الرئيسيةالراي

رأي- الإيفاد

* كتب/ يوسف أبوراوي،

أنا أحد الملتحقين بالسلك الأكاديمي ومهنة التدريس الجامعي سنة 2013، وقد تحصلت على قرار إيفاد كغيري لتحضير الدكتوراة في تقنية المعلومات، ثم تعثر موضوع الإيفاد في ليبيا كتعثر غيره من المواضيع منذ 2014 إلى اليوم.

على المستوى الشخصي كغيري أتمنى أن أوفد إلى أي جامعة محترمة لأستفيد من الدراسة فيها وأستفيد أيضا من فرصة العيش وأسرتي في بلد آخر لبعض الوقت، تجربة مفيدة وفيها كثير من المتعة والمعاناة أيضا، كما أن فرصة الإيفاد في ليبيا ربما تكون فرصة لتحسين الدخل أو المدخرات عند الإيفاد لبعض الدول (لا بد من الاعتراف أن تغيير المكان والسعي لتحسين الدخل يهم الغالبية العظمى من الموفدين أكثر من الدراسة والتحصيل وهذا سبب الإقبال الشديد على الدراسات العليا في ليبيا).

على مستوى الدولة، موضوع الإيفاد شائك وكرة ثلج تتدحرج وتكبر على مر السنوات، فكتلة المتحصلين على قرارات الإيفاد تزداد، والكل يطالب بحقه، والدولة كل يوم تصدر قرارات جديدة لزيادة هذه الكتلة بدون حل مشكلة الموفدين القدماء، مما يوحي بأن المسؤولين (هذا بافتراض أن المسؤولين الليبيين لديهم خطط أو حتى مجرد تصورات لمشاكل قطاعاتهم)، يريدون تعقيد هذا الملف لا حله وإيصاله إلى درجة الانفجار والإنهاء.

أيضا السؤال الذي يطرح نفسه ماهي فائدة الدراسات العليا في ليبيا أصلا؟ لولا اشتراط الجامعات لهذه المؤهلات في توظيف أعضاء هيئة التدريس، وفي بعض الوظائف الأخرى لما كان لها أي أهمية، وأهميتها هنا هي أهمية إجرائية لا غير، فلا أصحاب المؤهلات العليا يحلون مشاكل المجتمع ولا يسهمون في إنتاج سلع وخدمات جديدة، بل يتكدسون في الجامعات ويؤدون عمل المعلم (غير الكفؤ في كثير من الأحيان)، آه نسيت أن البعض يصر على كتابة مؤهله قرين اسمه في سلوك استعراضي.

أما المعضلة الأكبر في موضوع الإيفاد فهو الإجراءات الإدارية التي تنتج فوضى لا مثيل لها، فالبعثات مركزية وإرسال البيانات والمطاليب يكون لهذه الإدارة، واختر ساحة الدراسة ونوع الجامعة بنفسك، وعلاقاتك ومعارفك ومستواك هو الفيصل هنا ليتم فتح باب فساد إداري غير مسبوق في الداخل وفي السفارات والملحقيات في الخارج، وهذا لا يخفى على أحد.

هل الأمور تستأهل كل هذا التعقيد؟

أم هو تعقيد متعمد لتسهيل الفساد والكولسة يا ترى؟ ألا يمكن ببساطة شديدة أن يوكل الأمر للجامعات والكليات والأقسام، لتوفد من تحتاجه بشكل حقيقي ولديها نقص في تخصصه، وفق آلية تعتمد على الكفاءة والجدارة بدل أعراس المجاملات التي تقام هنا وهناك، وعبر شراكات مع جامعات محترمه إقليميا أو دوليا؟ ليذهب الطالب وهو يعرف أين سيدرس وما الذي سيدرسه، وما الذي سيقوم بتدريسه حال رجوعه إلى الوطن بدون كل هذه البيروقراطية ودواخ الراس؟

أو أن يتم توطين كل ذلك عبر شراكات مع مراكز وجامعات محترمة، لنضمن أن البرامج تكون جادة وتلبي الأهداف (إن وجدت) من هذه البرامج؟ أليس ذلك أفضل بمراحل من هذا الكوكتيل غير المتجانس من الشهادات والمؤهلات، بعضها تعتمد المواد وبعضها البحث، وبعضها من الشرق والأخرى من الغرب، وبعضها تم شراؤها، وبعضها مسرحيات بدون تحصيل أبسط المبادئ، بعضها ينجز في سنتين وبعضها في عشر سنوات!!

في ليبيا تكريس الفساد والفوضوية أمر مؤسسي ومصمم بعناية، وأي كلام يخالف ذلك حتى لو كان في اتجاه التبسيط والتجويد يضرب به عرض الحائط، سامحوني في صراحتي ولكننا أناس معقدون ونحب تعقيد كل شيء في سبيل ربح مادي سريع حتى إن كانت عواقبه تدمير أنفسنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى