إبراهيم الأسطى عمر.. شاعر الوطن وصوت الضمير الليبي

* كتب/ محمد المهدي زعبية،
يُعدّ إبراهيم الأسطى عمر أحد أبرز الأسماء التي صنعت ملامح الأدب الليبي في النصف الأول من القرن العشرين، فهو شاعر حمل الكلمة رسالة، واتخذ من الشعر وسيلة للتعبير عن قضايا وطنه وهموم مجتمعه، حتى أصبح رمزًا ثقافيًا ووطنياً خالداً في ذاكرة الليبيين.
وُلد إبراهيم الأسطى عمر في مدينة درنة عام 1908م، تلك المدينة الساحلية التي ألهمت خياله الشعري بجمال طبيعتها وهدير بحرها وصفاء سمائها. نشأ في بيئة بسيطة يغمرها حب العلم والدين، فحفظ القرآن الكريم وتلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب والمدارس المحلية، قبل أن يتجه إلى الدراسة الشرعية واللغوية التي صقلت لغته وزادت من تمكنه في البيان. ومنذ شبابه المبكر، ظهرت عليه علامات النبوغ الأدبي، إذ كان يميل إلى نظم الشعر في مختلف أغراضه، إلا أن اهتمامه الأكبر انصبّ على الشعر الوطني والاجتماعي، فكان شعره انعكاسًا لوعيٍ مبكر بأهمية الكلمة في نهضة الأمة.
برز إبراهيم الأسطى عمر في مرحلة دقيقة من تاريخ ليبيا، حين كانت البلاد تعاني من وطأة الاستعمار الإيطالي، فكانت قصائده بمثابة نداءٍ للتحرر ورفضٍ للاستعباد. اتخذ من القلم موقفًا، ومن الشعر مقاومة، فكتب بصدقٍ وحرارةٍ عن الحرية والكرامة، داعيًا أبناء وطنه إلى الوحدة والتعلم والإصلاح. كان يرى أن النهضة لا تقوم إلا على الوعي والتعليم، لذلك دعا في قصائده إلى بناء الإنسان قبل أي شيء آخر.
لم يكن شعره حماسيًا فحسب، بل تميز بعمقٍ فكريٍ وصورٍ فنيةٍ بليغة، إذ جمع بين الأصالة اللغوية وروح التجديد، مما جعله حلقة وصلٍ بين التراث والحداثة في الشعر الليبي. وقد تناولت قصائده موضوعات شتى؛ من تمجيد العلم والعمل، إلى نقد التخلف والجمود، مرورًا بتسليط الضوء على قضايا المرأة والعدالة الاجتماعية، وهو ما يعكس نضجًا فكريًا ورؤية إصلاحية شاملة.
توفي إبراهيم الأسطى عمر عام 1950م، كان شاعرًا جسّد الإخلاص في الكلمة والصدق في الانتماء. لقد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأدب الليبي، وظلّ اسمه مرادفًا للشعر الوطني النبيل، ولصوتٍ مؤمنٍ بأن الوطن لا يُبنى إلا بالعلم، والعمل، والكلمة الصادقة.



