة” أنه أصبح من الصعب تأجيل الانتخابات، وكل يوم يمر يؤكد ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها.
وأشار إسماعيل إلى أن بعض الجهات والأحزاب والتيارات والمواطنين يطالبون بإجراء الانتخابات في موعدها بشكل متزامن، ويطالبون مجلس الدولة بالتعامل بمرونة مع قوانين الانتخابات.
مصير مجهول
أما المحلل السياسي، عبد الله الكبير، يرى أن مصير الانتخابات مازال مجهولا، رغم إصرار بعض الأطراف المحلية والدولية على إجرائها، مؤكدا أن احتمالات التأجيل واردة.
ويستبعد الكبير في تصريحات لموقع “الحرة” احتمال التوافق حول الانتخابات بين القوى السياسية، موضحا أن حجم التباين والخلاف حول قوانين الانتخابات بين مجلس الدولة والنواب كبير وعميق.
وقال إن الموقف الدولي يريد إجراء الانتخابات في موعدها بصرف النظر عن الخلافات حول قوانينها، وأشار إلى أن الموقف الدولي سوف يتضح بشكل أكبر في مؤتمر باريس القادم يوم 12 نوفمبر.
وأضاف أن “مؤتمر باريس سيظهر هل يستمر الاندفاع الدولي نحو هذا التوجه أم سيظهر موقف مختلف ينظر بعين الاعتبار إلى الخلافات القائمة والمعوقات المحتملة”.
ورأت البعثة في بيانها أن “احترام مبدأ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة في 24 ديسمبر 2021 ضروري للحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية وتعزيز مصداقيتها”.
ويؤكد الكبير أن البعثة الأممية تستطيع فرض خارطة طريق مقبولة من الجميع لكنها لا تضمن عدم خرقها كما حصل مع اتفاق جنيف الأخير الذي خُرق ولم تلتزم بعض الأطراف به.
ويشكل تنظيم الاقتراعين أولوية للأسرة الدولية، لكن عدم اليقين يبقى هو الغالب على هذا الصعيد بسبب التوترات الداخلية القوية لا سيما بين شرق البلاد وغربها، بحسب فرانس برس.
وتعيش ليبيا في فوضى ودوامة عنف وصراعات بين القوى المتنافسة في شرق البلاد وغربها منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
وتسعى حاليا إلى تجاوز هذا الفصل بعدما أوصل الحوار السياسي الذي أطلق في نوفمبر 2020 بين الأطراف الليبيين في سويسرا برعاية الأمم المتحدة، إلى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر.
تحركات مجلس الدولة
ويبرز الخلاف بسبب رفض المجلس الأعلى للدولة القوانين التي أصدرها النواب، لأنها لم تلتزم بالاتفاق السياسي، الذي ينص على ضرورة التشاور بين المجلسين في قوانين الانتخابات. لكن مجلس النواب يؤكد أنه وحده فقط يملك حق إصدار القوانين وأن مجلس الدولة دوره استشاري.
وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، إن مجلسه اتخذ الإجراءات القانونية كافة ضد هذه القوانين والطعن فيها أمام الدائرة الدستورية في المحكمة العليا.
واجتمع مع عمداء البلديات وأعيان المدن والقبائل، لحثهم على منع إجراء الانتخابات في مناطق سلطاتهم ونفوذهم في المنطقة الغربية إذا لم يتم احترام مبدأ التوافق، بحسب وكالة الأناضول.
وحذر عمداء البلديات من عدم إجراء الانتخابات في دوائر بلدياتهم، إذا لم يلتزم مجلس النواب من جهة، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات من جهة أخرى، بمواد الاتفاق السياسي، بحسب الوكالة التركية.
ويرى إسماعيل أن من الصعب على أي طرف أو عميد بلدية منع الانتخابات، لأنها ستجرى في حماية القوات التي تسيطر على كل منطقة، ومنعها سيسبب إحراجا لهذه القوات أمام الرأي العام المحلي والقوى الدولية.
وأكد أن لجوء مجلس الدولة إلى عمداء البلديات أو المحكمة العليا لن يعرقل بأي حال إجراء الانتخابات في موعدها.
ويقول الأسمر إن هذه الإجراءات لمنع الانتخابات هي ضد طموحات الشعب الليبي، مشيرا إلى أن هذه الانتخابات هي الأولى التي سيشارك فيها الشعب الليبي بفاعلية عكس الاستحقاقات السابقة.
ويضيف الكبير أن “مجلس الدولة يصارع وحيدا القوانين الانتخابية التي صدرت عن طرف سياسي باسم البرلمان وقبلتها مفوضية الانتخابات”. وتابع “مع تعطل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، لجأ مجلس الدولة إلى البلديات حتى يصنع ظهيرا محليا يسانده في معركته مع الطرف المسيطر على البرلمان”.
من جانبها، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، الخميس، تنظيم مؤتمر صحفي الأحد القادم؛ لإعلان موعد فتح باب الترشح للانتخابات.
وكانت المفوضية حذفت شروط الترشح للانتخابات من على موقعها، وأعادتها لمجلس النواب لمراجعتها بعد الجدل الذي تصاعد حولها خلال الأيام الماضية.
ويقول الأسمر إن “شبح الحرب لازال يلوح في الأفق في أي لحظة في حال إجراء الانتخابات أو منعها”، وأضاف أنه “في حال أجريت وفاز أي شخص ستقوم الميلشيات وخاصة المتمركزة في غرب ليبيا بإثارة الفوضى والقلاقل وقد تؤدي إلى الاشتباكات”.