الرئيسيةالراي

رأي- الملحمة … !!!

* كتب/ عطية الأوجلي،

قليلة هي الكتب التي أبدأ قراءتها ثم لا أستطيع إكمالها رغم رغبتي في ذلك.. فقد وطنت نفسي عبر السنين على الصبر والمثابرة لأكمل ما بدأت.. ولكني أعترف بأن كتاب السيد عبدالسلام جلود الملحمة قد كسب الجولة معي.. ولم أستطع إكمال قراءته رغم الجهد المبذول …

ولكني أعترف أيضا أنه دفعني إلى التفكير في موضوع في غاية الأهمية ألا وهو كيف تستطيع السلطة أن تفسد عقول أصحابها إن طال بهم الأمد فيها.. وكيف أن غياب المساءلة يفسد الإنسان بل يجعله يعيش في واقع افتراضي بعيدا عن الحقيقة.. ويعجز عن إدراك ماحوله.. فهو لا يكذب متعمدا ولكنه قد انفصل عن الواقع.. فالسلطة تحرر الإنسان من الكوابح الضرورية ليدرك حدود إمكانياته وضعفه وهشاشة وضعه..

تذكرت ما قرأته عن سير الكثير من ممارسي السلطة.. وكيف على سبيل المثال أن شاه إيران في أيامه الأخيرة بدا عاجزا تماما عن رؤية وتفسير ما يجري حوله.. وكيف أنه كان لديه تفسيره الخاص الذي بالطبع يعفيه من أي مسئولية ويحيلها إلى الآخرين …

وكيف أن ديناميكية السلطة يمكن أن تؤثر بعمق على طريقة تفكيرنا. فعندما نتربع على قمة سلم السلطة، تتشوه حججنا الداخلية ويهزم تعاطفنا الطبيعي مع الآخرين. فبدلاً من القلق بشأن آثار أفعالنا، نمضي قدمًا ونتصرف.. نحن نستحق ما نريد. وكيف يجرؤون على المقاومة. ألا يعرفون من نحن؟

فالإحساس بالقوة… يوهم الإنسان بأن له الحق في اختراق القوانين… بل وحتى ارتكاب الجرائم لأنه شخص عظيم يقوم بأفعال عظيمة… وهذه الأفعال هي فقط ما يرى… وهي تستحق التضحية بالآخرين من أجلها…

الشعور بالقوة، كما يقول علماء النفس، يوقف عمل الخلايا العصبية المرآتية( mirror neurons ) التي تمكن الشخص من التعاطف مع الآخرين… فنحن نتعاطف مع الآخرين لأنه بإمكاننا أن نتخيل أنفسنا في مكانهم… بينما الشخص الذي يبقى في السلطة لمدة طويلة يفقد هذه الخاصية ولا يعد بإمكانه أن يقرأ عواطف الآخرين أو يفهم احتياجاتهم… تزداد المشكلة تطرفاً مع مرور الوقت، خاصةً إذا ترك سلوك رجل السلطة دونما رادع. هذه العزلة العاطفية قد تبرر الشعور بالوحدة الذي يعاني منه رجال السلطة… وعجزهم عن تكوين علاقات إنسانية حتى مع أفراد أسرهم.

وترتبط ممارسة السلطة المطلقة بظاهرة متلازمة الغطرسة، التي صاغها اللورد ديفيد أوين وجوناثان ديفيدسون وتشمل بعض سماتها السريرية ازدراء واضح للآخرين، وفقدان الاتصال بالواقع، وأفعال مضطربة أو متهورة، … وأعمال تنم عن عدم الكفاءة.

لذلك حرصت الأنظمة السياسية الحديثة على تحديد صلاحيات رجل السلطة وعلى تحديد الفترة الزمنية التي يبقاها في السلطة… بل حرصت أيضا على مراقبته ومحاسبته لأنها تدرك خطورة السلطة التي تهرب من المساءلة وتدرك قول اللورد اكتون… السلطة تفسد… والسلطة المطلقة… تفسد بإطلاق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى