
العربي الجديد-
يحاول الليبيون التمسك بعادات عيد الأضحى وتقاليده، والاستمتاع بلحوم الأضحية والمأكولات التقليدية، رغم اختفاء بعض الطقوس وتبدّلها نتيجة الغلاء أو انتشار مظاهر التفاخر.
تستقبل البيوت الليبيّة عيد الأضحى وسط أجواء تختلط فيها فرحة المناسبة الروحية مع أعباء الغلاء بالأسعار. وعلى الرغم من القلق المعيشي اليومي، يحاول الليبيّون الحفاظ على نسيج تقاليدهم وعاداتهم التي تشكل هويّة العيد، وإن بطرقٍ تتكيّف مع الواقع الاقتصادي الراهن.
تبدأ الاستعدادات ليوم العيد في العاصمة طرابلس قبل موعده بأيام، كما يوضح المواطن علي الصور (67 عاماً)، لـ”العربي الجديد”، حيث يذكر مظاهر عديدة لاستعدادات العيد، منها دخول الموظفين المتحدرين من مناطق ريفية في إجازات، استعداداً للذهاب إلى قراهم وبلداتهم من أجل قضاء العيد مع عائلاتهم وأقاربهم، ومنها التردّد إلى الأسواق لشراء الأضحية وحلويات العيد. والأهم بنظره “تحضير العيديّة للأطفال، حتى ولو كانت بسيطة”، باعتبارها ليست بركة العيد فقط، إنما تكمن أهميّتها بدلالتها على ارتباط الأحفاد بالأجداد، وفق وصفه، وهو ما يبرّر حرص الكبار والمسنّين على التمسك بهذا التقليد.
وينتقد الصور “تغيّر بعض عادات العيد، إذ من المفترض أن يكون مناسبة للتآلف والتآخي، لكن في السنوات الأخيرة برزت مظاهر التفاخر بحجم الأضحية وسعرها، كما انتشرت في المدن ظاهرة عدم إقبال الشباب حديثي الزواج على شراء الأضاحي، والاكتفاء بشراء كمية من اللحم لمشاركة الأهل في حفل شواء”. ويتحدث عن عادات مستجدّة أخرى، يرى أنها “تساهم بتراجع معاني العيد، منها الاكتفاء بشراء ملابس الأطفال في عيد الأضحى، مع العلم أن عيد الفطر يرتبط بشراء الملابس، وعلاوة على ما يحمله ذلك من مظاهر التفاخر والتباهي، فهو يلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل رب الأسرة، خصوصاً مع تحوّله إلى عادةٍ بمرور الوقت”.
ومن عادات الليبيّين الصيام في يوم الوقوف على عرفة، حيث تجتمع العائلة بأكملها حول مأدبة إفطار عند ساعات المغرب. وهناك عائلات كثيرة تحرص على زيارة المقابر لقراءة الفاتحة.
وبين التمسك ببعض العادات واختفاء بعضها الآخر، يؤكد محمود قفاف (53 عاماً)، لـ”العربي الجديد”، أنّ “عادة صيام يوم عرفة والاجتماع على مائدة الإفطار لا تزال قائمة في أكثر المناطق الليبيّة، غير أنّ مظاهر الاحتفاء بمناسبة الحج تراجعت في البلاد”. ويضيف المواطن المقيم في قصر الأخيار (شرق طرابلس): “كنا نضع على أسطح المنازل رايات بيضاء تدلّ على أنّ صاحب المنزل في الحج، وكانت عائلات الحجّاج تحظى بتقدير خاص في موسم العيد، لجهة زيارات الأقارب والأحبّة، حيث كانت تلك الأسر تحتفل بشراء كميات من الحلوى وتُعدّ الشواء لمن يتردّد إليها للسؤال عن الحاج والاطمئنان على أحوالها، أما اليوم فلا نجد من هذه العادات أي شيء”.
تبدأ يوميات العيد بصلاة الفجر، قبل أن يتوجه المواطنون لصلاة العيد في المساجد والساحات العامة. ويشير قفاف إلى أنّ “الأجواء تبدأ بالمعايدة بعد الصلاة، لا سيّما معايدة إمام الجامع والاستماع إليه لتحديد وقت ذبح الأضحية، قبل أن ينصرف المصلّون إلى بيوتهم، مضيفاً: “في طريق العودة تتشكّل حلقات لمعايدة المصلّين في المساجد القريبة، حيث يتلاقون لتبادل التهاني والتبريكات”.
ويفضّل البعض أن يفطروا على لحوم أضحيتهم، بينما يفطر بعضهم الآخر قبل الذهاب إلى الصلاة على طبق “السفنز” (فطائر هشّة مقلية)، أو “الغروم” (خبز خاص بالعيد)، كما يقول قفاف، الذي يذكر أنّ “البعض يفضّل تأجيل ذبح الأضحية إلى مساء يوم العيد”. وتختلف أطباق غداء العيد بحسب المناطق الليبيّة، ويشير قفاف إلى أنّ “وجبة “البازين” (عجين مخلوط باللحم والمرق)، هي المفضلة في غرب ليبيا، بينما “المثرودة باللحم” (خبز مفتت مع السمن واللحم)، فهي المفضلة في شرق البلاد، أما في الجنوب فوجبة “الفتات” (رقاق خبز منقوع بالمرق واللحم)، هي المفضّلة، بخلاف العشاء الذي تُجمع الأسر الليبية على أن يكون من لحوم الأضحية، مقلية أو مشوية، مع الخبز، بحيث يجتمعون حوله في جلسات سمر مسائية أو ليلية.
وتعبّر امباركة ساسي (74 عاماً)، عن فرحتها بالعيد، فهي في انتظار أولادها وأحفادها للاجتماع حولها، مؤكدةً أنّ المناسبة تحوّل بيتها سنويّاً إلى “بيت العيد” برائحة طهي “البازين” وشيّ لحوم الأضحية. كما تستقبل الجدّة المقيمة في منطقة غريان (شمال غربي ليبيا)، المعايدين من أقاربها، لا سيّما بناتها وأزواجهنّ على مدى أيام العيد. وتشدّد بدورها على أهمية تحضير عيديّة الأطفال، حيث تجهّز مبالغ بسيطة من النقود وكميات من الحلوى لاستقبال أحفادها وأطفال الجيران.
وترى ساسي في أيام العيد مناسبة لـ”اللّمّة (الاجتماع)” العائلية ولقاء الجيران، وتؤكد “استمرار عادة استقبال المعايدين بالحلويات، مثل الفطيرة بالعجوة والمقروض والكعك، وكذلك الشواء لمشاركة الضيوف تذوّق لحم الأضحية”. وتقول: “من عادات العيد المنقرضة حديث الأهل والجيران والمعايدين عن أوصاف الأضحية، والوقت الذي قضاه الفرد في تربيتها لتناسب سنّ الأضحية، لكن الآن أصبحت تُشترى الأضاحي مساء اليوم الذي يسبق العيد، وربما صباح يوم العيد”.
ومنذ سنوات تواجه الأسر الليبيّة غير القادرة على شراء الأضحية الغلاء الفاحش، لكن عبد الجليل ابريك (45 عاماً)، وهو تاجر أغنام في مدينة البيضاء (شمال شرقي البلاد)، يؤكد أنّ “التآلف الاجتماعي في مناسبات عيد الأضحى يزداد بشكل كبير لمساندة الأسر محدودة الدخل وتمكينها من الاحتفاء بالعيد، عبر مساعي المساجد والجمعيات الخيرية لجمع التبرعات من أجل شراء الأضاحي وتوزيعها على تلك الأسر”. ورغم أنّ المصارف قرّرت هذا العام منح “قرض العيد الحسن” بقيمة ألفي دينار (نحو367 دولاراً أميركيّاً)، مقسّطاً على 20 شهراً من دون فوائد، لكن ابريك يرى أنه “حلّ اقتصر فقط على الموظفين ذوي الرواتب الثابتة، تاركاً العمّال اليوميّين وأصحاب المهن الحرة وأصحاب الرواتب الضعيفة خارج نطاق المساعدة”.