الأناضول-
ليس هناك ما يشغل ويوحد الليبيين شرقا وغربا وجنوبا في هذا الصيف أكثر من أزمة الكهرباء، والتي يدرك السياسيون أنها مثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، والتي قد تطال مختلف القيادات المتصارعة في البلاد.
ومظاهرات الأول يوليو الجاري، يمثل إنذار لما هو آت، إن لم يتم احتواء أزمة الكهرباء من الجهات الفاعلة شرقا وغربا، والتي تتقاذف كرة المسؤولية الملتهبة حول من المسؤول الذي أوصل إحدى أغنى الدول الإفريقية بالثروات الطبيعية.
ومع اقتراب ذروة الصيف في أغسطس المقبل، واستمرار إغلاق الموالين لخليفة حفتر قائد قوات الشرق الليبي، لحقول النفط والغاز، التي يتم بهما توليد الطاقة الكهربائية، فتكرار سيناريو صائفة 2020، ليس مستبعدا.
وهناك أطراف ليبية تدفع بالأوضاع نحو حافة الانفجار، لاستغلال أزمة الكهرباء لتحقيق أهداف سياسية، للإطاحة بالخصوم وعلى رأسهم حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، باعتبارها المسؤولة الأولى عن ملف الكهرباء.
في حين تحاول أطراف أخرى توجيه المواطنين الغاضبين من أزمة الكهرباء نحو مجلس النواب في طبرق برئاسة عقيلة صالح، والذي رفض منح ميزانية للحكومة ما عطل إصلاح محطات توليد الكهرباء المتوقفة عن العمل، وإنجاز محطات جديدة.
وفي هذا السياق، أوضح نائب رئيس حكومة الوحدة حسين القطراني، أن “من أسباب تقصير الحكومة في تقديم بعض الخدمات هو عدم إقرار البرلمان لميزانيتها المقدمة”.
وهذا الاتهام وجهه الدبيبة، أيضا للموالين لحفتر في الشرق والجنوب والذين أغلقوا المنشآت النفطية، وتسببوا في تراجع مداخيل البلاد من تصدير النفط، وقلص إمداد محطات توليد الكهرباء بالغاز، ما فاقم الأزمة.
ويدفع الليبيون ثمن انقطاعات الكهرباء الطويلة، والتي تمس مختلف مناحي الحياة، بما فيها الطبية والدوائية والخدمية والمواد الغذائية سريعة التلف، بالإضافة إلى تعطل عمل العديد من المصانع والمؤسسات، ناهيك عن غياب التكييف في البيوت والمكاتب مع درجات حرارة تتجاوز 30 درجة في معظم المدن، خاصة الجنوبية منها، التي تصل أحيانا حتى 40 درجة وأكثر.
فصورة الأب الذي حمل طفله إلى شوارع مدينة بنغازي (شرق) للبحث عن مكان لتوصيل جهاز تنفس صناعي بتيار كهربائي لإنقاذ حياة ابنه المصاب بالربو، أبلغ تعبير عن الوضع المأساوي الذي وصل إليه القطاع، إلى درجة أصبحت حياة الناس في خطر.
** البحث عن شرعية الكهرباء
ومن شأن تفاقم أزمة الكهرباء مع اقتراب الصيف من ذروته أن تغطي على أزمات البلاد المتعددة وخاصة الصراع على شرعية الحكم.
فبينما سارع الدبيبة لإقالة مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء نهاية يونيو الماضي، لامتصاص غضب الشارع إلا أن ذلك لم يكن كافيا، فالناس ملّت الأعذار، وتريد حلولا فورية.
لكن الدبيبة، أقرّ بأن “أزمة الكهرباء تحتاج إلى جهد كبير، والموضوع أكبر من مجلس الإدارة”، لأن تغييره لم يحل الأزمة.
ففي 24 يونيو الماضي، وأعلنت الشركة العامة للكهرباء الليبية، أنها فقدت 300 ميغاواط ما أدى إلى حدوث اضطرابات في تشغيل الشبكة، بسبب نقص كميات الغاز المطلوبة لتزويد محطات توليد الكهرباء شمال بنغازي والزويتينة.
في حين سبق، لرئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، في ديسمبر الماضي، أن حذر من تراجع إنتاج الغاز الطبيعي، ما يؤثر في إمدادات الشبكات.
ومع قرار الدبيبة، تغيير مجلس إدارة مؤسسة النفط، فضلا عن إقالته لأعضاء مجلس إدارة شركة الكهرباء، فمن شأن ذلك أن يحول الكهرباء إلى ملف للمناورة بيد عدة فاعلين سياسيين وتكنوقراط للحفاظ على مناصبهم ومصالحهم.
فغلق حقول النفط والغاز يؤدي إلى تراجع كمية الغاز التي تزود بها مؤسسة النفط شركة الكهرباء، ما يتسبب في نقص إنتاج الكهرباء وانقطاعها.
لذلك اعتبر رئيس مجلس النواب في طبرق أن حكومة فتحي باشاغا، “بإمكانها توفير الخدمات المختلفة، وتحسين الظروف المعيشية للشعب الليبي، لا سيما ملف الكهرباء”.
وهو إقرار ضمني أن تحالف حفتر وعقيلة وباشاغا، يملك “القدرة” على حل أزمة الكهرباء، من خلال فتح حقول النفط والغاز المغلقة، ما سيرفع إنتاج الكهرباء مجددا.
وهي مقايضة مع الليبيين، تقول لهم “أسقطوا حكومة الدبيبة وسنفتح حقول الغاز ونوفر لكم الكهرباء”.
إلا أن هذه المقايضة سلاح ذو حدين، فالمحتجون يطالبون برحيل جميع الوجوه السياسية من المشهد بمن فيهم عقيلة وباشاغا وحفتر.
ورغم احتجاجات الأول من يوليو، وما تلاها، لم يدفع حفتر إلى فتح حقول النفط والغاز، رغم تأكيده لتأييده لمطالب المحتجين، لكنه سعى لتأويلها وفق أهدافه.
** حلول سريعة
يدرك الدبيبة، أنه قد يلقى نفس مصير حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، التي أسقطتها احتجاجات الكهرباء في أغسطس 2020، رغم أنها خرجت منتصرة في يونيو من نفس العام.
لذلك عيّن الدبيبة، محمد إسماعيل، مديرا لشركة الكهرباء، والذي تعهد بأنه سيعمل خلال الـ30 يومًا على استكمال وحدات التوليد التي شارفت على نهايتها وإنهاء إصلاح الوحدات الخارجة عن الخدمة، وإدخالها على الشبكة الكهربائية، واستكمال خطوط نقل الطاقة”.
ورغم تسريع شركة الكهرباء وتيرة عملها ونجاحها في التشغيل التجريبي لمحطة كهرباء غرب طرابلس الغازية الاستعجالية، بقدرة 158 ميغاواط، وعمليات صيانة محطات وخطوط كهرباء، والتوقيع على اتفاقية مع شركة داوو الكورية للاستئناف العمل بمحطة الزويتينة.. إلا أن مهمتها تبدو مستحيلة.
فمشاكل شركة الكهرباء مرتبطة بمؤسسات وهيئات أخرى تتجاوزها، على غرار مؤسسة النفط، والصراع السياسي على السلطة بين معسكرين في الشرق والغرب، وتداعيات الحروب والمعارك التي شهدت البلاد منذ 2011، وضعف الاستثمارات خاصة في الطاقات المتجددة، وفرار الشركات الأجنبية بسبب الوضع الأمني واختطاف مهندسين أجانب، وسرقة محولات كهربائية..
وكل ما تملكه حكومة الدبيبة، في الوقت الحالي تخفيف ساعات قطع الكهرباء، أو البحث عن دعم شركات أجنبية لصيانة محطاتها الكهربائية مثلما فعلت العام الماضي مع شركة سونالغاز الجزائرية، أو شراء الكهرباء من دول الجوار خاصة مصر والجزائر.
حيث تخطط مصر لزيادة قدرة الخط الكهربائي بين القاهرة وليبيا من 150 ميغاوات حالياً، حتى 2000 ميغاواط.
كما سبق وأن بحث رئيس شركة الكهرباء الليبية السابق في مايو الماضي، مع المسؤولين الجزائريين سبل “دعم ومرافقة الشركة الليبية للكهرباء لتنفيذ برنامجها التنموي، وإنتاج الكهرباء، وصيانة شبكات الكهرباء والتكوين”.
وكانت سونالغاز نجحت في إصلاح خمس محطات لتوليد الكهرباء في عدة مدن ليبية بينها طرابلس في 2021، كما تم الاتفاق في نفس العام على توريد 265 ميغاواط من الجزائر إلى ليبيا، عبر ربط شبكتي كهرباء البلدين.
ولا تبدو هذه الحلول جذرية، لكنها من شأنها تخفيف عبء هذا الصيف الساخن سياسيا على الليبيين، والذي يحاول البعض استثماره لاكتساب شرعية جديدة أو سحب الشرعية من الحكومة الحالية في طرابلس.