الناس-
“عندما يكتب الراوي حرفه الأول يكون كل شيء قد انتهى”.
بهذه العبارة استهل الدكتور حسن الأشلم ندوة عامة نظمها قسم التاريخ بكلية التربية بجامعة مصراتة، وكانت بعنوان “أسئلة الرواية- حوار الكاتب والقارئ”.
الندوة احتضنتها قاعة الدكتور علي فهمي اخشيم بالكلية الثلاثاء (30 يناير 2024م)، وأدارها الدكتور حسن الأشلم بين كاتبين وقارئين.
الروائي والقاص أحمد نصر كان أول المتحدثين والذي أراد أن يقدم لمحة تاريخية عن فن الرواية في ليبيا، مشيرا إلى أن الرواية في ليبيا لم تدرس دراسة تاريخية.
يقول إن الرواية الليبية انطلقت في السبعينات حين كان الروائيون قلة، ثم تطورت إلى أن أصبح كل شخص يريد أن يكتب رواية، وعن البدايات قال إن أول روائية ليبية هي “مرضية النعاس” التي كانت تكتب في مجلة المرأة، وكان بصحبتها الأستاذ “محمد صالح القمودي، فهؤلاء أنتجوا أولى الروايات في ليبيا- يقول المتحدث- ثم يتابع: بعد ذلك أصدر آخرون منهم الصادق النيهوم، وفي أول السبعينات نشرت روايتي “وميض في جدار الليل”.
واستطرد الأستاذ نصر ليتحدث عن القصة قائلا: في سنة 1965 كانت أول مسابقة أدبية في ليبيا، كان فيها جوانب القصة والمسرح والشعر، ولم يكن فيها جانب الرواية، لذلك قدمت لنا يوسف الشريف وبشير الهاشمي وأحمد إبراهيم الفقيه.
واستنتج أن سبب انتشار القصة أن الصحافة في ذلك الوقت كانت تريد القصة القصيرة، “وهذا مادفعني -شخصيا- إلى نشر مجموعتين قصصيتين ولم أكتب سوى رواية واحدة، وركنتها لثلاث أو أربع سنوات قبل أن أكملها”.
وأضاف -نصر- أن كل الذين كتبوا الرواية بدأوا بالقصة القصيرة، ضاربا مثلا بإبراهيم الكوني وأحمد إبراهيم الفقيه.
وعلق الأستاذ حسن الأشلم على المداخلة بأن الصحافة فرضت نوعا معينا من الرواية، مشيرا إلى أن القصة في الصحافة الليبية كان لها دور توعوي وتثقيفي، وأقرب لدور المقالة الاجتماعية. وأوضح أن العام 1957 شهد صدور أول مجموعة قصصية مجمعة للقاص “عبدالقادر أبوهروس” تحت عنوان “نفوس حائرة”.
انتقل الحديث بعد ذلك للكاتب “حمد هلال” الذي عاد إلى أصل المحاضرة وهي “العلاقة بين القارئ والكاتب” ليؤكد إن علاقته بالقارئ إلزامية جدا. لدرجة أنه أحجم عن نشر عمل سردي له بعد اكتماله لمجرد رأي من صديق قارئ.
وتحدث الكاتب الشاب عن تجربته في الكتابة، مشيرا إلى أول أعماله في القصة التي أنجزها في (2019) وكانت بعنوان الطريق، وقال إنه ترك النهاية مفتوحة، لأنه لم يكن يعلم كيف ينهيها، وانتظر التعليقات من القراء الذين تباينت آراؤهم بين من أضفى عليها صفة الغموض ومن قرأ النهاية بطريقته وغيرهم.
القارئ “سفيان قصيبات” ومؤسس نادي “أنا أقرأ” كان الضيف الثالث في هذه الندوة وعلق على مداخلات من سبقوه بأننا “نعاني من مصادرة الكاتب لرأي القارئ”.. ودعا الكُتّاب إلى ترك القارئ وشأنه، فمهمة الكاتب انتهت بأن سلم عمله لدار النشر، وعليه أن يترك كل قارئ يتلقى الرواية بطريقته، دون التأثير عليه.
وعزز قصيبات رأيه حين استعرض ثلاثة أسماء لروائيين ليبيين وهم “إبراهيم الكوني”، “خليفة حسين مصطفى”، و”عائشة الأصفر” واصفا إياهم بأصحاب المشاريع الحقيقية في الرواية، ذلك أنهم يكتبون ما يريدون دون أن يحسبوا حساب القارئ.
الضيف الرابع “أسماء بن إسماعيل” ومن منطلق تخصصها في علم النفس أدركت أن “عائشة الأصفر تكتب ما تشعر به”، وفصلت في ذلك: هناك من يكتب ما يعرف، وهناك من يكتب ما يشعر، أو ما يوصف في علم النفس بالتنفيس الانفعالي، ثم أردفت بأن: هناك من يكتب الرائج وما يحتاجه القارئ”.
وانتقلت بن إسماعيل لتوجه أسئلة محددة للكاتب أحمد نصر عن روايته الأخيرة “أينك أمي” متطرقة إلى مسألة الثنائيات في هذه الرواية.
ورد عليها الكاتب بأن القراءات النقدية نبهته إلى هذه الثنائيات، لكنه لم يكن يقصدها ولا يستهدفها، موضحا أن الرواية عنده “حكاية ولغة”، وعندما كان يكتب الرواية لم يكن هناك نقاد في ليبيا، وكانت الانطباعات تأتيه من القراء بناء على تأثير الرواية فيهم بعيدا عن الضوابط الأكاديمية والمدارس النقدية الحديثة.
واختتم الدكتور حسن الأشلم الجلسة بالتفاتة إلى الواقع الحزين للأدب في ليبيا، مشيرا إلى “انتظرنا حتى منتصف الثمانينات حتى جاء الدكتور السوري سمر روحي ليكتب أول كتاب عن الرواية الليبية..
وفي مشهد آخر يحدث الآن قال إن دور النشر ووزارة الثقافة والمثقفين الليبيين يحجون للقاهرة الآن لنشر الكتاب الليبي هناك، هذا الكتاب نفسه غير موجود في ليبيا.. طاويا الصفحة بثيمته المعهودة “القادم أفضل بإذن الله”.
كانت الندوة هي الحلقة الثانية من الموسم الثقافي الثاني لقسم التاريخ ضمن موسم انطلق بـ”فلسطين الجذور التاريخية لصراعنا مع الصهاينة”، ويستمر لست حلقات أسبوعية.