العربي الجديد-
كل شيء بات غامضا بالنسبة لأموال وأرصدة ليبيا المجمدة والمبعثرة والمنهوبة في الخارج منذ سقوط نظام القذافي في بداية العام 2011، لا أحد يعرف قيمتها الحقيقية، حجم القائم منها بعد عمليات النهب المنظم، أماكن وجودها، تبعيتها، وما إذا كانت مملوكة للبنك المركزي الليبي أم للصندوق السيادي، هل ما زالت مودعة باسم القذافي في حساباته الشخصية التي لا يعرف أحد في أي بنوك العالم، أم باسم الدولة الليبية ومؤسساتها مثل مؤسسة النفط والمؤسسة الليبية للاستثمار وغيرهما.
ما هو حجم الأموال الذي يقع تحت سيطرة الدولة الليبية من تلك الأرصدة الدولارية، وما هو الحجم المنهوب خارجيا من تلك الأموال، وما قيمة الأموال التي نهبها أبناء وأسرة القذافي ورموز نظامه، وهل فلت هؤلاء بجريمتهم بحق الشعب الليبي؟
ما حقيقة مصادرة الولايات المتحدة نحو 32 مليار دولار من الأصول الليبية الخارجية، والاتحاد الأوروبي 45 مليار يورو، وإذا كان الأمر غير دقيق، فلمَ لمْ تعمل السلطات الليبية على استرداد تلك الأرصدة لصالح الشعب الليبي وتوجيهها لتمويل مشروعات بنية تحتية وتحسين مؤشرات الاقتصاد، وإعادة هيكلة قطاع النفط الحيوي، وإطلاق مشروعات ضخمة لاستخراج الغاز الطبيعي الذي تعوم عليه ليبيا وتحتاج لاستثمارات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات؟
يسبق ذلك هدف أهم وهو تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطن الليبي، الذي بات يعيش أوضاعا صعبة ومزرية لا تقل في حدتها عن تلك التي يمر بها مواطنو دول عربية فقيرة أو قليلة الموارد.
وإذا كانت هناك تقديرات سابقة لمسؤولين ليبيين لقيمة الأموال الليبية المجمدة في الخارج بنحو 200 مليار دولار، موزعة على عدد كبير من الدول الأوروبية في شكل ودائع وأصول ثابتة وأسهم وسندات واستثمارات عينية وعقارات ومصارف وفنادق، لماذا تخرج علينا تقارير غربية وليبية من وقت لآخر تتحدث عن أن الأرصدة المجمدة والأموال المنهوبة تفوق ضعف هذا الرقم؟
ما مصير “مكتب استرداد أموال الدولة وإدارة الأصول المستردة” (لارمو)، الذي شكلته حكومة الوحدة الوطنية الليبية مؤخرا لبحث ملف استرداد الأموال المنهوبة والمبعثرة في العالم مع عدد من الدول، بعد رصدها دعاوى قضائية أقامتها دول وأفراد للاستيلاء على تلك الأموال، بحجة تعويضات لهم عن استثمارات معطلة في ليبيا بسبب ظروف الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد عقب سقوط نظام القذافي؟
يزداد الوضع مأساة بالنسبة لهذا الملف الشائك في ظل حديث غربي غير رسمي عن مصادرة أكثر من 100 مليار دولار من أصول الصندوق السيادي الليبي، الذي يتولى إدارة تلك الأموال وإيرادات الدولة الدولارية واستثمارات البلاد الخارجية، لم نفهم أسباب عملية السطو الواسعة تلك والتي قادتها دول غربية.
وعلى مدى أكثر من 12 سنة، باتت أموال ليبيا في الخارج هدفا لكثير من الدول والعصابات والأفراد والمؤسسات ورموز النظام الليبي السابق والشركات الأجنبية، التي تحاول نهبها والسطو عليها، والزعم أن لها مستحقات متأخرة على الدولة الليبية إبان حكم القذافي.
أحدث تلك المحاولات هي محاولة ولي عهد بلجيكا الأمير لوران وضع يده على 50 مليون يورو من أموال ليبيا المودعة لدى مصرف في بروكسل، بزعم إخلال الدولة الليبية بتعاقد مع شركته إبان حكم القذافي.
ويوم الجمعة، أصدرت محكمة الاستئناف البلجيكية حكما بتأكيد تجميد 15 مليار يورو من أموال المؤسسة الليبية للاستثمار في مصرف يوروكلير في بروكسل.
منذ شهر مارس 2011، موعد فرض مجلس الأمن عقوبات على نظام القذافي ووضع قيود على الأموال الليبية في الخارج، وتخرج علينا الحكومات الليبية المتعاقبة معلنة عن قرب استرداد تلك الأموال، وإطلاق مبادرات في هذا الشأن.
لكن مع مرور السنوات، تكشف الوقائع عن ضياع تلك الأموال المملوكة للشعب، ووضع دول ومؤسسات يدها عليها، بل والحجز أو الاستيلاء على أموال الليبيين وأصولهم المجمدة.
دعمت هذا الفشل الذريع حالة الانقسام الشديدة وعدم اليقين السياسي والاقتصادي التي مرت بها البلاد ووجود حكومات متناحرة، وقبلها حرب أهلية استمرت سنوات وتدخلات خارجية في الشأن الليبي.
إقرأ المزيد: