العربي الجديد-
تواجه العديد من الأسر في ليبيا وأفرادها مشكلة تزايد حالات العنف الأسري ودرجاتها التي قد تصل إلى حدّ ارتكاب جرائم قتل بشعة جداً، ما يهدد وحدة النسيج الاجتماعي، ويزعزع أسسه القائمة على الأعراف المحافظة. ويحصل ذلك في وقت تستمر فيه الفوضى في تطبيق القوانين، وأيضاً غياب الروادع.
وأشارت تقارير دولية ومحلية، أحدها لمنظمة “محامون من أجل العدالة”، وتقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أن مؤشرات العنف الأسري في ليبيا ارتفعت في شكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، ومن بينها الجرائم المرتكبة ضد الأقارب. على سبيل المثال سُجِّلَت حادثة قتل مدمن مخدرات والدته في بنغازي، وقتل زوجة طفلةَ زوجها في طبرق، وأيضاً قتل ثلاث شقيقات والدهنّ في مدينة سبها. وشملت هذه الجرائم كل مناطق ليبيا، وتعددت أشكالها ونتائجها التي تشير إلى عدم استقرار اجتماعي حاد.
ويقول ناشطون اجتماعيون ومسؤولون في منظمات حقوقية ونشطاء إن مؤشرات العنف الأسري ارتفعت بنسبة 30% خلال العام الماضي. ووفقاً لتقديرات مركز حماية الأسرة والطفل في طرابلس، فقد أُبلغ عن أكثر من 1500 حالة عنف أسري خلال 2023.
ورغم أن السلطات فعّلت مكاتب حماية الأسرة والطفل في فروع مديريات الأمن التابعة لحكومتي البلاد في الشرق والغرب، لكن دورها لم يتجاوز تلقي الشكاوى، وتنظيم الدورات التدريبية والمؤتمرات من دون أن تعمل لإنجاز دراسات حقيقية في شأن واقع العنف الأسري في ليبيا، ووضع برامج تساهم في الحدّ من الظاهرة.
وتقول الأستاذة الجامعية في الرعاية الاجتماعية، خولة جنات، لـ”العربي الجديد”: “قوانين حماية المرأة والطفل وتشريعاتها متوافرة في ليبيا، لكن لا أحد يطبقها إلا لدى وصول الجاني أو المتهم إلى القضاء. والحاجة ماسّة حالياً للتعرف إلى أسباب تفجّر العنف داخل الأسر في شكل مرعب، وصولاً إلى حدّ قتل والد بناته وزوجته، أو قتل شاب والدته ووالده. هذه الحوادث الخطرة لافتة، وتحتاج إلى مراقبة شديدة من أجل مكافحتها، واتخاذ تدابير مسبقة لمحاولة التصدي لها وتدارك مخاطرها الكبيرة”.
تنقل جنات قول امرأة متحدرة من طرابلس وقعت ضحية للعنف الأسري أنها “اشتكت من سوء معاملة زوجها لها، لكن التدخل الاجتماعي أجبرها على إسقاط الشكوى والرجوع إلى زوجها الذي استمر في معاملتها بقسوة. أفادت الزوجة بأنها ستتحمل من أجل أولادها كي لا يفقدوا رعاية العائلة، رغم أن زوجها يعاني أمراضاً عقلية، وأنا أسأل عن مشاركة أهل هذه الزوجة في ظلمها بعدما وافقت على تزويجها برجل تعرف أنه يعاني مشكلات عقلية. هناك تقصير كبير في توفير منظمات المجتمع المدني الدعم النفسي للمتضررين من العنف الأسري، وتقديم الاستشارات القانونية لتعريفهم بكيفية انتزاع حقوقهم وحمايتهم من أي تعدٍّ داخل الأسر”.
من جهته، يشير الناشط في مجال المصالحة الاجتماعية، أبو بكر النعيري، لـ”العربي الجديد”، إلى أن ظاهرة العنف الأسري سائدة في كل المجتمعات، لكن “حجمها غير معروف، وسيظل مجهولاً في ليبيا لأسباب عدة، منها أنه حتى الفرق التابعة للمنظمات الدولية وتلك التابعة للأمم المتحدة لا تستطيع الوصول إلى كل المناطق، وهناك حجب مجتمعي أمام الوصول إلى البيانات الكافية في شأن المتضررين من العنف، إذ قد يلحق خروج هذه البيانات إلى العلن العار بأقارب الضحايا، وربما بقبيلة كاملة”.
يتابع: “يجب أن نتعرف، استناداً إلى الأساليب المتوافرة، إلى أسباب العنف الأسري واحتمال ارتباطها بجرائم شرف أو وجود إدمان. ويجب ألا نعتقد أن صور العنف تظهر في جرائم القتل فقط، إذ تعكس مؤشرات أخرى العنف، ومن بينها الأسباب التي تقف وراء ارتفاع نسب الطلاق بشكل كبير، وسوء الوضع الاقتصادي والنفسي، وعدم تحمّل رب البيت أو ربة البيت مسؤولياتهما في شكل صحيح حيال أطفالهما الذين يتعرضون لضرب وإيذاء، باعتبار أن الوالدين يريان أنهما وسيلتان تستخدمان في تربية الأطفال، وهو ما تعتقده الثقافات المحافظة وموروثاتها على صعيد التقاليد في ليبيا. وسيُنتج هذا السلوك العنيف في التربية جيلاً يشكل العنف جزءاً من سلوكه في الحياة”.