
العربي الجديد-
تعهدت المبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا هانا سيروا تيتيه، الخميس (30 يناير 2025م) بالعمل مع جميع الجهات المعنية والشركاء الرئيسيين في ليبيا على تحقيق الاستقرار في البلاد. جاء ذلك في أول تعليق لها بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تعيينها رئيسة للبعثة الأممية إلى ليبيا، وصفت فيه، خلال تدوينة كتبتها على حسابها بمنصة فيسبوك، مهمتها في ليبيا بـ”الصعبة”، لكنها أكدت أنها ستعمل، برفقة زملائها في البعثة، بأقصى ما تمتلك من قدرات وإمكانيات لإنجاز الأهداف المنشودة لاستقرار ليبيا.
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه الأمم المتحدة موعد تسلم تيتيه لمهامها في ليبيا حتى الآن، على الرغم من انتهاء مدة التمديد الذي مُنح لنائبة رئيس البعثة الحالية ستيفاني خوري الجمعة (31 يناير 2025) تبرز العديد من الملفات التي تنتظرها والتي تنقسم حيالها آراء المراقبين، بين من يرى أنها ستؤجل وضوح رؤيتها وخطة عملها، وبين من يرى أن المتغيرات الدولية المتصلة بالشأن الليبي ستفرض عليها سرعة التحرك، خاصة أن الجمود السياسي في ليبيا طال أمده.
ومنذ النجاح الذي أنجزته القائمة بأعمال البعثة بالإنابة ستيفاني وليامز في قيادة حوار سياسي ليبي عام 2020، انتهى بتشكيل السلطة التنفيذية في العام التالي، الممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، لم ينجح من لحقوها في قيادة البعثة في تحقيق أي تقدم في العملية السياسية، إذ عادت الخلافات إلى حد الانقسام الحكومي بإنشاء مجلس النواب حكومة موازية في بنغازي، وفشل المبعوث السابق عبد الله باتيلي في نزع فتيل الخلافات، وإقناع الأطراف الأساسية باللقاء للحوار مجدداً ما حدا به إلى الاستقالة في إبريل الماضي.
كما فشلت خلفه خوري، التي تولت مهام رئيس البعثة بالإنابة، على مدى ثمانية أشهر في إنجاز أي خطوات، بما فيها مبادرتها التي أعلنتها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتقضي بتشكل لجنة استشارية موسعة لحل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، ولجنة أخرى لحوار سياسي موسع. وستواجه تيتيه العديد من الملفات المستعصية، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية حسن عبد المولى، الذي يرى أن الأطراف الليبية دفعت بمواقف أخيراً تعكس نيتها في تأزيم الوضع، وإبراز عراقيل جديدة.
ويذكر عبد المولى في حديثه مع “العربي الجديد” من بين تلك المواقف، موقفي المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ملف المصالحة، وصراعهما على أحقية إدارته، بهدف سعي كل منهما لتعزيز مكانته، بالتوازي مع إثارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ملف مسودة الدستور، وضرورة الاستفتاء عليها حلاً لمشكلات القوانين الانتخابية.
ويضيف عبد المولى قائلاً “تصعيد الدبيبة ضد مجلس النواب، واتهامه بإخفاء مسودة الدستور منذ العام 2017، يعني أنه يضيف مشكلة أخرى للقوانين الانتخابية، ويعني أنه سيتخذ من مسودة الدستور متكأ جديداً لرفض تلك القوانين، وهي خطوة لزيادة حجم الصراع بينه وبين مجلس النواب”. وفي ملف الصراعات السياسية، يضيف عبد المولى جانباً آخر يتعلق بالمجلس الأعلى للدولة، وانقسامه الحاد بين رئيسين يتنازعان الشرعية، معتبراً أن مجلس الدولة مهم للمبعوثة الجديدة كونه شريكاً أساسياً لمجلس النواب في اتفاق الصخيرات الذي يشكل أساساً دستورياً لأي خطة لتقديم حل سياسي.
تعقيدات جديدة
ويلفت عبد المولى إلى تعقيدات جديدة في الملف الأمني والعسكري، منها العمليات العسكرية التي تشنها قوات حكومة الوحدة الوطنية في مناطق غربي طرابلس، التي يصفها بـ”الغامضة”، فحتى إذا أعلنت الحكومة أن هدفها إنهاء مظاهر الجريمة المتفشية في تلك المناطق، إلا أن وجود تشكيلات مسلحة فيها، لها ولاء لشخصيات نافذة في معسكر شرق البلاد “يضيف إليها العديد من علامات الاستفهام”، وفقاً لرأيه.
وفي الملف نفسه، يعتبر عبد المولى أن حراك اللواء المتقاعد خليفة حفتر العسكري في الجنوب “يشوبه الغموض كذلك، وأخيراً، يكثر الحديث عن قاعدة السارة وعلاقة روسيا بها، وهذا سيعيد ملف القوات الأجنبية والمرتزقة للواجهة مجدداً”، مشيراً إلى أن إثارة الوجود الأجنبي في ليبيا في الوقت الذي تمر به المنطقة بتغيرات، كما يحدث في سورية والسودان، سيجعله “أحد التعقيدات التي ستثار في وجه الكثير من السيناريوهات المفتوحة على كل احتمال، فمن سيتحدث عن روسيا وتغلغلها العسكري، عليه أن يتحدث عن الوجود التركي العسكري في غرب البلاد”.
وفي إطار حديثه عن الملفات الليبية التي تنتظر تيتيه، يعتبر عبد المولى أن ملف المال والنفط “أصعبها، والأسبوع الفائت رأينا كيف أقفل محتجون موانئ نفطية ومنعوا التصدير منها، وهم واجهة لحفتر، الذي اتخذهم من غير شك وسيلة للضغوط لفرض شخصية موالية له لشغل منصب رئيس مؤسسة النفط الشاغر منذ أسبوعين”، مضيفاً “هناك أيضاً زيارة محافظ المصرف المركزي المفاجئة لمدن شرق البلاد، وهو يتجول رفقة بلقاسم حفتر، والتي قد تحمل من دلالات إمكانية تقديم دعم مالي لقيادة حفتر ومشاريع أولاده، ما يعني عودة أزمة المصرف المركزي من جديد”.
ولقاء ما يراه عبد المولى من عراقيل وعقبات في طريق مهمة تيتيه، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي أن قراءة السياقات الدولية التي صدر فيها قرار تعيين تيتيه، قد يساعد في توقيته والتعرف على عوامل تمكنها من إنجاز “خطوات في حلحلة ولو نسبية للمشكلة الليبية”. ويوضح النفاتي رأيه بالقول، في حديث لـ”العربي الجديد”، “علينا أن نتساءل هل ستبني تيتيه خطة جديدة، أم أنها ستنطلق من خطوة خوري ولجنتها الاستشارية، والفرض الأخير أكثر قرباً للواقع من زاوية تداعيات التعقيد في العلاقات الدولية الحالية”.
ويذكّر النفاتي بأن موسكو أبدت اعتراضاً معلناً في مجلس الأمن حيال اعتماد خطة خوري، وطالبت بضرورة تعيين رئيس للبعثة بصلاحيات واضحة، ثم اعترضت عند ترشيح تيتيه، قبل أن تتراجع فجأة عن موقفها دون إبداء أسباب، معتبراً أن التعامل الروسي مع تعيين تيتيه قد يعكس تفاهمات حصلت بين القوى الكبرى في عدد من قضايا المنطقة المتصلة بالوضع في ليبيا.
ويتابع النفاتي بالقول “هذا ممكن جداً إذا نظرنا إلى طبيعة القرارات التي أصدرها مجلس الأمن بالإجماع، بما فيها موسكو، قبل تعيين تيتيه، مثل السماح لليبيا بالاستثمار الجزئي في الأموال الليبية المجمدة في الخارج، وضرورة ضبط إيقاع تصدير النفط داخل شرعية مؤسسة النفط التي تشهد تغييراً في موظفيها الرئيسيين”.
ويرى النقاتي أن زيارة محافظ المصرف المركزي لمواقع حفتر الخاصة بالإعمار والبناء وما تحتاجه من أموال، “قد تقع ضمن ما يدور في الكواليس الدولية من تفاهمات تتضمن توحيد الموازنة الليبية، وفك الخلافات حول مصادر النفط والتمويل، ومن هنا ربما نستشعر رؤية اقتصادية ستعمل تيتيه على بناء خطتها وفقاً لها، لإجراء تسوية بين أطراف الصراع الذين لن يمانعوا إذا حفظت لهم حصصهم ومصالحهم في الثروة الليبية، وبمعنى أكثر دقة، فإن خطة تيتيه ستهدف إلى تجميد الوضع بالإبقاء عليه كما هو، بهدف التهدئة، إلى حين وضوح خيارات السياسة الدولية في المناطق الساخنة”.
وعلى الرغم من خلفية تيتيه الغانية، إذ لا تشارك غانا بفاعلية في أعمال الاتحاد الأفريقي، إلا أن النفاتي يرجح أن تتبنى تيتيه فكرة المصالحة التي يقودها الاتحاد الأفريقي ضمن عمليات التسوية التي ستقودها، “بصفتها إحدى آليات التهدئة، لا سيما أن المصالحة تتطلب حوارات تستهلك وقتاً طويلاً يخدم فكرة التهدئة لفترة”.