الرئيسيةالراي

رأي- حفتر والانفصال ببرقة عن ليبيا

* كتب، السنوسي بسيكري،

تناقلت منصات إخبارية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خبرا مفاده أن حفتر سيعلن الانفصال بإقليم برقة عن ليبيا، وكان من ضمن الأخبار المتداولة الحديث عن تعبئة عامة ضمن مكونات سياسية واجتماعية للدفع بهذا الاتجاه. وتحدث بعض من لهم نزوع جهوي في الشرق الليبي عن ضرورة الانفصال، بل إن بعض أعضاء مجلس النواب اتهموا أعضاء في المجلس بعينهم بقيادة هذا التوجه.

بداية ينبغي التنويه إلى أن الاتجاه الوحدوي هو الغالب على مواقف الليبيين، وأن النزعة الجهوية ظهرت في بعض مدن الشرق منذ الأشهر الأولى بعد ثورة فبراير 2011م، وقوبل هذا النزوع بالرفض، وكشفت استطلاعات رأي أن نسبة ضئيلة جدا من سكان الشرق تدعم النظام الفيدرالي وأن الغالبية العظمى يرفضون التوجه الجهوي.

غير أن طول أمد الأزمة بشكل عام وما ترتب عليها من انقسام سياسي وإداري بين غرب البلاد وشرقها منذ العام 2014م؛ فسح المجال لتعزيز النزعة الجهوية في مناطق الشرق، وأذن الهجوم على العاصمة من قبل حفتر عام 2019م بتراجع النفس الوحدوي في الغرب، خاصة بطرابلس، وذلك كرد فعل على سلوك من ناصروا حفتر في هجومه، ووقع ساسة ونشطاء في خطاب جهوي مقيت كان له أثره السلبي. ولقد أسهمت ردود فعل بعض المبرزين “الطرابلسيين” أثناء الحرب في رفع منسوب النزوع الجهوي في الغرب، ونجحوا في ضم شريحة ليست بالقليلة إلى مقاربة التقسيم.

على الصعيد الرسمي والسياسي، يمكن القول إنه لم يكن للنزوع الجهوي ومقاربة التقسيم مؤيد حقيقي ضمن الأجسام السيادية، وقد غلب على مواقف معظم من انضووا تحت “كتلة برقة” في مجلس النواب تحقيق المصالح، وثبت من خلال ممارساتهم أن “برقة” كانت ورقة سياسية يستخدمونها لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية، ويكشف عن ذلك تبدل مواقفهم بشكل سريع والقبول بنقيض ما كانوا يؤمنون به ويدعون له.

حفتر لم يكن يوما في اختياراته ومواقفه إلا وحدويا، وكان لنهجه المركزي انعكاسه المباشر على النزعة الجهوية التي شهدتها مدن الشرق، حتى أنه لم يعد لأصحاب الطرح الفيدرالي نشاط يذكر، خاصة في الأعوام الأولى بعد إطلاق حفتر عملية الكرامة. وعاد لهؤلاء بعض الحيوية كنتيجة للفشل الذي واجهه حفتر بعد هزيمة قواته على أسوار العاصمة، فقد صار التململ والتحفظ على سلوك حفتر وممارسات أبنائه جليا، ودفع تخلل قبضة حفتر الأمنية إلى إعادة ترتيب أوراقه وترميم الصدع والخلل ضمن جبهته، فكان أن انطلق في جولة جاب فيها الشرق والجنوب ووسط البلاد، إلا إنه لم يتطرق إلى الانفصال وما في حكمه، وهو ما يثير الاستغراب حول الدعاية التي انتشرت خلال اليومين الماضيين من أن حفتر سيقدم على هذه الخطوة.

إلا أنه من المؤكد أن طرح موضوع الانفصال والحكم الذاتي لبرقة لم يكن بعيدا عن الدوائر المهمة القريبة من حفتر، ويبدو أنه أعطى الإذن بتوظيف ورقة الجهوية والانفصال لمواجهة تحديات لا يجد سبيلا أخر لمواجهتها، بمعنى أن حفتر توصل إلى قناعة أن التسوية المرتقبة لا تفسح له المجال ليتصدر المشهد ويتبوأ مكانا عليا ضمن المنتظم الرسمي السياسي والأمني. فانتقاد مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن مؤخرا لفكرة تصميم قوانين لصالح أفراد على حساب الليبيين لم يخطئ حفتر، وتوافق عقيلة صالح مع خالد المشري لا يخدم طموحه، والبدائل أمامه محدودة. فالعمل العسكري معلوم النتيجة مسبقا، وتركيا لا تتسامح مع أي عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة، وإغلاق النفط بات خطا أحمر بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فصار التلويح بالتقسيم الخيار المتبقي.

خطاب حفتر الأخير جاء مخالفا للتوقعات، أو لنقل تغير عما خطط له، وقد تحدثت مصادر عن ضغوط مارستها دوائر غربية على حفتر؛ غايتها ثنيه عن السير في المسار الجهوي. وهو أمر محتمل جدا، وإلا فكيف يفسر تورط إعلام موال لحفتر في الدعاية لانفصال برقة والقول بأن القائد العام سيعلن عن ذلك في ملتقاه بجموع من أنصاره في بنغازي؟ إنه لعب على وتر الجهوية والتقسيم لضمان عدم إقصائه من التسوية القادمة أو تحجيم فرص ترشحه أو فوزه في الانتخابات، ثم تراجع عما قرر المضي فيه رهبا أو رغبا.

وبالعموم فإن اضطراب حفتر في التعامل مع ورقة الجهوية وإخضاعها للمساومة سيكلفه، وسيزيد من تراجع الثقة فيه ضمن المكونات الاجتماعية وما في حكمها في الشرق والجنوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى